×

عندما تبنّت جريدة "عمل الشعب" فكرة الاحتفال بعيد العرش سنة 1933

عندما تبنّت جريدة "عمل الشعب" فكرة الاحتفال بعيد العرش سنة 1933

عندما تبنّت جريدة "عمل الشعب" فكرة الاحتفال بعيد العرش سنة 1933

عندما تبنّت جريدة "عمل الشعب" فكرة الاحتفال بعيد العرش سنة 1933
صورة: أرشيف
الجمعة 30 يوليوز 2021 - 10:00

تحل يوم 30 يوليوز، ذكرى عيد العرش المجيد؛ وهي ذكرى لها تاريخ وجذور، حيث ترتبط بالنضال ضد الحماية الاستعمارية، وتندرج في إطار تعبئة الشعب المغربي لمواجهة الاحتلال وجبروته.

وفي هذا المقال الذي ننشره يتحدث الأستاذ الراحل عبد الهادي بوطالب عن “فكرة إحياء عيد العرش”، وكيف أن صاحب الفكرة هو أحد كتاب جريدة عمل الشعب، التي تبنت الفكرة التي تحولت إلى احتفال بذكرى الجالس على العرش، السلطان محمد بن يوسف طيب الله ثراه.

***

كان اليوم 18 نونبر من سنة 1933، وكان المكان الحديقة العمومية الكبرى المعروفة باسم جنان السبيت، وكان المكان واقعا على مقربة من باب أبي الجنود بفاس. لم يقِـنا استظلالنا بأشجار الحديقة من الابتلال من رشاش المطر المتهاطل. ولم أكن أعي في سن صباي وأنا أحضر هذا الاجتماع بأنه كان المهرجان الوطني الشعبي الأول الذي تعقده الحركة الوطنية المغربية بالمدينة. كما لم أكن أدري أننا حضرنا لتلبية دعوة “عمل الشعب”، الناطقة باسم الحركة الوطنية للاحتفال بالذكرى السادسة لعيد جلوس السلطان محمد بن يوسف على العرش.

يصف محمد بن الحسن الوزاني، في الجزء الثالث من كتابه “حياة وجهاد”، رجلا مغمورا كان وراء فكرة الاحتفال بعيد العرش؛ وهو محمد بن صالح ميسَّة، صاحب مجلة “المغرب” التي كانت تصدر خلال هذه الفترة باللغة العربية بالرباط، فيقول: إن فكرة الاحتفال بذكرى تولية السلطان محمد بن يوسف خلفا لوالده السلطان المولى يوسف راجت لأول مرة بواسطة محمد صالح ميسَّة، وإليه يرجع التفكير في هذه المبادرة؛ ولكن جريدة “عمل الشعب” التي كان ميسَّة من كـُـتـَّابها السريين، وكان لا يمضي مقالاته فيها أو كان يمضيها باسم مستعار هي التي تبنـَّـت الفكرة ودعت إليها بل ونفذتها على الصعيد الوطني وجعلت السلطة الفرنسية أمام الأمر الواقع.

عيد الوحدة الوطنية

عندما دعت جريدة “عمل الشعب” إلى سن تقليد الاحتفال بعيد الجلوس الملكي لم يكن قد اكتمل على صدورها إلا ثلاثة أشهر، وصدر عددها الثاني المؤرخ بـ20 أكتوبر 1933 يحمل دعوة الشعب المغربي إلى أن يجعل يوم 18 نونبر من كل سنة عيدا وطنيا لتخليد الذكرى بما يستحقه الجالس على العرش من تكريم وحفاوة.

وأبرزت الجريدة أن الوحدة الوطنية للمغرب، المقسم إلى ثلاث مناطق والمهدد بتقسيم عنصره بين عرب وبربر، لا يجسمها ولا يرسيها إلا وحدة العرش والتعلق بالجالس عليه، وأن من حق الشعب وواجبه أن يتشبث بالسلطان الذي هو ـ كما قال كاتب المقال ـ لرعيته لا لسلطات الحماية.

وقد دعت “عمل الشعب” إلى تعطيل العمل يوم العيد الوطني، فوضعت بذلك سلطات الحماية الفرنسية في مأزق واختبار صعب. وفي الوقت الذي لم تستجب فيه سلطات الحماية لهذا النداء، وتجنبت الاحتفال بالذكرى متعللة بأن السلطان تلك السنة (1933) كان خارج العاصمة؛ فإن الحركة الوطنية دشنت الاحتفال بالذكرى رسميا، لا سيما في مدينة فاس التي احتضنت حديقـتُها العمومية الحفلة الوطنية الكبرى حيث رُفع لأول مرة العلم المغربي. وبعد الاحتفال، وجهت إلى القصر الملكي بالرباط سيول من برقيات التهاني بالعيد، بإمضاء أفراد الشعب وجماعاته.

