×

‏يا تين يا توت -رباح آل جعفر

‏يا تين يا توت -رباح آل جعفر | Azzaman

‏يا تين يا توت -رباح آل جعفر

‏في‭ ‬كتاب‭ “‬الأكَلَة‭” ‬للمدائني،‭ ‬أن‭ ‬سليمان‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الملك‭ ‬خرج‭ ‬يوماً‭ ‬يريد‭ ‬منزل‭ ‬يزيد‭ ‬بن‭ ‬المهلّب،‭ ‬فتلقّاه،‭ ‬فدخل‭ ‬منزله،‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬أتريد‭ ‬الطعام‭ ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين؟‭ ‬قال‭: ‬نعم‭! ‬فأكل‭ ‬أربعين‭ ‬دجاجة‭ ‬عدا‭ ‬ما‭ ‬أكل‭ ‬من‭ ‬الطعام‭!.‬

‏والناس‭ ‬صنفان‭: ‬ناس‭ ‬يأكلون‭ ‬وناس‭ ‬يتفرجون‭. ‬والجوعية‭ ‬أشكال‭ ‬وألوان،‭ ‬والجاحظ‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ “‬البخلاء‭” ‬يذكر‭ ‬منهم‭: ‬اللكّام،‭ ‬والعظّام،‭ ‬والأكيل،‭ ‬والمصّاص،‭ ‬واللطّاع،‭ ‬والقطّاع،‭ ‬والدفّاع،‭ ‬والنفّاض،‭ ‬والنهّاش،‭ ‬والدلّاك،‭ ‬والمدّاد،‭ ‬والمغربل،‭ ‬والمحلقم،‭ ‬والمسوّغ،‭ ‬والمخضر،‭ ‬والملغّم،‭ ‬والمحوّل،‭ ‬ولا‭ ‬حول‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬إلا‭ ‬بالله‭!.‬

‏وتقرأ‭ ‬في‭ “‬العقد‭ ‬الفريد‭” ‬لابن‭ ‬عبد‭ ‬ربّه،‭ ‬و‭”‬الإمتاع‭ ‬والمؤانسة‭” ‬لأبي‭ ‬حيان‭ ‬التوحيدي،‭ ‬و‭”‬الأغاني‭” ‬لأبي‭ ‬فرج‭ ‬الأصفهاني‭ ‬و‭”‬المستطرف‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬فن‭ ‬مستظرف‭” ‬لشهاب‭ ‬الدين‭ ‬الأبشيهي،‭ ‬و‭”‬أخبار‭ ‬المغفلين‭” ‬لابن‭ ‬الجوزي،‭ ‬و‭”‬حكايات‭ ‬الطفيليين‭” ‬للخطيب‭ ‬البغدادي‭ ‬الطرائف‭ ‬والظرائف‭ ‬والحكايات‭ ‬والمواقف‭ ‬المضحكة‭ ‬عن‭ ‬الجوعى‭ ‬والجياع‭ ‬وأخبارهم‭ ‬وآثارهم،‭ ‬وفي‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية‭ ‬مؤلفات‭ ‬نقلت‭ ‬الروايات‭ ‬عن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الجوعى،‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬لذة‭ ‬في‭ ‬طعامه‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬لذة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭.‬

‏ومستشار‭ ‬ألمانيا‭ ‬هلموت‭ ‬كول‭ ‬أصدر‭ ‬كتاباً‭ ‬عن‭ ‬أشهر‭ ‬الأكلات‭ ‬الألمانية‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬فن‭ ‬الطبخ‭. ‬وكان‭ ‬يحب‭ ‬الأكل‭ ‬كثيراً‭ ‬وبشهية‭ ‬مفتوحة‭ ‬لا‭ ‬تشبع‭. ‬وكان‭ ‬يملأ‭ ‬جيوبه‭ ‬بأنواع‭ ‬البسكويت‭ ‬والكاكاو‭ ‬فيدسّ‭ ‬يده‭ ‬أثناء‭ ‬الاجتماعات‭ ‬الرسمية‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬الصحفية‭ ‬كلما‭ ‬سنحت‭ ‬فرصة‭ ‬فيأكل‭. ‬وعندما‭ ‬مات‭ ‬وعمره‭ ‬سبع‭ ‬وثمانون‭ ‬سنة‭ ‬وجدوه‭ ‬ممسكاً‭ ‬بقطعة‭ ‬شيكولاتة‭!.‬

