إسرائيل وإيران.. حرب التفاهمات والاتفاقات المسبقة!
سبتمبر نت/ تقرير – منصور الغدرة توقفت الحرب الاسرائيلية الإيرانية بهذه الصورة الهزيلة كما بدأت بصورة ومسرحية هزلية أيضا، بعدما اندلعت بين حليفين وأداتين لراع واحد-الدول الاستعمارية الغربية-الذي زرعهما قبل قرن نيف في خاصرة الوطن العربي للحفاظ على مكاسبها وحماية مصالحها في المنطقة من خلال الهيمنة على الوطن العربي وزعزعة الأمن والاستقرار داخل وبين الدول العربية التي قسمت جغرافية الوطن العربي الواحد بإقامة الحدود المصطنعة بين دوله، وأثارت الفتن واشعلت الصراعات والحروب البينية والاهلية والنعرات الطائفية والتمايز الطبقي داخل نسيجه الاجتماعي الواحد.
.
إسرائيل وإيران، ولد من مشكاة واحدة، وشبيهان في الخلق والخليقة، ما هما إلا حذاءان لراع واحد، قرن مضى، وهذان الكيانان يعبثان باستقرار وطننا العربي وأمنه القومي، كحليفين أوكل لهما تأدية مهمة واحدة، وهي منع استقرار الوطن العربي، بافتعالهما القلاقل والفوضى والاضطرابات واشعال الحروب الاهلية داخل الدول العربية وتفكيك نسيج المجتمع الواحد وبين دول وانظمة الوطن العربي، مقابل منحهما سطوة الهيمنة والدعم والرعاية.
ما يربو عن عقود سبعة، واسرائيل وإيران ، يشكلان يد اللصوصية والنهب لثروات الشعب العربي، لتندلع بينهما حرب ال12 يوما، لعدة أسباب، أبرزها مطامع كل منهما الفوز بالمركز الاول بالوصاية، وعدم كفاية محصول منهوب الجربة العربية للاثنين ورعاتهما السبعة، ومن الاسباب كذلك، مساعي لاعبين جدد في مرحلة التصفيات المؤهلة لبطولة للفوز ببطولة الحظوة الغربية.
.
!.
السيناريو الذي انتهت إليه الحرب الاسرائيلية الايرانية، ما هو إلا تجسيد واقعي لمضاربة سارقين وسط السوق بهدف سرقة ما في جيب المفارع بينهما من نقود، أوأنها مضاربة ومشاغلة الرباح على الهيمنة واستمرارهم في نهب خيرات وثروات الوطن العربي «الجربة العربية»- أي أن الحرب بين اسرائيل وإيران هي الصورة المعبرة للمثل الشعبي اليمني القائل «إذا تضاربت الرباح أوبه على جربتك» الرباح هما اسرائيل وإيران والجربة هي جغرافية المنطقة العربية.
.
فهل انتبه العرب لجربتهم من اللصين؟!.
ذاك العداء الذي ظل لعقود في الاعلام فقط كخطاب تعبوي انتهجه الحليفان، في الوقت الذي يجمعهما سرا تحالف تقليدي وعميق، تحول إلى مواجهة مباشرة بينهما وشبه حرب، خيل للمتابع أن الحليفين جادين فيها، مما اربكت المشهد، لكن سرعان ما كشفت انها حرب التفاهمات والاتفاقات المسبقة على كل تفاصيل مضمونها، واهدافها وساحاتها وسمائها، الغاية منها قطع الطريق امام اللاعبين العرب الجدد، وتعزيز الهيمنة والسيطرة على المنطقة والرقعة الجغرافية العربية والاستمرار في نهب ما في باطنها من جهة، ومن جهة اخرى اختبار مدى الامكانيات والقدرات العسكرية التي يمتلكها كل منهما، وما السلاح الذي يتفوق كل واحد منهما عن الآخر، رغم اقتصار المواجهة بينهما على مواجهة الجو، استخدم كلاهما كل ما لديه من قدرات عسكرية في المواجهة، لكنها كانت كلها محسوبة وفق التفاهمات والاتفاقات المسبقة، التي اظهر النظام الايراني فيها اكثر التزاما ببنود التفاهمات، رغم المعروف عنه أنه مدرسة المليشيا الشيعية المجوسية التي تخلف بالوعود وتحنث بالعهود، وبلاد فارس-ايران موطن النكث بالعقود والاتفاقات، بعكس اسرائيل التي حافظت على موروثها المنحرفة، وتعاملت مع حليفتها إيران بقسوة، واستخدمت كل ما لديها من قدرات وامكانات، سواء في مجال الحرب الالكترونية والامن السيبراني وزراعة الجواسيس والعملاء بأعداد الجيوش، وتمكنت من اختراق نظام ولاية الفقيه في قم والوصول الى غرف نوم كل قيادات الصف الاول والثاني وتصفيتهم مع العشرات من ابراز العلماء النوويين الايرانيين، إلى حد القول إنها تواصلت عبر الهواتف واجهزة الاتصالات اللاسلكية مع كثير من القيادات العسكرية والميدانية لنظام ملالي إيران، لتقنعهم بالانسحاب من مقراتهم ومعسكراتهم والعودة إلى منازلهم أو الانضمام إلى جيش الجواسيس التي تمكنت من زراعتهم في المجتمع الايراني منذ وقت مبكر مستغلة، الثقة التي ولدها التحالف بينهما.