سنة 1934 سنة الاحتفال الرسمي بعيد العرش

لم تجد سلطة الحماية بُـدًّا من المشاركة في الاحتفال وإضفاء الصبغة الرسمية على المبادرة الوطنية الشعبية، فصدر بتاريخ 31 أكتوبر 1934 قرار للصدر الأعظم المغربي محمد المقري أشـَّر عليه المقيم العام هنري بونصو يعلن يوم 18 نونبر من كل سنة عيدا وطنيا.

عيد التحدي

كان استعداد الوطنيين لإقامة الاحتفال بهذا اليوم أروع وأحفل؛ فعيد العرش، الذي فرض الشعب المغربي على الحماية الفرنسية إعلانه عيدا قوميا، أصبح عيد تحدي الوطنيين للاستعمار الفرنسي الذي أخفق في محاولة عزل السلطان عن شعبه ورعيته، مثلما فشلت تدابير قمع هذا الاستعمار في محاولة إقبار الحركة الوطنية في مهدها.

ومنذ بداية الاحتفال بذكرى عيد العرش لأول مرة سنة 1933 وإلى حين استقلال المغرب وحتى أثناء نفي السلطان بن يوسف وإلى حين عودته من منفاه، اتخذ الشعب المغربي شعار: “العرش بالشعب” أو “الشعب بالعرش”. وكانت إقامة الذكرى الوطنية تحديا آخر لسلطة الحماية الفرنسية، التي كانت تحاول الدَّس بين الوطنيين والسلطان بقذف الحركة الوطنية المعارضة لسياستها بأنها حركة تمرد على السلطان وعرشه.

الرهان على السلطة

كشفت سلطة الحماية نوايا محاولتها عزل السلطان عن شعبه في شهر مايو 1934 عندما قام السلطان بزيارة رسمية لمدينة فاس، فاغتنمها الوطنيون فرصة لاستقباله والإعراب له عن ولائهم في مظاهرات شعبية غصت بها الشوارع بالسكان، وعلت أقواس النصر، وارتفعت الأعلام في كل حي، ولحَّـنت الجماهير نشيدا أعدَّه بالمناسبة الزعيم علال الفاسي، وأصدر الزعيم الوزاني عددا خاصا بجريدة “عمل الشعب” مُحلى بصورة السلطان وصورة نجله الأمير مولاي الحسن. وكان المشهد رائعا حين التحم الشعب بملكه وهو راكب على فرسه ساعة دخوله الرسمي لفاس في مشهد رائع لم يسبقه نظير.

كان نشيد علال الفاسي ملهما لحماس الجماهير، وقد لقنه المعلمون لتلاميذ المدارس الحرة –وأنا منهم- وجماهير الشعب بترديده أمام الملك عند زيارته المزمعة للمدينة العتيقة التي قام بها في اليوم الموالي لوصوله الرسمي، ومما جاء في هذا النشيد:

يا مليكَ المغربِ يا ابنَ عدنانَ الأبي

نحن جُـنـْـدٌ للفدا نحمي هذا المُلـْـك

عرش مجد خالدٍ ماجـد عـن مـاجـد

قد بناه الأولــون في شموخ المُلـْـك

نحن لا نـبغي به مَـعْدِلا عن حِزبــه

كـُلنا من جنــده دائمــــا نحميه

مشاهدتي الأولى للسلطان

لا أزال أحتفظ بصورة غير واضحة المعالم عن مرور السلطان بحي القطانين بفاس، حيث وقفت بين التلاميذ لتحية السلطان والهتاف باسمه.

وقد كان ذلك أول مرة أرى فيها السلطان الذي كنت أنطق باسمه يوم بيعته منذ سبع سنوات خلت وأنا في بيت والدي لم أصل بعد ثلاث سنوات فتنهرني والدتي وتحثني على السكوت؛ فاسم السلطان كشخصه مقدس لا ينبغي أن تلوكه الشفاه، وخاصة أفواه الصبيان السذج.

يبدو أن الالتحام بين السلطان الشاب والشعب كان في مظاهرات فاس مؤثرا، إذ كان موكب السلطان يخترق شوارع مدينة فاس وجلالته ممتطٍ صهوة جواده والأصوات ترتفع بالمطالبة باسترجاع حق المغرب المسلوب.