‏وطبيب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬يقول‭ ‬عن‭ ‬طريقة‭ ‬أكل‭ ‬الرئيس‭ ‬إنها‭ ‬مخيفة،‭ ‬فترامب‭ ‬لا‭ ‬يأكل‭ ‬الطعام‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬احتوى‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬الدهون‭ ‬عالية،‭ ‬ويزيد‭ ‬عليها‭ ‬أطباقاً‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭ ‬وسندويشات‭ ‬من‭ ‬ماكدونالد‭ ‬وأسماك‭. ‬

‏والفراعنة‭ ‬كانوا‭ ‬يأتون‭ ‬بجثث‭ ‬الموتى‭ ‬إلى‭ ‬مآدبهم‭ ‬حتى‭ ‬يراها‭ ‬الناس‭ ‬فلا‭ ‬يأكلون‭!. ‬

‏وكان‭ ‬زرياب‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬علّم‭ ‬أهل‭ ‬أوروبا‭ ‬الأكلات‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬البغداديّة‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭ ‬المصنوعة‭ ‬بالجوز‭ ‬واللّوز‭ ‬والمحشوّة‭ ‬بالفستق‭ ‬والبندق‭. ‬إلى‭ ‬السمك‭ ‬المسموط‭ ‬والمسقوف‭ ‬والأكل‭ ‬بالشوكة‭ ‬والسكين‭. ‬ولعل‭ ‬المطبخ‭ ‬الإسباني‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬مطبخ‭ ‬زرياب‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الأندلس‭.‬

‏وعندنا‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬فإن‭ ‬الشعراء‭ ‬يستعيرون‭ ‬مفردات‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬الأكلات‭ ‬والمآدب‭ ‬حين‭ ‬يريدون‭ ‬التغزّل‭ ‬بحبيباتهم‭. ‬يكفي‭ ‬قراءة‭ ‬قصيدة‭ ‬الشاعر‭ ‬حافظ‭ ‬جميل‭ ‬في‭ “‬ليلى‭ ‬تين‭”: ‬يا‭ ‬تين‭ ‬يا‭ ‬توت‭ ‬يا‭ ‬رمان‭ ‬يا‭ ‬عنب‭!.‬

وعندما‭ ‬يصفون‭ ‬لك‭ ‬الخدود‭ ‬الجميلة‭ ‬يقولون‭ ‬إنها‭ ” ‬قيمر‭ ‬السدّة‭” ‬أو‭ “‬فرط‭ ‬الرمان‭ ‬خدوده‭” ‬أو‭ “‬كشمش‭ ‬عجم‭” ‬و‭”‬شراب‭ ‬زبيب‭” ‬و‭” ‬گلبي‭ ‬اتلوّع‭ ‬بعد‭ ‬ميطيب‭”. ‬حتى‭ ‬الشوق‭ ‬إلى‭ ‬الحبيب‭ ‬والديار‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬الشاعر‭ ‬مظفر‭ ‬النواب‭ ‬أجمل‭ ‬من‭ ‬وصفه‭ ‬ب‭”‬موعات‭ ‬الدهن‭”!.‬

‏وإذا‭ ‬كان‭ ‬المثل‭ ‬يقول‭: “‬البعير‭ ‬يموت‭ ‬من‭ ‬أكل‭ ‬الشعير‭” ‬فإن‭ ‬البشر‭ ‬يموتون‭ ‬من‭ ‬الأكل‭ ‬أيضاً‭. ‬يٌقال‭ ‬إن‭ ‬الشاعر‭ ‬الرقيق‭ ‬كامل‭ ‬الشناوي‭ ‬كان‭ ‬مدعواً‭ ‬على‭ ‬عشاء‭ ‬وظل‭ ‬يأكل‭ ‬حتى‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬التنفس‭ ‬فمات‭.. ‬والخديوي‭ ‬اسماعيل‭ ‬جلس‭ ‬على‭ ‬المائدة‭ ‬يأكل‭ ‬مما‭ ‬يطبخه‭ “‬فيلسوف‭ ‬الطعام‭” ‬الأسطى‭ ‬أحمد‭ ‬حتى‭ ‬مات‭ ‬من‭ ‬التخمة‭. ‬والرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬ميتران‭ ‬أكل‭ ‬ذات‭ ‬عشاء‭ ‬من‭ ‬اللحوم‭ ‬والأرز‭ ‬والفاكهة‭ ‬والحلويات‭ ‬حتى‭ ‬تضايق‭ ‬فالتفت‭ ‬إلى‭ ‬مرافقيه‭ ‬قائلاً‭: ‬لعل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬عشاؤنا‭ ‬الأخير‭!. ‬

‏وكان‭ ‬عشاؤه‭ ‬الأخير‭ ‬بالفعل‭.. ‬مات‭ ‬بعده‭ ‬بأيام‭!.‬

مشاركة
2

العراق      |      المصدر: الزمان    (منذ: 3 سنوات | 31 قراءة)
.