إيران تواجه وحدها.. والجزائر تُحاصر بصمتها

إيران تواجه وحدها.. والجزائر تُحاصر بصمتها

موقف من الواضح أن اختلال الموازين في تقييم المعركة اليوم مدعاة لهذه الفوضى في المواقف.

إيران تقف على جانب لا بأس به من الإسلام الذي يؤمن به المسلمون عامة عبر تاريخه كله، وتؤثر العصبية الفارسية في مواقفها كثيرا.

ولا يختلف الفرس عن الأتراك كثيرا في العصبية من حيث الحدة وإن كان الترك أخف قليلا للمشترك الواسع بينهم وبين سائر العرب والمسلمين، ويقال مثل ذلك في أكثر العصبيات المسلمة المتباينة في درجات الغلو هنا وهناك.

لقد خسرت إيران في مواجهتها العالم الإسلامي  كثيرا، وها نحن نراها اليوم تقف وحدها في المعركة ضد الاحتلال الصهيوني رغم أن غالبية العالم الإسلامي يظاهرها، ولكنها لفرط ما أدمنت التعصب والعصبية لم تستطع أن تجيّر هذا التعاطف الكبير معها في هذه الملحمة وقد بدا خطابها متفردا جافيا.

وسواء استطاعت إيران أن تضعف الكيان الصهيوني أو يضعفها فالمسلمون جميعا بحاجة إلى قيادة من نوع آخر تماما لحسم هذا الصراع المتعاظم.

لقد خسرت إيران في مواجهتها العالم الإسلامي كثيرا، وها نحن نراها اليوم تقف وحدها في المعركة ضد الاحتلال الصهيوني رغم أن غالبية العالم الإسلامي يظاهرها، ولكنها لفرط ما أدمنت التعصب والعصبية لم تستطع أن تجيّر هذا التعاطف الكبير معها في هذه الملحمة وقد بدا خطابها متفردا جافيا.

إيران في السنوات الماضية كانت قوة ناشئة، لم تنتظر أن تحقق مستوى عاليا من التحضر لشعبها كي تلج مرحلة التأثير في غيرها، بل انجرت بدافع من الرغبة الجامحة إلى غزو القريب قبل البعيد، في خطة واضحة المفاعيل، وإن تخفت عناوينها وراء ألسنة الفاعلين.

البحث عن امتدادات ذلك التوجه الديني يخدم إيران في محيطها الإقليمي من الناحية المذهبية خاصة، ويجعل لها مكانة في قرارات تلكم الدول باستمرار، أي أن المرجعية الدينية التي تريدها إيران للشيعة في العالم تريدها أن تكون في إيران لا في مكان آخر، ومعلوم أن الولاء الديني باسم المرجعية والتقليد من أمتن الولاءات على الإطلاق، ولا أدل عليه من مكانة النجف في نفوس الشيعة في التاريخ الإسلامي، رغم انقشاع الغطاء السياسي عنه في بعض مراحل ذلك التاريخ.

أما سياسيا، فإيران مطلة على قلب العالم الإسلامي، وقلب هذا العالم هو قلب القارات الخمس، وأهمية المنطقة جيوسياسيا جعلت القوى العظمى عبر التاريخ تتطلع للسيطرة على هذا المكان، لعلمها بأن التحكم في القرار الدولي يمر عبر هذا المكان.

ولقد وجدت الولايات المتحدة، كأكبر قوة معاصرة في الحروب الناشبة عندنا، فرصة العمر للدخول إلى البيت ومن ثم العمل في ترتيب أوضاعه بما يخدم طموحات هذه الإمبراطورية التوسعية.

يبرز في هذا الواقع الصعب سؤال ملح بدأ يطفو على السطح، مفاده هل دفع الخليج تكلفة مسبقا؟ أعني تلك التريليونات التي تلقفها الراعي الأمريكي وهو غير ممتن في ما ظهر من لغته القولية والجسدية، لعلمه بأن "تخليص" المنطقة من إيران لا يساوي ما قدم من مال، ولعله سيطلب مستقبلا نصف الناتج المحلي لتلكم الدول إذا ما نجحت الصفقة.

ولكن، ماذا لو أجرت إيران تجربة نووية؟ ومما يقطع النسق المنطقي لمحور المقاومة بقيادة الجمهورية الإيرانية في هذه الظروف، ما بدأ يقوله الإخوة في جماعة أنصار الله عن موقفهم المناصر لكل دولة إسلامية تتعرض للظلم من الصهاينة ما لم نره منهم حينما استهدف أهلنا في كشمير الهنود وقد كان الصهاينة من مناصريهم، وقد كان بإمكان الحوثيين غلق مضيقي باب المندب وهرمز في وجه الملاحة الهندية خاصة النفطية منها؟ ثم كم يمثل الحوثيون من اليمنيين كي يتكلموا باسمهم جميعا؟ ولماذا استأثروا بالقرار السيادي للبلاد من دون إخوتهم السنة وهم الأكثرية في المجتمع خاصة أولئك المؤمنين بالحكم الإسلامي؟ نسمع نداء متأخرا للأمة في هذه الملحمة المشرفة غاب طويلا في أدبيات المحور المقاوم! هذه الأسئلة وغيرها تحتاج في الإجابة عنها إلى رؤية أوسع من الإيديولوجية، وإلى قواعد تحليل لا تنحصر في السياسة وحدها.