لقد تحولت الزيارة إلى مظاهرات احتجاج وحركة مطالب وإدانة للاحتلال، وسقطت فيها الحواجز بين السلطان وشعبه، ووصل خطابها بدون رموز إلى أعماق الفكر الاستعماري الفرنسي الذي أخذ يحسب لهذا الالتحام حسابه.

وكان برنامج اليوم الموالي يتضمن أداء السلطان صلاة الجمعة بجامع القرويين، فتوقعت سلطات الحماية أن يكون هذا اليوم مشهودا حافلا لترسيخ علاقة العرش بالشعب وأن تشتد حرارة اللقاء ويتضاعف الحماس الوطني، فقررت الحيلولة بين السلطان وعودته إلى لقاء الجماهير.

وافتعل الجنرال “ماركي”، حاكم ناحية فاس، مبررا لذلك ناقلا إلى علم السلطان أن الجماهير هتفت بسقوط فرنسا وأنها مرَّغت العلم الفرنسي في التراب، فتقدمت الإقامة العامة الفرنسية للسلطان بطلب إلغاء الصلاة الرسمية بالقرويين وباعتقال الوطنيين بتهمة إحداث الشغب والفوضى والمسّ بحرمة فرنسا؛ لكن السلطان رفض أن يأذن باعتقال أي وطني وفضل قطع زيارته لفاس والعودة في اليوم نفسه إلى العاصمة الرباط.

‫تعليقات الزوار

13
  • ‏يوسف الصبيحي
    الجمعة 30 يوليوز 2021 - 10:06

    ‏هذا غلط يا أخي أول احتفال بعيد العرش في المغرب خرج من منزل الباشا الصبيحي بمدينة سلا ولنا كل الأدلة على ذلك

  • Félicitations
    الجمعة 30 يوليوز 2021 - 10:10

    الجميل في فرنسا أنها لم تمنع الإحتفالات وبنت وطورت المغرب ومابنته من مستشفيات وقناطر وعمارات ومدارس لازال صامدا استفاد منه الشعب أجيال بعد أجيال

  • غير معروف
    الجمعة 30 يوليوز 2021 - 10:11

    يا للمتناقضات ..في نفس سنة ١٩٣٣ مجد السلطان محمد بنيوسف الاستعمار الفرنسي في المعرض الكولوننيالي ،في خطاب اقر فيه بشرعية الاستعمار وما نتج عنه من تطور الشعبالمغربي حيث قال ،،لولاكم لمَ وصلنا الى هذا المستوى من التطور في العمران وشق الطرق والسكك الحديدة لقد كنا حفاة عراة فجئتكم ودفعتم بنا الى التطور بعدما كنا نسكن الخيام ،،،الخ
    كاتب المقال اختلط عليه الامر بين الحماية والاستعمار ،،فعنده هما كلمتان لشيئ واحد ،،لكن حالة المغرب ان السلطان عبد الحفيظ هو الذي طلب حماية فرنسا من قبائل فاس

  • بلعربي
    الجمعة 30 يوليوز 2021 - 10:12

    طيب الله ترى المومنين والمومنات .. من المومنين رجال (وليس رجل واحد) صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر

  • العملاق المؤسس
    الجمعة 30 يوليوز 2021 - 10:34

    لقد كنت أظن أن الاحتفال بتوريث العرش كان مند تاسيس الدولة العلوية حتى قرأت هدا المقال.

  • دي ميستورا
    الجمعة 30 يوليوز 2021 - 10:42

    السلاطين هم من طلب الحماية الفرنسية ……ولازالوا

  • عبدالحق
    الجمعة 30 يوليوز 2021 - 11:45

    نعم لقد كان عيد العرش منذ تأسيس الدولة العلوية فهذا مسمى .بالبيعة المتوالية والمتوارثة شرعا .هو احتفال وتجديد الولاء والبيعة مثوارث عبر قرون

  • نحن جنود للفدا نحمي هذا المُلـْـك
    الجمعة 30 يوليوز 2021 - 11:58

    يا مليكَ المغربِ يا سبط النبي
    نحن أسود للعدا نحمي هذا المُلـْـك
    عرش مجد خالدٍ ماجـد عـن مـاجـد
    قد بناه الأولــون في شموخ المُلـْـك
    يا مليكَ المغربِ أنت قائد المركب
    قائد ماهر وإن علت الأمواج للسحب
    تقودنا إلى بر الأمان بحزم وتأهب
    ذهاء، صلابة الموقف أرهبت المعتد
    يا مليكَ المغربِ يا سبط النبي
    نحن جنود للفدا نحمي هذا المُلـْـك
    في عز أزمة أظهرت طينة المغرب
    زادك الله رفعة بالملك هو الواهب
    زدت في قلبي حبا ، رافعا رأسي أنا مغربي

