×

رجال من وطني: محمد يونس السبعاوي (2)

رجال من وطني: محمد يونس السبعاوي (2) | Azzaman

رجال من وطني: محمد يونس السبعاوي (2)

ا. د عدنان البك

ا. د عدنان البك

رجال من وطني ..محمد يونس السبعاوي “١٩١٠ – ١٩٤٣” (الحلقة الثانية)

– نشاطه السياسي والصحفي:

انغمر (السبعاوي) في العمل السياسي لاسيما عن طريق عمله الصحفي فضلاً عن مشاركته المباشرة في التصدي لمعاهدة ١٩٣٠ بين العراق وبريطانيا٬ وخلال ذلك تعرف على نخبة من أصحاب الصحف والمحررين البارزين فيها٬ أمثال: ابراهيم صالح شكر ورفائيل بطي وعبد الغفور البدري وعلي محمود الشيخ علي وقاسم العلوي. كما وثق علاقاته مع عدد من زملائه الطلبة في كلية الحقوق٬ منهم: فائق السامرائي وعزيز شريف وعمر خلوصي وخليل كنه وعبد القادر إسماعيل وغيرهم٬ الى جانب المحاضرات التي تلقاها من اساتذته من أمثال٬ الشيخ أمجد الزهاوي ورشيد عالي الكيلاني وموفق اللآلوسي٬ وارتبط معهم بعلاقات احترام وصداقة وهي بلا شك تركت تأثيرها عليه.

تابع السبعاوي خلال هذه الفترة باهتمام سير المفاوضات الجارية بين الحكومتين العراقية والبريطانية لعقد معاهدة ١٩٣٠٬ وقد اتيحت له فرصة الاطلاع على هذه المفاوضات٬ وخاصة عن طريق الصحف البريطانية٬ كما تناول هذه المفاوضات بتعليقاته التي كان ينشرها في جريدة المستقبل٬ فقد أشار في مقال له بعددها ذو الرقم (٧) الصادر في ١٣ حزيران ١٩٣٠٬ الى أساليب الإنكليز الملتوية في المناطق التي يحتلونها٬ وكيف انهم وجدوا أن من مصلحتهم عقد معاهدة مع العراق تنادوا فيما بينهم٬ لذا نراه يقول ساخراً “اعقدوا معاهدة على أساس المساواة٬ ولكن قولوا لهم إنكم المرشدون…”.

في ٣٠ حزيران جرى التوقيع على المعاهدة بين الحكومتين العراقية والبريطانية ونشرت على الرأي العام في ١٩ تموز ١٩٣٠ ٬ وما أن نشرت حتى لقيت معارضة شديدة من الفئات السياسية. كما توالت برقيات الاحتجاج من قبل الحزب الوطني العراقي وحزب الاخاء الوطني. كما تناولتها الصحف ومنها (البلاد والعالم العربي وصوت العراق) بالنقد اللاذع٬ وكانت خلاصة تلك المواقف أن المعاهدة قيدت بشروط لا تتفق مع الاستقلال المنشود.

أظهر السبعاوي ورفاقه (فائق السامرائي وخليل كنه وصادق حبه وعزيز شريف وجميل عبد الوهاب وعبد القادر إسماعيل) تحمساً واضحاً لمعارضة المعاهدة٬ لذا تقدموا بصيغة (بيان) الى متصرفية بغداد في 18 أيلول ١٩٣٠٬ دعوا فيه الى الاضراب العام في يوم ٢٢ أيلول ١٩٣٠ ٬ والاجتماع في (دار الاوبرا) في الميدان تعقبه مظاهرة سلمية٬ وقد نشر على الرأي العام نص البيان الآتي: (الاضراب العام والاجتماع السياسي والتظاهرات الكبرى٬ عصر الاثنين المقبل ٢٢ أيلول ١٩٣٠ ٬ من الشباب الى الشعب العراقي العظيم: أنت تقاسي الجوع والعري والانكليز وأتباعهم سبب جوعك وعراك٬ وهم ينعمون بثروتك وغناك٬ وهم الذين مزقوا قومك وساموك الذل. فلهم في كل موطن من مواطننا مظالم٬ ففلسطين مرهقة٬ يشتت الإنكليز أهلها ويخرجونهم من ديارهم ليسكنوا الصهيونيين الأعداء فيها٬ وقد ارهقوا وما زالوا يرهقون العرب في انحاء جزيرتك المقدسة٬ فهذا الفقر وتلك المظالم والمعاهدات الجائرة الى الاضراب العام بعد ظهر الاثنين المقبل وذلك بتعطيل الاشغال ووسائل النقل واقفال الدكاكين والمحلات التجارية والمقاهي، ودور الاعمال وأن تتظاهر تظاهرا سلميا).