.
وفيما اتفقا المتحاربان في سياسة التكتيم الاعلامي عن ضحاياهما، باستثناء اعلان اعداد الاصابات في صفوف المدنيين، وكأن تلك الصواريخ التي كانت تطلق من كليهما صواريخ مسالمة، او انها لا تحمل في رأسها الحربية إلا اقلام رصاص.
.
واغصان الزيتون.
!.
الخبراء ينتقدون تكتيك إيران في معظم اسبوع الحرب لم نر من نظام عمامة فقيه قم، ما يوحي انه متفوق ولا في أي مجال، عدا التهديدات والشطحات كما هو عادته، حتى وإن كان بعض المحللين والخبراء العسكريين حاولوا إظهار تفوقه في جانب صواريخ الفرط صوتي ذات الرؤوس المتعددة، والقادرة ان كانت بالفعل تمتلكها إيران كما تدعي، الوصول إلى بنك اهدافها في الاراضي المحتلة، لكن لم تستخدم إلا في النادر وبعد اسبوع من الحرب، ولم يستهدف بها ولا قاعدة عسكرية اسرائيلية البالغ عددها 10قواعد موزعة على ارض فلسطين المحتلة، البالغ مساحتها20ألف كيلو متر مربع، لا تساوي مساحة مدينة من محافظة إيرانية.
.
وهذا الامر اثار استغراب الخبراء العسكريين، وانتقادهم للأسلوب الذي يتبعه النظام الايراني في ادارته للحرب، واحتفاظه بإمكانيات واسلحة تمكنه من استعادة زمام المبادرة في المعركة لإغلاق هوة تفوق الخصم (الكيان الصهيوني)، وهل السبب في ذلك متعمدا ومقصود ومتفق عليه ايضا، أم هو جهل معرفي باستخدام تلك الصواريخ، كيف ومتى، أم كان لعدم وجودها بحوزة ايران في الاساس.
.
؟!.
وعقب انتقادات على الهواء مباشرة في قناة الجزيرة، وجهها الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء فايز الدويري ،للعسكريين الايرانيين عن اسباب عدم استهدافهم القواعد العسكرية التي تقلع منها الطائرات الاسرائيلية، بالصواريخ والمسيرات، لما لهذه القواعد العسكرية من اهمية في المعركة، خاصة وانها قواعد كبيرة ومنتشرة على مساحة صغيرة.
ودعا اللواء الدويري، إلى التزام تكتيك في ادارة الحرب يقوم على التنوع في السلاح، بالتزام مبدأ التزامن عبر المزج بين المسيّرات والصواريخ الباليستية والمجنحة والفرط صوتية، مع مراعاة 4 مفاهيم أساسية هي: التزامن، التنوع، التباعد، وعدم الانتظام.
وأشار إلى أن مزامنة اطلاق الصواريخ والطيران المسير، بحيث يصلان إلى اهدافها في زمن متقارب، تعمل ارباكا لرادارات الرصد وتعمي منظومة الصواريخ الاعتراضية التي تعجز عن اصطياد اكثر من عشرة صواريخ دخلت المجال الجوي في نفس الوقت، وان تمكنت من اصطيادها فالطائرات المسيرة تفلت من منظومة القبة الحديدية المرتبكة لحظتها بأهداف اخرى.
