اقتصاديون يستعرضون أبرز التحديات أمام "التمويلات الصغيرة" بالمغرب
بمصادقتها على مشروع المرسوم رقم 2.
25.
450 المتعلق بـ”تحديد المبلغ الأقصى للسلفات الصغيرة وأسقُف الأموال المتلقاة من قبل مؤسسات التمويلات الصغيرة”، مرت الحكومة إلى تطبيق أحكام المادة 5 من القانون رقم 50.
20 المتعلق بالتمويلات الصغيرة الذي صدر في 29 يوليوز 2021، والذي يهدف إلى تحديد المبلغ الأقصى للسلفات الصغيرة الممنوحة من قبل مؤسسات التمويلات الصغيرة حسب صنف وأهداف كل مؤسسة، وكذا إمكانياتها المالية، وتحديد الخصائص والأسقف المحددة لتلقي الأموال، وإنجاز عمليات التأمين الصغيرة من قبل مؤسسات التمويلات الصغيرة.
وحسب معطيات رسمية أوردتها الحكومة بالمناسبة، فـ”هذه العملية تضمن تمكينَ تلبية طلبات التمويل، بشكل أفضل، للفئات المختلفة من الأشخاص ذوي الدخل المحدود والمقاولات الصغيرة جدا بهدف إحداث أو تطوير أنشطة الإنتاج أو الخدمات أو الأنشطة المدرة للدخل والمحدِثة للشغل”.
وقطاع التمويلات الصغيرة في المغرب، حسب الأرقام المقدّمة، بلغ حجمًا قدره 9.
3 مليارات درهم متم 2024؛ وهو “رقم يعكس، من جهة، اتساع قاعدة المستفيدين (حوالي 778 ألفا و404 أشخاص)، ومن جهة أخرى، الطلب المتزايد على هذا النوع من التمويل، خصوصا في صفوف النساء اللواتي يمَثّلن نسبة تقارب 47 بالمائة”.
#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} ملاحظات قائمة تعليقا على الموضوع، قال محمد عادل إيشو، أستاذ علوم الاقتصاد والتدبير بجامعة بني ملال، إنه “رغم ما يبدو من إيجابيةِ الأرقام السالفة، فإن القراءة المتأنية تفرز عدة ملاحظات أساسية”.
أولى الملاحظات تتعلق بـ”تمركز التمويلات لدى الأفراد على حساب المقاولات” بأكثر من 6 مليارات درهم مقابل حوالي ملياريْ درهم فقط مخصصة للمقاولات الصغيرة جدا.
وأورد إيشو، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “هذا التوزيع يطرح تساؤلات حول مدى قدرة التمويلات الصغيرة على تحقيق هدفها الحقيقي، وهو دعم النشاط الاقتصادي المنتج والمهيكل، وليس الاقتصار فقط على تمويل الحاجيات الاستهلاكية الفردية، التي قد تؤدي في بعض الحالات إلى مديونية غير منتجة”.
كما رصد المحلل الاقتصادي ذاته “ضُعف مساهمة القطاع في خلق مناصب شغل مباشرة”، مضيفا “إذا كان عدد العاملين في هذه المؤسسات لا يتجاوز 7568 شخصا على الصعيد الوطني، فهذا يدل على محدودية تأثير القطاع على سوق الشغل المباشر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القطاع ينشط منذ سنوات طويلة، وكان يُفترض أن يكون له أثر أكبر في امتصاص البطالة، خصوصا بالوسط القروي”.
وحسب أستاذ الاقتصاد عينه، فـ”سقفُ التمويلات غير كافٍ في سياق ارتفاع الأسعار” لأن “السقف المحدد للسلفات الصغيرة، المستمر منذ 2019 والمتمثل في 50,000 درهم لتمويل الأنشطة أو الخدمات، يبدو اليوم متجاوَزا بالنظر إلى التضخم الذي عرفته الأسعار في السنوات الأخيرة، خصوصا بعد جائحة كوفيد-19 وتأثيرات الأزمات العالمية على القدرة الشرائية”.
وبالتالي “فالكلفة الإجمالية لخلق مشروع بسيط أصبحت تتجاوز هذا السقف بشكل واضح، مما قد يُفرغ هذه التمويلات من نجاعتها الفعلية”.
