بهاء الروندة: عطاء الراحل أحمد بيرو طلائعي في صيانة "الطرب الغرناطي"

أزيد من 70 سنة من عطاء الراحل أحمد بيرو في “الطرب الغرناطي”، ثمَّ تأسيسِه ما يعتبره متخصصون في الموسيقى المغربية صنف “السماع الغرناطي”، تذكّرت 40 سنة منه بهاء الروندة، المغنية البارزة للطرب الغرناطي وتلميذته المباشرة، في حديث لهسبريس.

وفضلا عن العطاء البحثي والغنائي والتكويني، يحمل هذان الاسمان؛ الأستاذ وتلميذته، لقبَين من أثرِ الأندلس وموريسكيّيها الذين كان المغرب مَوئِلَهُم وصاروا جزءا لا يتجزّأ من نسيجه الحضاري؛ الراحل “بيرو”، والفنانة “الروندة”، الحاملةُ، عبر القرون، الانتساب إلى مدينة رَندة الأندلسية.

وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية قالت بهاء الروندة إن علاقتها بأحمد بيرو “لم تكن فقط علاقة تلميذة، بل علاقة روحية”، موردة: “فأنا ابنته الروحية وهو أبي الروحي، ودامت علاقتنا ما يقرب من 40 سنة وأنا أشرب من عَين هذا الرمز الكبير، وكنت محظوظة بالتتلمذ عليه، وبأني رافقته في عدة تظاهرات داخل المملكة وخارجها”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} وأضافت الفنانة ذاتها: “هو حالة نادرة تستوجب أن تكون موضوع أبحاث أكاديمية؛ شخصية راقية جدا ومتوازنة جدا، وحباه الله بعدة صفات إيجابية نفعنا بها، وهو صلة الوصل بين الأجيال السابقة والشيوخ السابقين في الطرب الغرناطي”.

يذكر في هذا الإطار أن مكتشف صوت أحمد بيرو هو علم الحركة الوطنية الموقّع على وثيقة المطالبة بالاستقلال عثمان جوريو، الذي أقرأَهُ القرآن وتفسيره، ثم تَلْمَذَهُ شيوخ للطّرب، من بينهم أحمد بناني، والحسين حجام، وحميدو الشافعي، وفق شهادة سابقة لنجله محمد بيرو، نقلتها هسبريس.

وتابعت بهاء الروندة شهادتها في أستاذها الراحل شهر ماي الماضي من سنة 2024 الجارية، في سنته 92 بِدُنيا الناس: “صوته وعزفه الأنيق صلة وصل بين الأجيال السابقة وشيوخها واليوم، وكذلك عطاؤه اللامتناهي؛ فيعود له الفضل، من بعد الله، في أن ظلّ لهذا الغرناطيّ معنى في مدينة الرباط وبلادنا، وفي كونه يُفتخَر به على الصعيد العالمي”.

واستحضرت الشاهدة توشيحات للفقيد بيرو بالمغرب في عهد الملك الحسن الثاني، وعدّة تكريمات له في معهد العالم العربي بباريس، ووزارة الثقافة الجزائرية، وعدة مدن بالمملكة، وأحدث تكريماته، بعد وفاته بثلاثة أسابيع؛ نظمته “دار المغرب” بكندا، ثم حفل التأبين الذي نظّمته متمّ شهر يونيو أكاديمية المملكة المغربية.

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الملك محمَّدا السادس نعى الفقيد، في رسالة إلى عائلته؛ قائلا: “إن الفنان المقتدر الحاج بيرو (…) أحد أعلام الطرب الغرناطي ببلادنا، ساهم على مدى عقود في الحفاظ على أصالة هذا الموروث الموسيقي الأندلسي المغربي العريق والنهوض به توثيقا وتأليفا وممارسة”.

الفنانة البارزة في “الطرب الغرناطي” ذكرت في شهادتها لجريدة هسبريس الإلكترونية أيضا أن الراحل في حياته: “حامل لكتاب الله، وكله ولع بالطربيات، وأجمل شيء فيه أنه تتجلى فيه صفة الفنان الغيور على مغربيته، وهو ما أخذتُه عنه مباشرة؛ كما أن الفنان بالنسبة له عليه التحلي بصفات التعاون والتكامل والصبر، بشكل فيه توازن ليعطينا في الأخير لمسة، مثل التي تركها”.

واستشهدت بهاء الروندة بمؤلفات مكتوبة تركها الراحل وصدرت على التوالي عن جمعية رباط الفتح للتنمية المستديمة، ووكالة المغرب العربي للأنباء، وأكاديمية المملكة المغربية، قائلة: “أعطانا ذخيرة عظيمة هي كتبه التي من بينها كتابه الأخير ‘الإضافة'”.

وتوقّفت الفنانة المتخصصة في “الغرناطي” عند المصدر الصادر سنة 2013 بعنوان “الإحاطة في أنغام غرناطة: أشعار النوبة الغرناطية بالرواية الرباطية”، مردفة: “يعد، من الجانب المرجعي، المرجع الأول الكامل الشامل لجميع الموشحات والأزجال التي نتغنى بها في الطرب الغرناطي”.

لكن طول المعشر والتّتلمذ والعمل المشترك لم يطويا كلّ أسى، إذ قالت بهاء الروندة: “تمنيت أن نحقق تسجيلا كاملا بصوته، من غير تسجيلات الإذاعة والتلفزيونات والبرامج والسهرات، للنوبات الغرناطية كلها في شكل أنطولوجيا للطرب الغرناطي؛ لأن صوته لا يعوض، فضلا عن ناحيته الجمالية طبعا، من حيث تقنية الصوت، ويحتاج توثيقا أكاديميا”، ثم ختمت شهادتها بأن رحيل شيخ الغرناطي أحمد بيرو “خلف فراغا كبيرا”.

تجب الإشارة في هذا السياق إلى أن أكاديمية المملكة المغربية شهدت إعلان أسرة الفقيد “إنشاء مؤسسة أحمد بيرو للطرب الغرناطي”؛ “للحفاظ على مدرسته في الطرب الغرناطي بالرواية الرباطية، وإنشاء مدرسة مخصصة للطرب الغرناطي بطريقة أكاديمية، وإنشاء فرقة موسيقية تحمل اسمه، وتجميع كل تسجيلات الطرب الغرناطي بالرواية الرباطية، مع تسجيلات جديدة لها”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أيام | 9 قراءة)
.