وأكد ان هذا النمط غير المنتظم يخلق إرباكا لدى القيادة الإسرائيلية في إدارة دفاعاتها الجوية، حسب الخبير العسكري، رغم أن فعالية هذه الهجمات تبقى أقل من تأثير الضربات الإسرائيلية العميقة داخل الأراضي الايرانية.
تنبيه الدويري جاء بعد مرور خمسة ايام من الحرب، لتعمل به إيران في اليومين التالين 18و19 لمرة واحدة فقط في كل يوم باستهدافها مبنى لمستشفى اسرائيلي جنوب تل ابيب، يقوم بعلاج الجنود الاسرائيليين في حرب قطاع غزة، ومحطة قطارات في قاعدة عسكرية تحت الانشاء في بئر السبع، ومبنى المجمع الاعلام لقنوات اسرائيلية في حيفا.
بصاروخ من الجيل الجديد متعدد الرؤوس الحربية، يتشظى الى 28رأسا حربيا صغيرا.
وبعدها عادت إيران الى التوقف عن اطلاق مثل هذه الصواريخ، لكنها في الوقت ذاته استمرت في صرف الانظار عن إدارج القواعد العسكرية الاسرائيلية العشرة ضمن بنك اهدافها يبدو أنها كانت ضمن التفاهمات والاتفاقات المسبقة بعدم استهدافها.
.
!.
الحرب الاسرائيلية رغم انها، لم تكمل اليوم الثاني عشر من اندلاعها، إلا انها تكشفت خلالها اشياء كثيرة مما جرى الاتفاق عليه، وهي ما تعد نوعا جديدا من الحروب العسكرية التي يتم الاتفاق بين اطرافها على تفاصيلها.
ومدتها واهدافها، والنهاية التي يجب تنتهي بها، والخطاب الاعلامي والسياسي والعسكري الذي يرافقها، وينهيها، وبما في ذلك اتفاق طرفيها على احتفاء كل منهما على انه هو المنتصر فيها ولا احد يزعل من الثاني.
.
غريب امر هذين المتحاربين، يضحكان على المواطن العربي، بل والحكام العرب، على انهما خصمان لكيلهما، وهما في الحقيقة يتحاربان ويتضاربان ويشتبكان بالألسنة والبوق الاعلامي فقط.
بينما يتضاربان لاصطيادنا نحن العرب، ويخططان لقطف حصاد جربتنا العربية يا قوم اسماعيل و يا قحطانيين و ياعدنانيين.
ها هي صورة خاتمة مسرحية حربهما امامكم تبدو واضحة في مشاهدة نهايتها وانها ليست حربا حقيقية، ولكنها مجرد حرب التفاهمات والاتفاقات المسبقة بين اطرافها ومخططوها.
بعد أسبوعين من ضجيج ورعيد التهديدات والوعيد وعناوين الاخبار والتصريحات المرعبة للحلفاء طرفي الحرب-القادة الاسرائيليين والايرانيين وراعيتهما أمريكا، التصريحات المشحونة بمفردات الترهيب والرعب، المملؤة بمصطلحات الموت لمن يعارضها او يتحداها.
.
تدمر لا ما تدمر اسبوعان والعالم يترقب مذعورا من دنو الساعة، واندلاع حرب عالمية ثالثة تهلك الحرث والنسل، فلا تبقي ولا تذر مخلوقا على ظهر كوكب وسماء الارض العربية ومحيطها، بعدما أحضر المجنون ترمب قنبلة القيامة الامريكية على متن الشبح عزرائيل B52، إلى سماء المنطقة في تدمير اثنين كيلو محتملة من اليورانيوم المخصب تمتلكها إيران في منشآتها النووية- فوردو، اصفهان، بطنيز الايرانيات-في ذات الوقت يبرم سرا اتفاقا يسمح لنحو عشرين شاحنة ايرانية برفقة خبراء نوويين روس بنقل تلك الاثنين الكيلو المحتملة من اليورانيوم المخصب الايراني إلى أماكن آمنة مجهولة للاحتفاظ بها حتى لا تقع في مصيدة قنبلة ترمب الحارقة الخارقة ،وفي نفس الوقت يعلن عن منح إيران مهلة اسبوعين بالاستسلام وتفكيك مفاعلها النووي ما لم سيتم قصفه بقنبلة القيامة الامريكية القادمة من وراء محيطات وادغال القارات السبع.
