×

من يملك حق الكلام في حضرة الصحراء المغربية؟

من يملك حق الكلام في حضرة الصحراء المغربية؟

من يملك حق الكلام في حضرة الصحراء المغربية؟

من يملك حق الكلام في حضرة الصحراء المغربية؟
الثلاثاء 17 يونيو 2025 - 17:21

في قضيتنا الوطنية.. كلما ارتفع صوت مختلف في حضرة “النقاش”، نزلت عليه تهمة الانفصال كما تنزل اللعنة على عابر لا يحمل تأشيرة العبور إلى “الصف الوطني الموحد”..

وكأن الوطن قد أصبح حيازة فكرية محفوظة في أسماء بعينها، لا تقبل التعدد، ولا الاختلاف، ولا حتى السؤال المشروع.

ملف الصحراء ليس يافطة ترفعها النوايا الحسنة، ولا براءة اختراع مسجلة باسم أكاديميين وخبراء بعينهم، يدورون بها في الندوات والصالونات، يوزعون صكوك الغفران الوطنية على من شاءوا، ويشهرون “كارت” الانفصال في وجه من قال: لعلّ الحقيقة أوسع من روايتكم.

ما لا يريد بعض “الخبراء” أن يفهموه أن الصحراء ليست سردية محنطة، بل روح وطن تنبض في أعماق كل مغربي..

لا تحتاج وصياً، ولا رقيبا، بل تحتاج فهماً عميقاً، وتجرداً يرقى إلى مستوى ما يطلبه التاريخ من صدق وجرأة.

نحن لا نمتلك “ترمومترًا” نقيس به منسوب الوطنية في دماء بعضنا.. ولا نملك مرآة تعكس نوايا الآخر على الوجه الدقيق.

نحن نملك فقط أدوات البحث، شهوة الفهم، وبعض الخوف من أن نُختطف باسم “الإجماع على نفس الرؤية”.

الاختلاف في الوطن لا يعني الخيانة.. والانتقاد لا يعني أننا نرفع رايةً غير رايته، بل هو حبٌ من نوع آخر، حبٌّ يقسو أحياناً كي لا يُخدع.

من المعيب أن نربط الوطنية بالصوت الأعلى، أو بمن يحفظ الملف أكثر، أو بمن يصرخ في وجه الآخر أكثر.

الوطني ليس من يُجيد التغريد داخل السرب، بل من يُغامر بالخروج عنه ليعيد تشكيل المعنى.

نحتاج اليوم إلى نخب تقرأ الواقع لا تُؤدلجه.. إلى أقلام تُشبه الوطن حين يتأمل ذاته في مرآة الصدق.. لا حين يُزيف ملامحه بمساحيق الرضا العام.

نحتاج من يكتب بالصمت حين يعلو الصراخ، ومن يتحدث بالعلم حين يتحول النقاش إلى مقصلة.

لقد عشت التجربة.. وخبرت كيف يمكن لاتهام “الانفصال” أن يُسدل على نوايا طيبة فقط لأنها طرحت سؤالاً مختلفًا.

وكم مرة وجدت الدولة متفهمة وأكثر رحمةً من بعض الأفراد الذين يملكون مفاتيح الجحيم الفكري، ويعشقون إحراق كل من لا يُصلي في محراب روايتهم.

ملف الصحراء المغربية لا يحتاج حنجرة.. بل ذاكرة.

لا يحتاج تنظيرات غارقة في الغرور.. بل عقل يعرف أن العاطفة وحدها لا تبني مصيراً.

نحتاج إلى جبهة داخلية متناسقة في تنوعها.

نحتاج إلى نقاش لا يتورع عن الاعتراف بالأخطاء.

نحتاج إلى إنسان يرى في المختلف عنه شريكًا في المعركة، لا خصمًا في الحلبة.

نحن لا نحارب عدوًا خارجيًا فقط.. بل نحارب هشاشة الفهم، وسطحية التناول، وخوفنا من بعضنا البعض.

أما “الآخر”.. ذاك الذي نود إقناعه بعدالة قضيتنا، فهو لا ينظر فقط إلى خريطة الوطن، بل إلى خريطة عقولنا يرى كيف نتحدث، كيف نتخاصم، كيف نرجم المختلف.. فيتساءل: أي وطن هذا الذي يضيق بأبنائه؟

رجاءً..

لا تُغلقوا علينا نوافذ السؤال باسم الوطنية..

الوطن لا يرتقي بالشعارات.. بل يرتقي بمن يقول له الحقيقة كما هي، لا كما يحب أن يسمعها.

نريد نقاشاً عميقاً.. لا عقيمًا

نريد نخبة تحب الوطن بالعلم.. لا بالصراخ

نريد أن نختلف.. دون أن نخوِّن

نريد أن نُحِب الوطن.. لا أن نُزايد عليه

لأن الوطنية ليست كلاماً معسولاً على وسائل الإعلام..

