في كتاب “الأكَلَة” للمدائني، أن سليمان بن عبد الملك خرج يوماً يريد منزل يزيد بن المهلّب، فتلقّاه، فدخل منزله، فقال له: أتريد الطعام يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم! فأكل أربعين دجاجة عدا ما أكل من الطعام!.
والناس صنفان: ناس يأكلون وناس يتفرجون. والجوعية أشكال وألوان، والجاحظ في كتابه “البخلاء” يذكر منهم: اللكّام، والعظّام، والأكيل، والمصّاص، واللطّاع، والقطّاع، والدفّاع، والنفّاض، والنهّاش، والدلّاك، والمدّاد، والمغربل، والمحلقم، والمسوّغ، والمخضر، والملغّم، والمحوّل، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
وتقرأ في “العقد الفريد” لابن عبد ربّه، و”الإمتاع والمؤانسة” لأبي حيان التوحيدي، و”الأغاني” لأبي فرج الأصفهاني و”المستطرف في كل فن مستظرف” لشهاب الدين الأبشيهي، و”أخبار المغفلين” لابن الجوزي، و”حكايات الطفيليين” للخطيب البغدادي الطرائف والظرائف والحكايات والمواقف المضحكة عن الجوعى والجياع وأخبارهم وآثارهم، وفي المكتبة العربية مؤلفات نقلت الروايات عن هؤلاء الجوعى، ومن المؤكد أن من لا يجد لذة في طعامه فإنه لا يجد لذة في أي شيء آخر.
ومستشار ألمانيا هلموت كول أصدر كتاباً عن أشهر الأكلات الألمانية يتحدث عن فن الطبخ. وكان يحب الأكل كثيراً وبشهية مفتوحة لا تشبع. وكان يملأ جيوبه بأنواع البسكويت والكاكاو فيدسّ يده أثناء الاجتماعات الرسمية والمؤتمرات الصحفية كلما سنحت فرصة فيأكل. وعندما مات وعمره سبع وثمانون سنة وجدوه ممسكاً بقطعة شيكولاتة!.
وطبيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب يقول عن طريقة أكل الرئيس إنها مخيفة، فترامب لا يأكل الطعام إلا إذا احتوى على نسبة من الدهون عالية، ويزيد عليها أطباقاً من الحلوى وسندويشات من ماكدونالد وأسماك.
والفراعنة كانوا يأتون بجثث الموتى إلى مآدبهم حتى يراها الناس فلا يأكلون!.
وكان زرياب أول من علّم أهل أوروبا الأكلات على الطريقة البغداديّة من الحلوى المصنوعة بالجوز واللّوز والمحشوّة بالفستق والبندق. إلى السمك المسموط والمسقوف والأكل بالشوكة والسكين. ولعل المطبخ الإسباني اليوم هو من بقايا مطبخ زرياب في بلاد الأندلس.
وعندنا في العراق فإن الشعراء يستعيرون مفردات من أشهر الأكلات والمآدب حين يريدون التغزّل بحبيباتهم. يكفي قراءة قصيدة الشاعر حافظ جميل في “ليلى تين”: يا تين يا توت يا رمان يا عنب!.
وعندما يصفون لك الخدود الجميلة يقولون إنها ” قيمر السدّة” أو “فرط الرمان خدوده” أو “كشمش عجم” و”شراب زبيب” و” گلبي اتلوّع بعد ميطيب”. حتى الشوق إلى الحبيب والديار لم يجد الشاعر مظفر النواب أجمل من وصفه ب”موعات الدهن”!.
وإذا كان المثل يقول: “البعير يموت من أكل الشعير” فإن البشر يموتون من الأكل أيضاً. يٌقال إن الشاعر الرقيق كامل الشناوي كان مدعواً على عشاء وظل يأكل حتى لم يعد قادراً على التنفس فمات.. والخديوي اسماعيل جلس على المائدة يأكل مما يطبخه “فيلسوف الطعام” الأسطى أحمد حتى مات من التخمة. والرئيس الفرنسي ميتران أكل ذات عشاء من اللحوم والأرز والفاكهة والحلويات حتى تضايق فالتفت إلى مرافقيه قائلاً: لعل هذا هو عشاؤنا الأخير!.
وكان عشاؤه الأخير بالفعل.. مات بعده بأيام!.