×

أدركنا يا أبا يعزى بأسودك

أدركنا يا أبا يعزى بأسودك

أدركنا يا أبا يعزى بأسودك

أدركنا يا أبا يعزى بأسودك
الثلاثاء 17 يونيو 2025 - 16:36

مما ينسب لأبي يعزى، قاهر الأسود، من كرامات أنه سمع ذات مساء، وقد عاد الرعاة بالقطيع، صخبا وجلبة وزئيرا، فلما خرج يستفسر عن هذا الذي يحدث، ازداد عجبه لما رأى الخرفان تثغوا، وهي لا يقر لها قرار، تحيط بها أسوده الأليفة، وزئيرها لا يكف.

كان الرعاة في حيرة من أمرهم لا يجدون تفسيرا لما يحدث، وعيونهم صوب مولاي بوعزة، وكأنها تستنجد.

طاف الصوفي، الأمي، بالقطيع، مستعرضا ملامحه التي يعرف جيدا؛ وفجأة توقف وهو يصيح في رعاته: هو ذا أخرجوه.

كان يشير إلى خروف بدا غريبا عن القطيع، وأكمل موضحا: لقد شرد عن قطيعه، أعيدوه إلى صاحبه، ثم أضاف: إنه حرام علينا، وهذا ما انتبهت له الأسود فأحدثت كل هذه الجلبة؛ حصنوا دائما الحلال من أن يخالطه الحرام.

ذكرتني بهذه الكرامة، وهي قوية الدلالة، صدقت أو لم تصدق، نوازل الفساد التي غدت طبقنا اليومي الذي نعاف.

كيف وصلنا إلى هذه اللحظة من زمننا، ولا حديث إلا عن فساد ظهر، وآخر سيظهر؛ وكأن الصلاح غدا بيننا مستحيلا، وكأن الصلحاء أشباح بيننا لا يراهم أحد؟

ومهما فسرنا طفرة الفساد هذه بالطفرة الرقمية التي تحيط بالحدث، وهو يحدث، وتكشفه لنا وللعالم بسرعة مذهلة؛ فهذا له تعلق بالذيوع فقط، أما الوقوع فثابت.

ومهما فسرناها بالنمو المتسارع للبلاد، ونشدان رغد العيش، من طرف الجميع، مهما وضحت السبل إليه، أو التبست، خصوصا مع وجود ضغط أغرابي كبير، تمارسه نماذج أثرت بسرعة، وارتقت اجتماعيا، حتى بدت بمثابة منارات ترسل نورها الجذاب لكل من يتخبط في يم الفقر والحرمان.

مهما قلنا بهذا يبقى حجة علينا، لا لنا؛ لأن تسارع النمو إن لم يواكبه حضور قوي للحكامة، والرقابة، محصنتين ارتقاء الأفراد اجتماعيا واقتصاديا، فسنكون كمن يغرس غابة وسط المدينة، تسرح فيها ضواري الوحوش على هواها، ولا سياج يحول بينها وبين الناس.

مع الأسف وصلنا إلى لحظة الحقيقة، التي تجعلنا نرانا إزاء مفترق طرق:

إما أن تعلن الدولة فشلها في محاصرة منابع الفساد، والفساد إياه، إذا لاح فيلا يدوس كل الخزف، ويمضي الهوينى باحثا عن فيلة.

وهذا لا يعني سوى نهاية العقد الاجتماعي، كما نظر له أصحابه، وعودة التوحش البشري.

وفي مخيالنا المغربي تحضر ثنائية بلاد السيبة وبلاد المخزن، وهي أوسع باب غزتنا منها كولونيالية القرن الماضي.

وإما أن نعلنها، كسابقتها، ثورة ملك وشعب، لمحاصرة كل هذا الفساد المستشري بيننا، كمؤسسات تداخلها مخربات تحفر أسسها رويدا رويدا، كفأرة سد مأرب الأسطورية.

