كييف (أوكرانيا) (أ ف ب) – موسكو- باريس -أوسلو -الزمان
رصد معهد الزلازل النروجي (نورسار) «انفجارا» في منطقة سد كاخوفكا الأوكراني لحظة تدميره الثلاثاء، على ما أفاد مسؤولون فيه الجمعة.
وهذا الإعلان الذي لا يعزى إليه سبب الانفجار، يعزز فرضية أن سد كاخوفكا لتوليد الطاقة الواقع في منطقة خاضعة للسيطرة الروسية، لم ينفجر نتيجة الأضرار التي لحقت به خلال أشهر من القصف العنيف.
فيما اعلن مسؤول في» الاحتلال الروسي» أن منطقة زابوريجيا في جنوب اوكرانيا تشهد منذ صباح الجمعة «معارك طاحنة» رأى فيها مراقبون بدايات هجوم كييف المضاد والمرتقب، مع أنّ أوكرانيا ما زالت تلتزم الصمت في هذا الشأن.
وجاء ذلك فيما أعلن الجيش الروسي صدّ عدّة هجمات على جبهة جنوب أوكرانيا.
وقالت وزارة الدفاع الروسية «خلال ال24 ساعة الماضية، واصلت القوات المسلحة الأوكرانية محاولتها لتنفيذ عمليات هجومية في اتجاهات جنوب دونيتسك وزابوريجيا». وأكّدت الوزارة أن ما يصل إلى كتيبتين من الجنود ودبابات أوكرانية شاركت في هذه الهجمات.
من جهته، قال مسؤول الاحتلال الروسي فلاديمير في المنطقة روفوغ عبر تلغرام إنه «في الوقت الحالي، استؤنفت معارك طاحنة في منطقة بين أوريخوفو (الاسم الروسي لأوريخيف) وتوكماك»، على مستوى خط المواجهة الحالي بين القوات الروسية والأوكرانية.
ألكسندر سلادكوف مراسل التلفزيون الروسي العام الذي يملك قناة على «تلغرام» يتابعها أكثر من مليون شخص، قال إنّ «المدفعيّتين» الروسية والأوكرانية تقصفان، في الوقت الذي تشنّ كييف هجوماً على حدّ تعبيره.
وبعد أسابيع من الاستعدادات، قد يكون الجيش الأوكراني بدأ المرحلة الأهم من هجومه المضاد، في محاولة لاختراق الدفاعات الروسية على أمل تحقيق نجاح يعدّ ضرورياً في سياق الحرب المستمرّة.
وبناء على خطتها منذ عدّة أيام، لا تزال السلطات الأوكرانية تلتزم موقفا غامضا بشأن عملياتها.
من جهتهم، يؤكد الروس أنّهم صدّوا هجوماً أوكرانياً في منطقة زابوريجيا، مشيرين إلى أنّهم تسبّبوا في خسائر فادحة لكييف. ويعتقد العديد من المراقبين أنّ «الهجوم الأوكراني المضاد بدأ»، وبينهم محلّلو معهد دراسات الحرب (ISW) الأميركي، الذين يقولون إنّه ليس من المتوقع حدوث «عملية كبيرة واحدة» ولكن عدداً من العمليات المنسّقة، كما يجري حالياً.
ونقلت صحيفة «فايننشل تايمز» البريطانية عن المحلّل الأميركي مايكل كوفمان قوله «بالنظر إلى استخدام المعدّات الغربية، يبدو أنّ الهجوم الأوكراني قائم».
منذ أسابيع، تستعدّ كييف لهجومها بعناية عبر مضاعفة الإجراءات المبتكرة لتشكيل ساحة المعركة، وذلك من خلال ارسال طائرات مسيّرة الى موسكو، هجمات على الأراضي الروسية، وتعزيز عمليات الاستطلاع لاختبار دفاع الخصم…
تخوض أوكرانيا اللعبة بقوة. كما أنّ السلطات تُدرك أنّه لن يكون لديها فرص كثيرة متاحة لطرد الروس واستعادة الأراضي المحتلّة، في ظل حصولها على معدّات عسكرية غربية. ويأتي ذلك فيما بات عدد سكانها أقل وحُرمت من جزء من أراضيها، كما يرزح السكان تحت القصف الروسي المتكرّر والذي يطال العمق.