.
وفي النهاية تكتشف المفاجآت التي يعشقها الرئيس الامريكي ترمب، هاوي ادارة حلبة المصارعة-الفارسية اليهودية- الرومانية الحرة، بالبارود النووي.
.
! 12يوما والعالم، متسمر كالصنم ليلا نهارا، امام شاشة التلفاز يرقب مشاهد الحرب وتناقضاتها، مع ارتفاع نبرة التحدي في ختام اسبوعها الاول بين اطرافها إما الاستسلام وإما الموت وفناء الحياة بذرة نووي فوردو.
.
أنتاب سكان منطقة الشرق الاوسط، الفزع ورعب التهديدات ظلت ابصارهم شاخصة الى السماء منتظرين متى سيأتيهم عزرائيل الموت من السماء، وعيونهم تذرف الدموع حزنا وكمدا على صورة الطفولة التي تذبح من الوريد إلى الوريد، وصورة جرائم حرب الابادة الجماعية التي يرتكبها التحالف الصفيهوني بحق النساء والشيوخ في الاراضي المحتلة بفلسطين وفي اليمن وفي مناطق عدة من وطننا ومنطقتنا العربية، وعالمنا الاسلامي، عقود ثمانية، وهذا الواقع المدمي يلازمنا، ومأساة لصيقة بواقعنا العربي.
.
مشاهد محزنة ترسم صورة قبيحة للانحطاط والانحدار التي وصلت إليها إنسانية العالم ، واخلاقيات الحروب البشرية.
.
لكن يبدو أن هذا لم يكفنا، والآن جاء هذا التحالف-الاسرائيلي الإيراني- ليوسع من جرح منطقتنا العربية، ليخوض حربا مع نفسه، متفق على تفاصيلها سلفا، حلف يتقمص الخصومة والاعداء، ويتقاتل على ارضنا وفي سمائنا، لكي يضاعف من مآسينا اكثر وأكثر، وتعزيز هيمنته على المنطقة وابتزاز ثروات العرب أكثر فأكثر!.
الحرب المتوقفة للتو بين طرفي هذا التحالف، اسرائيل وايران، ما هي إلا جزء من مخططات إبقاء الوطن العربي تحت الهيمنة الغربية للدول الاستعمارية، ومحاولة اعادة رسم خارطة توزيع الهيمنة على المنطقة العربية، لإبقاء الحال على ما هو عليه، من ضعف وتفكك للعرب، وتدمير لمقدرات وطننا العربي، وعملية نهب مستمرة ومنتظمة لثرواتهم.
.
يتكشف لنا من الحرب الاسرائيلية الايرانية، اصطلاح تسميتها ب«حرب التفاهمات والاتفاقات المسبقة بين اطرافها».
.
اتفاق مسبق يبرمه المتحاربون المباشرون وغير المباشرين، كالمخططين وراسمي سيناريوهات الحرب منذ انطلاق صرخة اشتعالها الاولى حتى لحظة إيقافها.
.
يتفقون على كل تفاصيلها، على ميدان وساحات وسماء الحرب واهدافها، بما في ذلك مدتها وساعة وقفها، والصورة التي تنتهي عليها، وكيف تكون النهاية، بحيث لا يكون فيها منتصر ولا مهزوم، وإنما هناك شيء من الاذلال لأطرافها، الذي يضطر الراعي الى منحهم كلمات اشادة ومدح على انهم كانوا متحاربين طيبين ومثاليين، وبذلوا جهودا كبيرة في الحرب.
.