لقد وجدت السلطة الحاكمة في هذا البيان تحريضا على كراهة الشعب للحكومة واخلالا بالامن الداخلي، فما أن بدأ الناس باضرابهم وتوجهوا نحو دار الاوبرا حتى وجدوا الشرطة قد أقفلت القاعة وعملت على تفريق المظاهرة، وفي الوقت نفسه أمرت الحكومة بالقاء القبض على موقعي البيان وزجهم في السجن، وتقديمهم الى المحاكمة، وبالفعل ألقت الشرطة القبض على السبعاوي ومعه (فائق السامرائي وخليل كنة وجميل عبد الوهاب وعبد القادر اسماعيل وعمر خلوصي وحسين جميل وأحمد قاسم راجي وسليم زلوف وعبد المجيد حسن – مدير مطبعة الاداب – التي طبع فيها البيان) وساقتهم لى سجن الموقف لغرض استجوابهم.

وقف (السبعاوي) يدافع عن نفسه بجرأة واقدام ومفتخرا بأنه أحد الاشخاص الذين كتبوا ووقعوا البيان المذكور، وبرضائه قدم الى المطبعة، كما بين انه وجماعته: “كتبوا تحريضا على الانكليز واتباع الانكليز وأن المنشور ليس الا دعوة لعقد اجتماع سياسي ومظاهرة سلمية للبحث في الحالة الحاضرة، والحكومة قد أحلت للناس أن يستفتوا في هذه الحالة … واذا وجدت لافي المنشور كلمات موجهه ضد أحد، فهي ضد الانكليز وأتباعهم من الاجانب… ان دستور هذه الحكومة يقول انها غير انكليزية فتحضيرنا اذن لم يكن ضد الحكومة.

تابع الرأي العام والصحافة العراقية قضية السبعاوي ورفاقه باهتمام بالغ، وكثيرا ما شهدت قاعة المحكمة وخارجها تجمع الجمهور لسماع دفاع المحامين والمتهمين أمام المحكمة، كما توالت برقيات التأييد والتشجيع من قبل الشباب في مدن العراق للسبعاوي ورفاقه نشرتها الصحف المحلية آنذاك، لاسيما بعد صدور قرار الحكم، اذ حكمت محكمة الجزاء في 4 تشرين الاول 1930، على كل من: محمد يونس السبعاوي وفائق السامرائي وجميل عبد الوهاب وخليل كنة وعبد القادر اسماعيل بالحبس الشديد مدة ستة أشهر، كما حكم على كل من أحمد قاسم راجي وسليم زلوف بالحبس الشديد مدة ثلاثة أشهر، وحكم على عبد المجيد حسن (مدير مطبعة الاداب) بالحبس الشديد لمدة شهرين واغلاق المطبعة لمدة أربعة أشهر، في حين أخلت سبيل كل من حسين جميل وعمر خلوصي وصادق حبة.

ازاء هذا التطور الجديد توالت برقيات الاحتجاج من أحزاب المعارضة على الديوان الملكي من جعفر أبو التمن وياسين الهاشمي وناجي السويدي والحزب الوطني فضلا عن مطالبتهم الدفاع عن السبعاوي ورفاقه. وفي 17 تشرين الثاني 1930 خرج السبعاوي من السجن بعد ان قلصت محكمة التمييز المحكومية الى شهرين.

انجذب السبعاوي في هذه الفترة الى حزب الاخاء الوطني وتأثر بشخصيته رئيس هذا الحزب (ياسين الهاشمي) فقد انضم الى صفوفه وتابع اجتماعاته بل أبدى حماسة شديدة عن سياسة الحزب ورئيسه الهاشمي.وفي الوق نفسه توجه ا(لسبعاوي) الى مواصلة دراسته فأنهى المرحلتين الاولى والثانية من مراحل كلية الحقوق بتفوق، الا انه في المرحلة الثالثة فوجئ برسوبه في الامتحان كما فوجئ غيره بذلك، واعتقد ان دوافع الرسوب كانت متعمدة، وعلى ما يبدو ان صدمة الرسوب كانت شديدة على السبعاوي حتى انه فكر بالانقطاع عن الدراسة، وبعد جهد جهيد بذله صديقاه (عبد الجبار الجومرد ومحمد صديق شنشل) اقتنع السبعاوي بالسفر معهما الى دمشق لغرض مواصلة الدراسة عن طريق الالتحاق ب (المعهد العربي للحقوق) التابع للجامعة السورية، لاسيما بعد أن عمل على تأمين موارده المالية بالاتفاق مع جريدتين البلاد والعالم العربي لتزويدهما بالمقالات والتراجم من هناك.

