الجوهر الخفي لرؤية 2030 - م. سطام بن عبدالله آل سعد
في ظاهرها، تبدو رؤية المملكة 2030 مشروعًا لإصلاح الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل، غير أن جوهرها العميق كان محاولة لإعادة هندسة الإنسان السعودي نفسه، في تفكيره، وإحساسه بالزمن، وعلاقته بالمسؤولية والدور الوطني.
فطوال عقود مضت، ظل المواطن في علاقة اعتمادية بالدولة، يبني الحلم وينتظر الإنجاز.
وحين جاءت الرؤية، كسرت هذا النمط التقليدي، وأعادت صياغة العلاقة بين الفرد والدولة، منتقلة من التلقي إلى الإسهام، ومن الانتظار إلى الفعل، زارعةً قيم الطموح والمبادرة في الوعي الجمعي.
لم يكن التحول مجرد تعديل إداري، بل عملية إعادة بناء للهوية الفردية، الأمر الذي أدى إلى تشكيل فلسفة سعودية جديدة تجعل من الإبداع ضرورة يومية، ومن التخطيط للمستقبل مسؤولية شخصية، لتتحول البنية الذهنية للفرد إلى محرك رئيس للتنمية قبل أي بنية تحتية أو مشروع.
والانتقال من نموذج «الدولة الراعية» إلى «الدولة الممكنة» لم يكن إجراءً شكليًا، إنّما استدعاءً عميقاً للذات السعودية لتكون صانعة لقدَرها، لا شاهدة عليه.
وقد تحقق هذا التحول من خلال تمكين حقيقي يمنح المواطن أدوات الفعل، ويتيح له حرية التعبير عن ذاته ضمن إطار وطني شامل وجامع، حيث يصبح الإنجاز الفردي امتدادًا طبيعيًا لمسار النهضة الوطنية.
اليوم، حين نرصد تحولات الشباب السعودي، لا نرى مجرد أرقام ترتفع أو مشاريع تتوالى، بل نشهد ميلاد ذهنيات جديدة تنبض بالثقة والحيوية.
وهذا هو الرهان الأعمق لرؤية 2030، حيث إن التنمية الحقيقية تبدأ حين يتغير وعي الإنسان تجاه نفسه ووطنه والعالم من حوله.
ومع اقترابنا من تحقيق أهداف الرؤية، يبرز تحدٍّ أكبر وأدق، ماذا نصنع ما بعد 2030؟ فالنجاح الحقيقي لا يقاس ببلوغ غاية مرسومة، بل بالقدرة على توليد رؤى جديدة من رحم الإنجاز ذاته.
إذا كانت رؤية 2030 قد أعادت تشكيل الإنسان السعودي، فإن ما بعدها يتطلب تثبيت هذا التحول، وتوسيعه، وتحويله إلى ثقافة دائمة.
المستقبل لا ينتظر أحدًا، ومن يرى عام 2030 محطة ختام يكون قد أساء فهم المسار؛ فهو بداية لمرحلة أكثر تطلبًا، تصنع فيها الأجيال القادمة رؤاها الخاصة، مستندةً إلى إرث النهضة لا مقيدة به، مؤمنةً بأن بناء وطن عظيم مسار لا يعرف الاكتفاء.
** ** - مستشار التنمية المستدامة