وقال ضابط فرنسي كبير الأربعاء معلّقاً على مختلف الإجراءات التحضيرية الأوكرانية التي أكد أنّها جزء من الهجوم، إنّ «الضغط قوي للغاية على الأوكرانيين وقد نكون عند نقطة تحوّل في الحرب».
وأضاف «لدي شعور بأنّهم سيلعبون كلّ أوراقهم. إذا نجح الأمر، سيتفاوضون من موقع قوة. وإذا لم ينجح الأمر… حسناً… خلال أقل من عامين هناك انتخابات أميركية». وتابع «وصلت مخزونات معيّنة (من الأسلحة الغربية) إلى مستويات حرجة، إنهم يعلمون أنّ الحبل مشدود»، مشيراً إلى أنّه «إذا لم ينجح الأمر، سيتم إجراء مفاوضات في ظل ظروف أقل ملاءمة. والأوكرانيون يعرفون ذلك جيداً».
وكان المؤرّخ العسكري الفرنسي ميشال غويا قد أكد لوكالة فرانس برس في وقت سابق هذا الأسبوع، أنّه في منطقة زابوريجيا حيث يقول الروس إنّهم صدّوا هجوماً، «الجبهة محصّنة إلى حدّ كبير ولكن بشكل أقل كثافة من منطقة دونيتشك. ولكن إذا وصلتَ إلى ميليتوبول، فهذا هدف استراتيجي: تقطع الجبهة إلى قسمين»، معتبراً أنّ «جميع المؤشرات تتقارب باتجاه هذه المنطقة».
على طول الجبهة، نشر الروس «حوالى ستة خطوط دفاعية»، حسبما أوضح مصدر عسكري فرنسي. في منطقة زابوريجيا، أطلق بعض الروس على هذه الخطوط اسم «خط فابرجيه» في إشارة إلى بيضة فخمة كانت تعتبر من المجوهرات التي صُنعت للقيصر في القرن التاسع عشر.
وأوضح الضابط الكبير أنّ «الخط الأول هو عبارة عن نقاط قوة تسمح برؤية ما يحدث، والخط الثاني لإيقاف الهجوم وهو مفخخ إلى حدّ كبير. ثم المدفعية، والدبابات الأولى لمواجهة الهجوم المضاد، وأخيراً الاحتياطات، ثمّ مواقع القيادة واللوجستيات». كلّ ذلك مدى حوالى ثلاثين كيلومتراً.
بالنسبة للأوكرانيين، «قد تكون العمليات الأولى للهجوم المضاد هي الأصعب والأبطأ»، وفقاً لمعهد دراسات الحرب، الذي يقول إنّه «من المتوقع حدوث انتكاسات أولية» قبل التمكّن من اختراق خطوط الدفاع الراسخة، والتي عزّزها الروس مدى أشهر.
وقال مصدر في جهاز استخبارات غربي الأسبوع الماضي «لا أستطيع أن أتخيّل أنّ أحد الطرفين المتحاربَين قادر على السيطرة على الآخر».
في هذه الأثناء، سيعزّز كلا المعسكَرين دعايتهما، وقد يكون من المستحيل الحكم على النجاح أو الفشل لفترة طويلة
وكتب في الصباح الباكر على تلغرام، «تجري معارك طويلة وقاسية»، مضيفاً أن «خط الجبهة مستقر». وأضاف «العدو يبذل جهوداً لا تُصدّق، وهجمات. عبثاً»، مؤكدا أن القوات الروسية «صامدة وتم الحفاظ على خط الجبهة».
ولم يكن من الممكن التحقّق من هذه التصريحات من مصدر مستقل في هذه المرحلة.
وفي اليوم السابق، قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إنّ رجاله صدّوا هجوماً أوكرانياً في منطقة زابوريجيا خلال ليل الأربعاء الخميس، من دون تحديد الموقع الدقيق للهجوم.
ويعتقد العديد من المراقبين أنّ «الهجوم الأوكراني المضاد بدأ»، بما في ذلك معهد دراسات الحرب (ISW) الأميركي، الذي يقول إنّه لا يتوقّع «عملية كبيرة واحدة» ولكن عدداً من العمليات المنسّقة.