بل قلب نعتني به كلما نزف…

أضف تعليقك

‫‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.

‫تعليقات الزوار

4
  • عبد الله ب.
    الثلاثاء 17 يونيو 2025 - 23:32

    هو ذا الفكر الحر، الديموقراطي، المستنير، المنفتح..
    هو ذا الفكر الوطني، الممتلئ شجاعة وجرأة وحقا.
    هو ذا الفكر الحاضن للوطن، وللاختلاف الإيجابي الذي يجتمع في المُشتَرَك..
    تحية قلبية وطنية للأستاذ عبد الرحيم بوعيدة الموقر.

  • الشكر من باب الفضل .
    الأربعاء 18 يونيو 2025 - 00:11

    الأفكار المتبادلة في إطار الإجماع قد تكون مفيدة من باب الاستئناس ، لكن إدارة الملفات الحساسة من قبيل القضية المقدسة لكل المغاربة تتطلب رجالا يتمتعون بكفاءة قانونية عالية وقدرة على مواكبة التغيرات . هيئة الأمم المتحدة بوصفها هيئة استشارية ، تتابع الصراعات حول العالم يقدر ما تجود به الدول المانحة ، واحيانا تنسحب عندما يتعذر التقريب بين أطراف النزاع . ومع ذلك، ومن باب الإنصاف، لا يمكن إنكار دورها في التوصل إلى هدنة ووقف لإطلاق النار دام لعقود ، وهذا في حد ذاته إنجاز يستحق التقدير.

  • متفق
    الأربعاء 18 يونيو 2025 - 09:15

    الخروج عن السرب، لاعادة تشكيل المعنى.

    ما اعمقها من عبارة، ضمن مقال يعيد قياس الخطاب الصحراوي السياسي.
    اذا ثبتت الوطنية، فكل وجهات النظر مطلوبة.
    التخوين تسطيح وتبسيط..
    يجب ان يكتمل التشبث بالخريطة، بثراء النقاش، فالمخاطب لا تهمه خراىطنا بقدرما يحرص على استكناه عقولنا.. تحياتي استاذ

  • سعيد مغربي قح
    الإثنين 23 يونيو 2025 - 01:46

    من زاوية تحليلية،صحيح أن الدفاع عن القضايا الوطنية لا يجب أن يُختزل في الخطابات الإنشائية أو التصريحات المُملة، بل في فهم حقيقي للسياقات، في تشريح للواقع، وفي الجرأة على مراجعة الأخطاء. إذ إن قوة أي موقف وطني لا تأتي من صراخ أعلى، بل من منطق أقوى، ومن خطاب متماسك يستطيع إقناع الخارج، لأنه استطاع أولاً أن يُقنع الداخل.

    جميل أن الكاتب يدرك بدقة الفرق بين “النخبة المؤدلجة” و”النخبة الواعية”. فالأولى لا ترى إلا نفسها وتعيد تدوير خطابها في دوائر مغلقة، أما الثانية فهي التي تمتلك الشجاعة لقول الحقيقة، وتملك التواضع لتصحيح نفسها. النخبة التي نحتاجها هي تلك التي تحب الوطن بالفعل لا بالادعاء، والتي تتفاعل معه بضمير حي لا بمصالح آنية.

    ننا بحاجة إلى وطن لا يخاف من أسئلة أبنائه، بل يرحب بها ويعتبرها علامة صحة لا تهديدًا. لأن الوطنية الحقيقية ليست جدارًا صلبًا يُقصي، بل جسرًا مرنًا يُجمع. وليس أجمل من أن نختم بعبارة شهيرة للمفكر الفرنسي ألبير كامو حين قال:

    “الوطن ليس فقط المكان الذي نعيش فيه، بل الفكرة التي نستحق أن نموت من أجلها.”

صوت وصورة
اختتام مناظرة الذكاء الاصطناعي
الخميس 3 يوليوز 2025 - 07:37

اختتام مناظرة الذكاء الاصطناعي

صوت وصورة
جائزة وطنية للماء في تيفلت
الخميس 3 يوليوز 2025 - 03:19

جائزة وطنية للماء في تيفلت

صوت وصورة
المغرب يصنع الألعاب الإلكترونية
الخميس 3 يوليوز 2025 - 00:44

المغرب يصنع الألعاب الإلكترونية

صوت وصورة
كأس "كان السيدات" بالمغرب
الأربعاء 2 يوليوز 2025 - 23:30

كأس "كان السيدات" بالمغرب

صوت وصورة
ضغوط العصر تخمد الأنوثة
الأربعاء 2 يوليوز 2025 - 23:00 4

ضغوط العصر تخمد الأنوثة

صوت وصورة
هلال يشيد بقدرات المغرب
الأربعاء 2 يوليوز 2025 - 21:56 3

هلال يشيد بقدرات المغرب

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أسابيع | 1 قراءة)
.