مربط الفرس يكمن في نظرة الغرب إلى الشرق بعامة والمشرق الإسلامي منه بخاصة، نظرة استعمارية تختزن كل أصناف الصراع الحضاري والديني والأيديولوجي وصراع الشمال والجنوب.

وفي عنفوان النظام الإيراني الذي أبداه في هذه الملحمة المشروعة تغيب اللحمة بينه وبين مظاهريه، لأنه عاش طويلا في عزلة، وولغ كثيرا في العدوان.

إلى أين؟ (801) سيبقى رقما راسخا في الذاكرة الجزائرية، لا لكونه يمثل الحد الأدنى ممن أثروا بغير حق من مال الشعب باستغلال مناصبهم القيادية فأصبحوا بشهادة من يختزن أموالهم رأس حربة في فساد يتجدد إهابه ولا يزول، بل لأن فرنسا نفسها تسترت عليهم وقبلت بمال تعلم أنه مال منهوب وفضلت ادخار سره ليوم الحاجة، وها قد أزفت المناسبة.

هي فضيحة جديدة في عالم السياسة، سنرى فصولها لا على المسرح الفرنسي الذي لا يعنينا أمره، بل على الساحة الجزائرية قضاء وسياسة واقتصادا وإعلاما.

.

.

ثمانمائة مسؤول ومسؤول واحد يزيد عنهم حدا وعدا غير العسكريين لهم أصول مالية في فرنسا! هذا تصريح رسمي يعني الكثير بالنسبة للشعب الجزائري، فهؤلاء يمارسون السلطة في بلادهم وهم معروفون لدى القيادة بهذه الأصول ولا ريب، وإذا علمنا سقوف الرواتب التي يتقاضاها الموظفون السامون في الدولة، فمن حقنا أن نسألهم من أين لهم بكل هذا؟ يعتبر منشور صحيفة "لاكسبراس" تبليغا للسلطات المعنية بمكافحة الفساد، وهي مضطرة إلى العمل على تبرئتهم قضائيا أو اتخاذ إجراءات بعزلهم إذا ثبت اتهامهم، ففي الجزائر أشخاص لا يزنّون بريبة أكفياء بهذه المناصب العليا وجديرون بهذه المعركة الوطنية ضد فرنسا المستعمرة.

كما أن السلطة الجزائرية تلعب على الحبال كلها لتبقى سالمة، والشعب يتلهف على نصرة غزة ويجمع لهم الأموال على الدوام.

جماعة الإخوان المسلمين في هذا البلد غردت طويلا خارج السرب، تحتاج اليوم إلى الشعب الجزائري ليساندها في وقفاتها الاحتجاجية وفي قوافلها نحو غزة، ربما يفعل الشعب وربما لا.

ومن الحكمة في هذه المحطات التنسيق مع الجهات الموثوقة والتي لها كلمة مسموعة في البلاد، طبعا هي موجودة خارج السلطة وبين صفوف الشعب.

السلطة تحاول اللعب بكل الأوراق لتنال رضا الجميع، الأوراق التي تعود ملكيتها للشعب الجزائري وحده بطبيعة الحال، ولكن إلى متى ستظل الجرة سالمة في كل مرة؟ لا تملك الجزائر ما تملكه إيران من قوة ردع نووية وبالستية، ليس في يدها غير إعطاء أرباح من ريع البلاد في شكل استثمارات لا تهم مردوديتها ولا نجاعتها على الحياة اليومية للجزائريين، وبمزيد منها تسكت السلطة المتربصين بها إلى حين كما تظن.

ولكن ماذا لو طلبوا أكثر، الاستحواذ على رأس المال أو تغيير النظام؟رأس النظام الجزائري أصبح مطلوبا للصهاينة وللغرب، لأنه لم يعد هنالك مكان للرأس المرفوع بعد السابع من أكتوبر، فالعدو الصهيوني جراحه نازفة وهيبته بالحضيض.

والجزائر بالنسبة للغرب كعكة متاحة بقليل من الكيد، له أدوات جاهزة للتنفيذ.

الساحل الجزائري يقع بفم التمساح الأوروبي من شرقه حتى غربه، فأمست الدولة محاصرة من كل جانب عدا من شرقيها تونس وليبيا طرابلس.

لا تملك الجزائر ما تملكه إيران من قوة ردع نووية وبالستية، ليس في يدها غير إعطاء أرباح من ريع البلاد في شكل استثمارات لا تهم مردوديتها ولا نجاعتها على الحياة اليومية للجزائريين، وبمزيد منها تسكت السلطة المتربصين بها إلى حين كما تظن.

ولكن ماذا لو طلبوا أكثر، الاستحواذ على رأس المال أو تغيير النظام؟ يمكن للساسة الموريتانيين أن يكونوا بيضة القبان في هذه المشهدية الفوضوية، إذا ما تحالفوا مع محور إقليمي صلب وصعب الكسر، يضم: موريتانيا، الجزائر، أزواد، جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، تونس، وغرب ليبيا.

في مقابل محاور أخرى أضعف أو فاقدة للسيادة.

لكن نجاح هذا المحور الإقليمي المنشود مشروط ببناء مشروع سياسي جامع، يقوم على قواسم مشتركة أساسية: مرجعية الإسلام، والاعتراف المتبادل بين مكوّناته، والتنمية المستدامة، وحق الدفاع المشروع عن النفس وردّ العدوان.

*كاتب وإعلامي جزائري

منوعات      |      المصدر: عربي 21    (منذ: 4 ساعة | 1 قراءة)
.