الراعي المستفيد الوحيد أوجز الثناء والشكر للمتحاربين لما بذلوه من جهود لإبراز صورة مثالية لأدائهم في الحرب، ولأن هذه الحرب متفق عليها-كما قلنا-فكان لزاما على المخطط وواضع سيناريو هذه الحرب الجديدة من نوعها في انواع الحروب التي تدخل كعلم عسكري حديث، يتفاهم اطرافها مسبقا لتحديد نتائجها وثمنها، بناء على ما رسم لها لحاجة في نفس المخرج، وعادة ما يكون هو الحليف التقليدي والراعي لأطراف الحرب، إما لتحقيق مكاسب وارباح من ورائها، وإما لإذلال كبرياء وغطرسة الاطراف المتحاربة لشعور كل منها بتعاظم شأنه، وشب عن الطوق، ويسعى نحو التمرد عن الحليف الراعي، لاعتقاده أنه صار ذا القوة المتين التي تمكنه من الدفاع عن نفسه وخوض معركة المواجهة حتى امام ولي امره الراعي التقليدي واشعاره بعدم حاجته لرعايته، وأنه بمقدوره الاعتماد على نفسه.
وإما أن أحد طرفي الحرب، اراد ان يضع الراعي التقليدي في اختبار حقيقي إلى من سيميل من طرفي الحرب من الحليفين المتحاربين، ومن سيدعم منهما في بسط سيطرته وهيمنته ونفوذه على المنطقة.
.
وهذا هو حال الحرب الاسرائيلية الإيرانية، وحليفهما التقليدي امريكا ممثلة بمجنون البيت الابيض الرئيس ترامب.
.
!.
قنبلة القيامة وساعتها إذا ما عاد المتابع إلى قراءت الحرب الاسرائيلية الايرانية ورصد تطوراتها طوال 12يوما، فقد كانت اسرائيل وايران قد اجادتا تأدية الدور التمثيلي وحاربتا بشكل جيد وبصورة مثالية- كما قال الرئيس ترمب- لذلك فالمتابع لتفاصيل هذه الحرب يجدها منذ بدايتها وانطلاق شرارتها الاولى فجر الجمعة 13يونيو الجاري حتى إيقافها فجر الثلاثاء الفائت 24من نفس الشهر، وبمدة 12يوما أبقت المتابع العربي والعالمي غارقا في بحيرة من المتناقضات، المستفزة، والخدع السينمائية، حيل وكذب لا تحكمها ولا تنتمي إلى المبادئ السياسة ولا إلى الكياسة، ولا إلى قواعد الاخلاق ولا الاعراف ولا إلى الاتفاقات الدولية والعلاقات الدبلوماسية.
.
قيامة × 14 قيامة تخيل نفسك وأنت تتابع تطورات الحرب الاسرائيلية الايرانية، بقلق إلى أن استقر مجنون البيت الابيض، أن يمحو ذاك القلق والترقب، ويطلق في وقت متأخر من مساء السبت الفائت، تطمينات للناس في المنطقة العربية بحيث يذهبون يخلدون الى نومهم مطمئنين، لأن الرئيس الامريكي قد قال إن آخر كلام عنده: أمام النظام الإيراني اسبوعين لرفع راية الاستسلام وإلا منشآته النووية سيتم قصفها حتى الموت.
.
لكنه قبلها بساعات وجه-عزرائيل امريكا- سرب طائرة B52مكون من 7طائرات،بالاقلاع من قواعدها في المحيط الاطلسي والانطلاق باتجاه منطقة الشرق الاوسط، والتمركز بالقرب من منطقة بنك الاهداف، وكنوع من المقاربة المنطقية لأخذ تهديده على محمل الجد، وان مدة الاسبوعين، قرار نهائي لا رجعة عنه، وقبل كل ذلك، استعدادا للمهمة التي لا ينفذها إلا خفافيش الظلام، التهديد الترامبي يرافقه تفاوض إيراني اوروبي في جنيف، ورفض وتحدي في طهران من قبل المسؤولين والحوزات الايرانية، في قم وصعدة، بأن دخول امريكا الحرب إلى جانب اسرائيل ستجني على نفسها براقش، وأن عيالها في الخليج ومناطق الشرق الاوسط وسفنها وقواعدها ستلقى عليها حمم العمائم السوداء.
.
يا الله أستر على خلقك.
.
!.
لكنك فجأة وبعد ساعات تصحو من نومك، لتجد هذه العناوين: ترمب: دمرنا الثلاث المنشآت النووية الايرانية المهمة، ووزير دفاعه يقول: دمرنا القدرات النووية الايرانية، والاعلام الامريكي يبث صورا ومقاطع لفيديوهات للقصف لإقناع الرأي العام بحقيقة القصف.