وكمواطنين، نربي بيننا الفساد، في أسرنا؛ يولد، يحبو، ثم يمشي ويجري، على هواه.

ثم نضجر ونشتكي الحكومة، ومختلف المسؤولين، وكأنهم شياطين هبطوا من السماء.

والحال أنهم من أسرنا، وتربوا على يد أمهات وآباء.

إن الصالح تربى في هذه البلاد، والطالح لم يستفد من تربيته فيها.

إن الدودة التي تفسد التفاحة، من التفاحة إياها.

وهل نسكت هنا عن منظومة الحلال والحرام؛

والحال أن أغلب الإسمنت في صرح مجتمعنا من الدين؟

مرة أخرى أزفت ساعة الحقيقة، لنطرح سؤالا على كل مساجد البلاد، وزواياه؛ بل حتى على كل سجادة صلاة مشغلة:

هل فعلا لا تزال صنابير الدين تجري بماء العين الزلال، الذي يروي العقول لتنتج السلوك القويم؛ وهو الأساس في بناء المجتمعات والدول الراقية؟

ضيقوا معي مفهوم “القويم” حتى نستبعد ثنائية الجنة والنار؛ باعتبارهما مالا فرديا، تؤطره النصوص الشرعية المعروفة، والمفسرة على أوجه شتى.

أراني مضطرا لهذا التضييق لتسديد القصد، مستعيرا كلمة السيد وزير الأوقاف عن التبليغ.

كل الحصاد المجتمعي، والقضائي، يؤكد على أن الوازع الديني لم يترجم في بلادنا إلى سلوكات قويمة، تريح مؤسسات الرقابة والحكامة، لتتفرغ لفصول أخرى في النماء والارتقاء.

وكما القانون الذي انهارت هيبته، أو كادت، لم يعد الوازع الديني رادعا، ومنتجا للقوامة في السلوك.

ويتشابهان في وفرة النصوص القانونية، المتحركة والكسيحة؛ وحضور الأفعال التعبدية، بكثافة.

وإنها لمفارقة عويصة الفهم: لا القانون يردع الفساد، ولا الدين يقتله في النفس.

نحتاج طبعا لأسود أبي يعزى، دفين ايروجان، لتتصدى فاضحة كل خراف الفساد.

الأسود التي هيجها وجود خروف شارد ضمن قطيع ولي الله.

لا حل إلا في تسديد دولة الحق والقانون، لتشتغل، ليس فقط كأسود أبي يعزى، بل كذكاء اصطناعي يحتكم إلى خوارزميات، في طريقها لتصبح ذاتية، تطور نفسها بنفسها.

يبدو قضاؤنا سلحفاتي الحركة، في مواجهة فساد بسرعة أرنب. في هذه لن تكسب السلحفاة السباق، كما حصل في الحكاية.

أدلي هنا بما يؤكد نظرتي هذه:

بعد سقوط شبكة الاتجار الدولي بالمخدرات، وتسلم القضاء لأذرعها، ليعمل فيها حكم القانون، تصورت أن الأيام البيض حلت، ولن نشهد مستقبلا نوازل مخدراتية أكبر. العكس هو الذي حصل، والخبر عند شرطة القنيطرة، أكثر من غيرها.

هي إلى اليوم لا تكف عن حجز كميات فرعونية، رغم موقعها، المحاط بآلاف وآلاف نقط المراقبة.

وانتقل الأمر إلى تسريبات، من هنا وهناك، تتحدث عن شحنات وشحنات؛ منطلقة من… وستصل إلى… وهي لفلان من الأباطرة، ومؤمنة من طرف هذا أو ذاك من ذوي السلطة.

وعليه فتأسيس قضاء سريع وذكي، لمواجهة الفساد بأشكاله، بات أمرا ملحا.

أقسام ضمن محاكمنا، تتوفر لها إمكانيات حقيقية لقضاء الاستعجال.