غادر السبعاوي العراق في أوائل تشرين الأول ١٩٣٢ ٬ متوجها الى دمشق بصحبة زملائه (عبد الجبار الجومرد ومحمد صديق شنشل ومحمد القشطيني)٬ وفي السيارة التي كانت تقلهم كان السبعاوي ورفاقه قد هيمنت عليهم حالة من التأثر مما أصابهم من ظلم وشرعوا يصبون جام غضبهم على الوضع السياسي المتردي الذي وصل اليه العراق على يد الفئة الحاكمة٬ لاسيما بعد ان وجدوا في أثناء مرورهم بمدينة الرمادي مهرجانا أقامته السلطات المحلية احتفاءً بدخول العراق عصبة الأمم في ٣ تشرين الثاني ١٩٣٢م٬ كما نظم زميله عبد الجبار الجومرد قصيدة هجا فيها الحكومة العراقية القائمة (حكومة نوري السعيد)٬ ومما جاء فيها:

محى الله في أرض العراق عصابة لها عمـل ناء عـن الحـق ناكـس
حـكومــة ســراق تـبـيــع بــلادهــا كما باع مسروق الودائع حارس
يقــولون فـي بغــداد مجــلس امــة الا منيت بالخزي تلك المجالس
مـجـالس شـر الناس فيهـا ممثـــل لخيرهـم والعـبد للحــر سـائـس

وفي ٢٤ تشرين الثاني ١٩٣٢ التحق السبعاوي وزملاؤه بالمعهد العربي للحقوق٬ حيث انضم السبعاوي الى الصف المنتهي منه. لقد هيمنت على السبعاوي هناك مشاعر الاهتمام بالقضايا والاحداث القومية حيث عبر عن بعضها من خلال مقالاته التي كان يرسلها الى الصحف ببغداد٬ فضلاً عما كتبه السبعاوي من مقالات افتتاحية في جريدة (القبس)السورية لصاحبها نجيب الريس واضطلعت بدور وطني مهم حينها٬ وكذلك في جريدة الأيام التي أصدرتها الكتلة الوطنية في دمشق وكان امتيازها باسم هاشم الاتاسي وإبراهيم هنانو٬ وكانت معروفة بميولها الوطنية. ومما يظهر ان الأجواء السياسية في دمشق قد أثرت في السبعاوي الى حد بعيد دفعته الى مزيد من الاتصال بالحلقات السياسية الوطنية والأندية القومية وكان من (عصبة العمل القومي) و (الحزب القومي العربي السوري) وواجهاته بنحو خاص جمعية الجوال العربي ونادي المثنى بن حارثة الشيباني٬ كما تمكن من التعرف على عبد الرزاق الدندشي (رئيس عصبة العمل القومي).

بعد أن انتهى السبعاوي دراسته للحقوق٬ رجع الى بغداد نهاية شهر حزيران ١٩٣٣ ٬ وشرع بعدها بمزاولة مهنة المحاماة. كما التحق في نهاية عام ١٩٣٤ للعمل في جريدة الاخاء الوطني لفترة قصيرة أثر انسحاب رفائيل بطي من رئاسة تحريرها٬ لكنه لم يستمر بها إذ تركها وتفرغ للمحاماة والعمل السياسي. وفي حدود عام ١٩٣٨ عاد الى الميدان الصحفي حيث أصدر في حزيران ١٩٣٨ جريدة المستقبل وغدا مديرها المسؤول وأصبحت لسان حال (جمعية الدفاع عن فلسطين) إلا ان السبعاوي تنازل في عام ١٩٤٠ عن امتيازها الى الحاج نعمان العاني. لقد غدا السبعاوي بعد دخوله الوسط الصحفي أحد الوجوه المعروفة فيه٬ وتوطدت الصداقة بينه وبين عدد من الشخصيات الصحفية وأصحاب الصحف٬ أمثال: عبد الغفور البدري وعلي محمود الشيخ علي وعبد الاله حافظ ويوسف رجب وغيرهم. كما لفتت مقالاته وتعليقاته انتباه الشخصيات السياسية والفكرية آنذاك٬ لعل أبرزهم ياسين الهاشمي وساطع الحصري. وفضلاً عن ذلك فقد وفر له عمله الصحفي الاطلاع على خبايا السياسة العراقية والعربية ووقوفه على مواقف الدول الكبرى من البلاد العربية.

ومن المفيد بالإشارة الى ان بعض مقالاته اتسمت بالنقد والتنبيه من المحتلين والاعيبهم مع الاخذ بنظر الاعتبار توجهه الوطني والقومي٬ ففي جريدة المستقبل نلحظ ما كتبه فيها بعددها (٦) الصادر في ٤ نيسان ١٩٣٠ ٬ معلقاً فيه على ما تردد من أخبار من أن (ما يأخذه الأجانب من ثروة الهند بالنسبة الى غناها أقل مما يأخذونه من العراق بالنسبة الى غناه٬ ويعجب هؤلاء لما يتألم الهنود من ذهاب أموالهم ولا يتألم العراقيين).