.
لكن الناس والعالم أجمع كانوا يتساءلون بقلق ضربوا المنشآت النووية الايرانية والتي تقول تقارير وكالة الطاقة الذرية واعترافات المسؤولين الايرانيين انها منشآت يتم فيها تخصيب وتخزين اليورانيوم، وصناعة القنبلة والسلاح النووي.
.
إذا الفناء وساعة ابادة البشرية حانت، وان المسيخ الدجال طلع من اصفهان، وتبعه 80 ألف يهودي يتزعمهم الامام العسكري، الذي سارع إلى امتطاء حصانه المنتظر امام فتحة «عجل الله فرجه» منذ قرون مضت، لكنهم بالأمس وقبل ساعات اقسموا لن يبقوا مسلما إن قصف نوويهم.
.
!.
وفي صباح السبت استقيظ العالم على اعلان الرئيس الامريكي ووزير دفاعه بقصف المنشآت النووية الايرانية، وبعد جدل بين تأكيد ترامبي وتكذيب ايراني بعدم تدمير منشآتها النووية مع تأكيد مسؤوليها بنقل اليورانيوم المخصب من منشأة فوردو الى أماكن آمنة، مصاحبة لها تهديدات القيادة الايرانية بالرد القاسي والموجع للقواعد والمصالح الامريكية، تزامن معها نشر وسائل الاعلام الامريكية صورا لعشرين شاحنة خلال يومي19و20من نفس الشهر-أي قبل ساعات من تدخل القاذفات الامريكية B52بقصف منشأة فوردو ب12قنبلة خارقة حارقة، بينما القنبلتان قصف بها منشأتين نوويتين (اصفهان ونطنز)، وان 125طائرة حربية شاركت في العملية، و125صاروخ توهماك اطلقتها السفن الحربية المرابطة عند مدخل مضيق هرمز.
النتن ينتشي.
.
والملالي يهدد وعقب الاعلان الامريكي انجاز عملية تدمير المنشآت النووية الثلاث، بدت نبرة نتنياهو منتشية بالنصر وهو لا يكاد يستطع إخفاء ابتسامته، على اعتبار انه تنفس الصعداء بعدما تم القضاء على التهديد الذي يعتقد أن إيران تشكّله على إسرائيل، بل أنه من اسارير فرحته، لم يظهر يخاطب الاسرائيليين كعادته باللغة العبرية اولا لكي يطلعهم على آخر التطورات الدرامية في حربه الحالية، بل إنه تحدث بالإنجليزية، موجهاً كلامه مباشرة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مغدقاً إياه بالإطراء، بعد قصف الولايات المتحدة للمواقع النووية الإيرانية.
الإعلام الأمريكي يكذب ترمب في الوقت الذي كان الاعلام العبري والجيش الاسرائيلي يحتفل بتحقيق النصر وتدمير البرنامج النووي الايراني المنافس والمزاحم له في خدمات الراعي الغربي، توجه يتحدث ان العملية العسكرية وتدمير البرنامج النووي الايراني تم بالتنسيق بيه وبين الادارة الامريكية، لكنه سرعان ما تراجع عن ذاك الاحتفاء الوهمي، حينما سارع الاعلام الامريكي، وإبرزها (شبكة سي إن إن) الى تكذيب رواية ترمب في تدمير منشأة فوردو الواقعة تحت الارض وبين الجبال جنوب طهران، مستدلة بصور للمنشأة قبل القصف واخرى حديثة التقطتها الاقمار الاصطناعية بعد القصف، الامر الذي اثار غضب ترمب في مهاجمة شبكة سي إن إن ونظيراتها التي شككت بتدمير المنشأة بشكل نهائي، الحديث ان القصف الامريكي لم يدمر المنشآت النووية الايرانية، وان المفاعلات النووية الايرانية لم تتضرر، وزاد من غضب ترمب نشر الاعلام الامريكي صورا لعشرين شاحنة تقف بحوار المنشأة خلال يومي19و20، بالتزامن مع اعلان الايرانيين نقل اليورانيوم المخصب الى اماكن آمنة، مما اثار ذلك حفيظة الكيان الصهيوني الذي سارع بتوجيه الطيران الحربي بقصف كل الطرق المؤدية إلى منشاة فوردو، بادعاء منع وصول الايرانيين إلى المنشأة واعادة تشغيلها، لكن هذا ليس منطقيا، وانما نتن ياهو، كان يعتزم اللجوء الى الخطة العسكرية التي كان يخطط بتنفيذها في حال لم يقبل ترمب دخول الحرب والمشاركة بقصف النووي الايراني، وهي تتمحور حول ارسال وحدة عسكرية اسرائيلية خاصة وتقوم بعملية انزال على المنشأة وتدمرها بشكل كامل بحيث لا يمكن استئناف تشغيلها على الاقل على المدى القريب.