وفي إشارة دالة لاحظ إيشو أن “98 بالمائة من القروض متركزة لدى أربع مؤسسات كبرى، وهو ما يطرح إشكالية تركّز السوق وهيمنة فاعلين محددين، مما قد يحدّ من التنافسية ويؤثر سلبا على شروط التمويل وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين”.
أما “انتقال هذه الجمعيات إلى شركات مساهمة” فقد “يكون خطوة في اتجاه تحسين الحوكمة وجذب استثمارات جديدة، لكنه في الوقت نفسه يثير التخوف من أن يتحول منطق هذه المؤسسات من “التمكين الاجتماعي” إلى “الرّبحية القصوى”، وهو ما قد يُضعف الأهداف الاجتماعية للتمويلات الصغيرة”، يقول المحلل الاقتصادي ذاته.
“توسيع التمويلات الصغرى” من جهته أكد الأستاذ الباحث في قانون الأعمال، بدر زاهر الأزرق، أن “مشروع المرسوم (المصادق عليه في مجلس للحكومة مطلع يوليوز 2025) يبرز اتخاذ خطوة مهمة لتوسيع التمويلات الصغرى في المغرب”، لافتا إلى أن “الهدف واضح وهو زيادة عدد المستفيدين وتقديم إمكانيات وفرص تمويلية جديدة”.
وأضاف الأزرق، في حديث لجريدة هسبريس، أن “الإطار السابق للتمويلات والقروض الصغرى لم يكن مناسبًا للتطورات الاقتصادية والتغييرات الجارية في دينامية الأسعار.
وقال إن “الاحتفاظ بالسقف السابق للتمويلات لم يتماش فعليا مع متطلبات السوق وتطوراتها”.
وفي نظر المحلل الاقتصادي عينه، فـ”القروض الصغرى الموجهة للاستثمار تواجه إشكالية في سداد الديون من قِبل المستثمرين الصغار”، منبها إلى أن “القروض قد تتحول من فرصة للتطوير إلى عبء كبير على المستثمرين”.
كما اعتبر أن “المواكبة والدعم للمشاريع الصغيرة عاملان ضروريّان لضمان استرداد الديون ونجاح المشاريع”، مردفا أن “التمويلات الصغرى تساهم في دعم التنمية الاقتصادية الشاملة ودعم المقاولات الصغيرة”.
وأشار إلى أن “القطاع يوفر فرص عمل وبإمكانه أن يضاعِف عدد المستفيدين”، لافتا إلى أن “البرمجة الجيدة للأقساط ستساهم في تحويل المشاريع الصغيرة إلى متوسطة وكبيرة خلال السنوات القادمة”.
استدامة الأثر؟ ويوصي خبراء اقتصاديون ومتخصصون في شؤون المال والأعمال بـ”ضرورة الرفع التدريجي لسقف التمويلات ليتماشى مع تكاليف الاستثمار الحقيقية الراهنة في المغرب”، مؤكدين لهسبريس ضرورة “إعادة التوازن بين تمويل الأفراد وتمويل المقاولات الصغيرة جدا، مع تحفيز المشاريع الإنتاجية والمهيكلة بدل الاستهلاك الفردي”.
كما أثاروا انتباه الفاعل الحكومي الوصي إلى ضرورة “تشجيع تنويع الفاعلين في السوق لتفادي تركّز القروض لدى عدد محدود من المؤسسات”، مقترِحين “وضع آليات تتبع صارمة لتفادي تفاقم المديونية غير المنتجة، خصوصا لدى الفئات الهشة”.
ويرى إيشو أن التمويلات الصغيرة “أداة ضرورية لتحقيق الإدماج المالي ومكافحة الهشاشة، لكنها في المغرب، رغم التوسع العددي، لا تزال تحتاج إلى تقييم دقيق لنجاعتها وجودة أثرها الاقتصادي والاجتماعي”، مبرزا أن “الأرقام المعلنة مهمة، لكنها وحدها غير كافية للحكم على نجاح التجربة ما لم تكن مرفقة بمؤشرات واضحة حول تحسين دخل المستفيدين واستدامة مشاريعهم”.