ويجيبهم السبعاوي على ذلك قائلاً: (الذي يأخذ الضرائب من الهنود هو الإنكليز (بقبعته) وان الذي يأخذها من العراقيين هو الإنكليز بلا قبعة٬ أو عراقي وطني كما يسميه قانون الجنسية٬ فالهندي يشعر انه يعطي بعرق جبينه للغريب٬ والعراقي يتخيل انه يعطي ما يكد لأجله ولابن بلده). وفي ومع موضع آخر من المقال نبه (السبعاوي) الشباب العربي السوري الى الالاعيب الفرنسية٬ فعندما ترددت الانباء عن قيام الفرنسيين في سوريا بوضع دستور سوري جديد٬ وهنا إشارة الى الوضع في العراق والدور البريطاني فيه وكيف بريطانيا فيه حكومة وطنية كواجهة في الوقت الذي تسير فيه الحكم من طرف خفي٬ علق قائلاً: (جريمة أن نجعل الشبان يؤمنون بألاعيب السياسة التي تقوم بها دول الغرب في المشرق٬ وتدفعهم الى الاعتقاد ان من دخل دار (بحد السيف) خرج منها بغصن الزيتون والدستور السوري أكثر حكمة من أن يتخذوه دستورا مكرما (والعاقل من اتعظ بغيره).

أما في صحيفتي البلاد والعالم العربي فقد سطر السبعاوي تعليقاته ومقالاته ضمن باب (في السياسة الخارجية) في جريدة البلاد٬ وباب (تعليقات على السياسة الخارجية) في جريدة العالم العربي.

كما أولى السبعاوي عنايته لترجمة الكتب٬ ولاسيما السياسية منها٬ فقد عمل على ترجمة رسائل المس غير ترود بيل (التي جاءت الى العراق وعملت مع قوات الاحتلال البريطاني للعراق وشغلت منصب السكرتيرة الشرقية للمندوب السامي البريطاني بعد الاحتلال البريطاني للعراق٬ توفيت عام ١٩٢٦ ودفنت في بغداد).

 

وترجمها في سلسلة حلقات بعنوان (مذكرات الخاتون مس بيل) ابتدأت حلقتها الأولى في العدد الصادر في ٢٥ كانون الأول ١٩٢٩. الى جانب ترجمته لكتاب أي. تي. ولسن٬ (وكيل الحاكم الملكي البريطاني العام في العراق – فترة الاحتلال البريطاني – اذ شغل منصبه من الفترة من أيار ١٩١٨ – تشرين الأول ١٩٢٠ ٬ وله نشاط سياسي واسع في الخليج العربي٬ وله مؤلفات عدة عن الخليج العربي وبلاد فارس والعراق٬ قتل في احدى الغارات البريطانية على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية٬ اذ اشترك فيها على الرغم من تقاعده وكبر سنه).

وكذلك من أبرز الكتب التي ترجمها السبعاوي كتاب (كفاحي) للزعيم الألماني ادولف هتلر الذي نشر على شكل حلقات صدرت تباعا في جريدة العالم العربي في ٢ تشرين الأول ١٩٣٣.

الى جانب الكتابات السياسية نجد للسبعاوي اهتمامات أدبية وفنية٬ فقد نشرت جريدة البلاد له ضمن صفحة (الشعر والبيان) نقدا أدبيا وفنيا لمسرحية (مصرع كليوباترا) للشاعر أحمد شوقي. وهكذا تطرقت كتابات السبعاوي الى جوانب متعددة٬ اذ اشتملت على الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية٬ فضلا عن محاولات ممارسة النقد والشعر والادب٬ إلا ان الجانب السياسي طغى على كتاباته حتى يمكن القول انها أصبحت بارزة اقترنت باسمه٬ وخاصة مقاومته للاستعمار لاسيما البريطاني والفرنسي٬ اللذين جاهر بالعداء لهما ودعا التصدي لهما٬ معتقدا أن (ما اخذ بالقوة لا يرد بغصن الزيتون)٬ ولاعتقاده كذلك أن (ألف مظاهرة سلمية لا تؤثر مقدار تأثير مقتل حاكم بريطاني).

ومما يظهر ان نشاط السبعاوي الصحفي قد قربه كثيرا من ميدان العمل السياسي٬ وذلك بما وفره هذا العمل من فرصة الاتصال والاحتكاك بالسياسيين والصحفيين٬ وحتى العسكريين من خلال إقبالهم على قراءة كتاباته أو اتصاله المباشر بهم٬ مما عزز من موقفه السياسي – كما سنرى –

 

 

 

 

 

 

 

 

مشاركة
2

العراق      |      المصدر: الزمان    (منذ: 11 أشهر | 1 قراءة)
.