وأما رد فعل الجانب الايراني، تضارب بين التأكيد بعدم تضرر منشأة فوردو، وبين التهديدات والوعيد كعادة المسؤولين الايرانيين بالرد القاسي، ليأتي بإرسال إيران ستة صواريخ متفق عليها مكانا وزمانا و عددا وعدة وذخيرة الى قاعدة العديد الامريكية بدولة قطر، و بعد 36ساعة من المشاورات الامريكية القطرية الايرانية، شريطة إلا يسقط منها ولا صاروخ ولا حتى شظايا على القاعدة التي اخليت حتى من اواني مطبخ الطعام لجنود القاعدة قبل 24ساعة، من تنفيذ الرد الايراني المتفق عليه، وأن ترمب تعهد بعدم الرد في حال التزمت ايران حدود الرد المتفق عليه، والاعلان بعد ذلك قبول وقف اطلاق النار.
.
وهو ما اتفقت عليه ايضا بأن تكون الطلقة الاخيرة لإيران على اعتبار ان اسرائيل هي من بدأت بالهجوم اولا، وعندما تكون ايران هي من اطلقت الطلقة الاخيرة، فإن ذلك يظهرها أمام شيعتها بالمنتصرة في الحرب واوقفت من مركز قوة.
.
لكن اسرائيل هي الاخرى وضعت شروطها بأن تشن خلال مدة6ساعة هجوم بالطيران على مواقع واهداف عسكرية داخل إيران، مستخدمة فيها قنابل خاصة مدمرة وشديدة الانفجار، وهو ما افصح عنه ترمب في تصريحات لوسائل الاعلام، الثلاثاء، قبل مغادرته لحضور قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في لاهاي، قال ترامب إن إسرائيل «انسحبت» فور موافقتها على الاتفاق.
وكان ترمب قد قال -في منشور له- إن وقف إطلاق النار يدخل حيز التنفيذ في غضون 6 ساعات تقريبا، مضيفا أن وقف إطلاق النار يدوم أولا 12 ساعة ثم ستعتبر الحرب منتهية رسميا.
وكتب ترمب، موجها التهنئة إلى إسرائيل وإيران على ما وصفه بامتلاكهما القدرة على التحمل والشجاعة والذكاء لإنهاء الحرب، مشيرا إلى أن هذه الحرب كان من الممكن أن تستمر لسنوات وأن تدمر الشرق الأوسط بأكمله، وكتب ترامب: حفظ الله إسرائيل وإيران.
وخاطب ترامب في وقت لاحق، قادة إسرائيل عبر منشور بمنصة «تروث سوشيا»،قائلا «إسرائيل.
.
لا تُلق هذه القنابل وإن فعلت فهذا انتهاك جسيم، إذا ألقيتم القنابل فهذا انتهاك جسيم، أعيدوا طياريكم فورا».
وحسب اعلام غربي نقل عن شهود عيان ومصادر محلية ايرانية أن معسكرات الحرس الثوري الايراني ومخازن الاسلحة والصواريخ والطائرات المسير، تم قصفها من قبل سلاح الجوي الاسرائيلي، وان القصف الذي تم خلال الستة الساعات الممنوحة من ترمب قصفت فيها اسرائيل ايران بسلاح فتاك يعادل مرتين السلاح الذي قصفتها به خلال الايام العشر من الحرب، الى حد ان يران لم تستطع اخراج منصات صواريخ لاستخدامها في الطلقة الاخيرة على اسرائيل.