قضاة ذكاء اصطناعي يبرمجون خوارزميات قانونية، ستدخل كل البروتوكول الأمني، والدركي، والقضائي لتحقيق النجاعة السريعة.

المساطر الحالية ثقيلة كما وكيفا، في مواجهة فساد يتحرك بسرعة فائقة، ويرتقي ضمن المؤسسات، وصولا حتى إلى الجامعة، التي كنا نخالها ملحا لصيانة الطعام، فإذا بها عنصر إفساد.

وإذا فسد الملح فبماذا يملح، كما يرد في الإنجيل.

إذا التحم قضاء الذكاء الاصطناعي، هذا، مع القرار السياسي المعلن، إنذارا وطمأنة للجميع، فإنها ستكون بحق ثورة ملك وشعب أخرى.

وإذا تحقق استقلال المغرب، عن الفساد هذه المرة، فقد اكتمل.

منا الفساد، ويجب أن يكون منا الصلاح المصلح.

أضف تعليقك

‫‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.

‫تعليقات الزوار

1
  • MC
    الثلاثاء 17 يونيو 2025 - 20:39

    “الفساد لا يسير وحده بل يركب سيارة فاخرة، ويبتسم للكاميرا.”

    أستاذنا الكريم، شكراً لمقالك الذي يعكس بعمق واقع الفساد الذي نعيشه اليوم. قصة أسود أبي يعزى تذكرنا بأهمية اليقظة والحرص على حماية القطيع من كل ما يهدد نقائه. وكما أن النحلة لا تحط إلا على الزهور النقية، وتهجر الفاسدة مهما بدت زاهية، يجب أن نغرس في مجتمعنا ضميرًا حيًا يميز الحلال من الحرام، ويبتعد عن مواطن الفساد مهما كانت مغرية في ظاهرها.

    لقد أشرت بصدق إلى أن النصوص الدينية والقانونية وحدها لا تكفي، بل لا بد من ترجمتها إلى سلوك يومي، مدعوم بإرادة سياسية قوية وقضاء نزيه وسريع. فبدون هذا، سيظل الفساد يتغلغل في مؤسساتنا ويهدد استقرارنا وتقدمنا.

    إن محاربة الفساد مسؤولية مشتركة تبدأ من الأسرة وتمتد إلى المجتمع والدولة، وعلينا أن نكون جميعًا كأبي يعزى، يقظين وحراسًا على قيمنا ومبادئنا. فلتكن هذه دعوة للعمل الجاد من أجل بناء مجتمع نظيف، قوي، لا مكان فيه للفساد.

    وأختم بالقول:
    “الضمير الحي هو الحصن المنيع الذي يصد الفساد، والنور الذي يضيء دروب الإصلاح والتقدم.”

    دمنا جميعًا يقظين كأسود أبي يعزى.

    ALHOCEIMA

صوت وصورة
فرص تطوير المالية التشتركية
الخميس 3 يوليوز 2025 - 16:44

فرص تطوير المالية التشتركية

صوت وصورة
منتدى الاستقرار المالي الإسلامي
الخميس 3 يوليوز 2025 - 13:24

منتدى الاستقرار المالي الإسلامي

صوت وصورة
مغاربة والعشوائية بالشواطئ
الخميس 3 يوليوز 2025 - 12:39

مغاربة والعشوائية بالشواطئ

صوت وصورة
زيادة تسعيرة سيارات الأجرة
الخميس 3 يوليوز 2025 - 10:08

زيادة تسعيرة سيارات الأجرة

صوت وصورة
برقية إلى الملك محمد السادس
الخميس 3 يوليوز 2025 - 09:18

برقية إلى الملك محمد السادس

صوت وصورة
مصطفى حجي بقلب مفتوح
الخميس 3 يوليوز 2025 - 08:10

مصطفى حجي بقلب مفتوح

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أسابيع | 3 قراءة)
.