- طائرة مسيّرة -
في هذه الأثناء، أعلنت نائبة وزير الدفاع الأوكراني غانا ماليار أنّ القتال ما زال يتركّز في شرق البلاد، من دون أن تجيب على أسئلة بشأن الجنوب. وقالت إن «العدو ينفذ عمليات دفاعية في قطاع زابوريجيا والقتال مستمر هناك».
وبحسب مراقبين، فإنّ الجيش الأوكراني يمكن أن يسعى في منطقة زابوريجيا إلى محاولة اختراق نحو توكماك، على بعد 40 كيلومتراً جنوب أوريخيف، التي تعدّ عقدة لوجستية مهمّة بالنسبة للقوات الروسية، كما أنّها آخر بلدة مهمّة مع مدينتي ميليتوبول وبيرديانسك على البحر الأسود.
لكنّ هيئة الأركان العامة الأوكرانية تلتزم الغموض بشأن استراتيجيتها، بينما بات جيشها مجهّزاً بمعدّات غربية حديثة.
في الأسابيع الأخيرة، يبدو أنّ أوكرانيا كانت تختبر المواقع الروسية على طول خط المواجهة، من الجنوب إلى الشرق، في ما يرى الخبراء أنّها وسيلة للحفاظ على حالة عدم اليقين قبل محاولة هجوم حاسم لاستعادة جميع الأراضي التي احتلّتها روسيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمّتها في العام 2014.
من جهتها، تؤكد موسكو أنّها تريد الاستيلاء على نهر دونباس بأكمله في شرق البلاد.
وعلى الجانب الروسي من الحدود، أصيب ثلاثة أشخاص بجروح طفيفة الجمعة عندما سقطت طائرة مسيّرة على مبنى سكني في مدينة فورونيج، على بعد حوالى 200 كيلومتر من الحدود مع أوكرانيا، وفقاً لحاكم المنطقة ألكسندر غوسيف.
وتُستهدف روسيا منذ أسابيع بعدد متزايد من هجمات الطائرات المسيّرة، التي تلقي موسكو باللوم فيها على القوات الأوكرانية.
- الوصول إلى مياه الشرب -
في منطقتي خيرسون وميكولايف، تسبّبت الفيضانات الناجمة عن تدمير سد كاخوفكا الثلاثاء، في مقتل ما لا يقل عن 13 شخصاً، ثمانية منهم في المناطق الخاضعة للاحتلال الروسي، وخمسة في المناطق الخاضعة للسيطرة الأوكرانية، حيث أبلغت السلطات أيضاً عن فقدان 13 شخصاً.
وقال رئيس الجزء المحتل من المنطقة فلاديمير سالدو عبر «تلغرام»، «وفقاً للتوقعات، يمكن أن يستمر ارتفاع منسوب المياه عشرة أيام أخرى».
وقالت تاتيانا إيوينكا (45 عاماً) المقيمة في المنطقة «المياه دخلت إلى المنازل والشوارع. كلّ ساعتين، أخرج لأرى ما إذا كان منسوب المياه يواصل الارتفاع».
وفي مدينة خيرسون نفسها، بدأ منسوب المياه في الانخفاض «للمرة الأولى»، وفقاً للورا موسيان الموظفة في وكالة الأرصاد الجوية المحلية.
من جهته، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنّ «مئات الآلاف» من الأوكرانيين يجدون صعوبة في الحصول على مياه الشرب، بعد ثلاثة أيام من تدمير السد.
وأضاف عبر «تلغرام» غداة زيارته المنطقة «بالنسبة لمئات الآلاف من الناس في العديد من البلدات والقرى، هناك معوّقات كثيرة أمام الحصول على مياه الشرب».
وحذّرت شركة «أوكرهيدروينرجو» المشغّلة من أنّ مياه السد «انخفضت 4,7 أمتار» منذ الثلاثاء. غير أنّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية أفادت بأنّ المياه تواصل تبريد محطّة زابوريجيا للطاقة النووية الواقعة على بعد 150 كيلومتراً من المنبع.
وتبادلت كييف وموسكو الخميس الاتهامات بشأن تنفيذ ضربات على المناطق التي تجري فيها عمليات إجلاء لسكان خيرسون.
وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الجمعة إنّ «كلّ المؤشرات تدل على ما يبدو» إلى أنّ روسيا كانت وراء تدمير هذه البنية التحتية.
من جهتها، أعلنت النروج تخصيص 13 مليون يورو لجنوب أوكرانيا.