  • عبدالحق
    الجمعة 30 يوليوز 2021 - 12:11

    الى الرقم 5 الاحتفال بعيد العرش ليس هو وليد اليوم او القرن الماضي فهو حفل ولاء وبيعة متوارث منذ تأسيس الدولة العلوية

  • رحم الله الاستاذ
    الجمعة 30 يوليوز 2021 - 14:36

    بوطالب الذي كتب عن هذه الأحداث السياسية الوطنية ليطلع الخلف على اعمال السلف. سنة 1933 كذلك كانت سنة نهاية حروب التطويع حيث استسلم قائد معركة بادو بجبال الاطلس الكبير زايد اسكنتي وكان قد استسلم قبله ابسلام قائد معركة بوغافر كما استسلم من قبل الخطابي. ولو ان السلطان عبد الحفيظ اعلن الجهاد لانهزم و استسلم مثلهم وتسبب في ضياع امارة المؤمنين وابتسام المغرب الى خمس كيانات مستقلة كما قررت القوى الاستعمارية، الا انه افشل المخطط الاستعماري بالموافقة على الحماية فاستمرت امارة المؤمنين و السيادة الداخلية لدولة المخزن. وهكذا التف المغاربة حول سلطانهم وحصلوا على الاستقلال بأقل الخسائر.

  • استمرار إمارة المؤمنين
    الجمعة 30 يوليوز 2021 - 16:34

    بقيادة اهل البيت التي سبق الى تأسيسها أمازيغ قبيلة أوربة بعد ان كان عرب قريش من امويين و عباسيين يضطهدون أحفاد فاطمة الزهراء بنت الرسول (ص) منذ 13 قرنا، وكذلك استمرار الدولة المخزنية المركزية التي وضع أسسها الفقيه بن تومرت الموحدي منذ 9 قرون ، جعل المغاربة يلتفون حول قيادة الحاكم الذي يوحدهم . وبفضل زعامة السلطان محمد بن يوسف للحركة الوطنية تجنب المغرب مساوئ الرءاسة مدى الحياة كما حدث في تونس و حكم اصحاب لغة الرصاص من حاملي البندقية قادة جيش التحرير كما حدث في الجزائر.

  • نورالدين المعتدل
    الجمعة 30 يوليوز 2021 - 20:15

    عيد العرش اذا ،أكبر سنا مني ومنك يا بولييال، عيد العرش ضارب في التاريخ يا جماعة الإرهاب، عيد العرش تلاحم العرش بالشعب منذ القدم يا بولييال ،ما محلكم من الإعراب تاريخيا وجغرافيا وولاء وقانونا، يبقى عيد العرش ملحمة خالدة لن يتخلى عنها المغاربة وتجسد ولاء الشعب لملكه وفرصة لتجديد الوفاء والإخلاص.

  • Houssa
    الإثنين 9 غشت 2021 - 09:11

    إلى صاحب التعليق رقم 1: اول احتفال بعيد العرش يا أخي في المغرب العزيز كان في بلدة بني تدجيت التي طالها النسيان مع الأسف . حيث نظم احتفال كبير بهذه المناسبة في غفلة من المسؤول الفرنسي الذي تم اشراكه في الحفل في غفلة تامة منه. ولم يفتطن لذلك الا بعدما تم تنبيهه في اليوم الموالي من المسؤول الفرنسي الأعلى منه رتبة والذي كان في مدينة اغرم نالسوق التي سميت الان بالرشيدية. ومن يبحث عن تفاصيل أكثر فهي متوفرة في ذاكرة المنطقة. تحياتي.

صوت وصورة
حكيمي يتبرع بمدرسة لتلاميذ الحوز
السبت 4 ماي 2024 - 20:30

حكيمي يتبرع بمدرسة لتلاميذ الحوز

صوت وصورة
الفاضيلي .. "أبي لم يمت"
السبت 4 ماي 2024 - 18:19

الفاضيلي .. "أبي لم يمت"

صوت وصورة
حوار مع وزير الصحة
السبت 4 ماي 2024 - 16:14

حوار مع وزير الصحة

صوت وصورة
ضعف البنية التحتية بالهراويين
السبت 4 ماي 2024 - 12:39

ضعف البنية التحتية بالهراويين

صوت وصورة
الطبيب التازي يغادر السجن
السبت 4 ماي 2024 - 10:14

الطبيب التازي يغادر السجن

صوت وصورة
فرحة ابن التازي بعد الحكم
السبت 4 ماي 2024 - 00:38

فرحة ابن التازي بعد الحكم

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 3 سنوات | 30 قراءة)
.