مدارة اللامعقول

وحدهم مبدعو الرواية والقصة والسينما والرسم يستطيعون تخيّل مقهى وسط مدارة، لأنك، خارج فن اللامعقول، لا تستطيع أن تصل بخيالك إلى هذا المستوى من “الإبداع”.

وسيتضح لك السبب بعد هذا التحليل البسيط: – المقهى مكان يقتضي أن يكون الوصول إليه سهلا للراجل ومستعمل العربة أو غيرها، والمقاهي المحببة هي التي يكون بالقرب منها موقف واسع لهذه الآليات.

كما أن المقاهي البعيدة عن الضجيج هي التي يرغب فيها الناس أكثر من غيرها.

– المدارة هي ملتقى الطرق الذي تدور الآليات وسطه بقانون اليمين أو قانون “ليس لكم حق الأسبقية” وهي مكان عام، إلا إذا أنجزها مواطن داخل قصره أو ضيعته، وليس من المعقول أن يبني شخص ما مدارة هكذا وسط ملكه الخاص إلا إذا كان مجنونا.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} – مجنون سيدي علال البحراوي تجاوز هذا المدى من اللامعقول وأنجز مقهى في مدارة عمومية يستعملها المواطنون يوميا.

مدعيا أن الأرض ليست في ملك الدولة ولا الجماعة.

والعقل يقول إن ملكك الخاص يصبح عموميا بمجرد بناء تجزئة سكنية واحدة.

في هذه الواقعة ألقينا القبض على ثلاثة مجانين (على الأقل)، صاحب المشروع العبقري المذكور سابقا، ثم رئيس الجماعة ثم رئيس الوكالة الحضرية، هذا الأخير الذي اعترض على الطابق ولم يعترض على المشروع من أصله.

ولأن هؤلاء “العباقرة” الثلاثة رُفع عنهم القلم، فهم يستحقون إقامة استثنائية في مستشفى الأمراض العقلية.

نتخيل أن المقهى أُنجز برعاية الله وحفظه وجُهز أحسن تجهيز، وأصبح ما شاء الله زينة للناظرين، ثم جاء يوم التدشين فحل به الزبائن من كل مكان يتمتعون بأربع “فرصادات” تبارك الله وعين الحسود فيها أعواد كثيرة، سيكون هناك خيار واحد للمدارة أثناء اشتغال المقهى، وهو المنع الفوري لحركة السير ما دامت المقهى تشتغل، وإلا إقفال المقهى لتشتغل المدارة.

أنظروا نهاية العبقرية المغربية في سيدي علال البحراوي، الذي لو قام من قبره ما كان يتردد في رجم المجانين الثلاثة بالحجر بعد أن يشبعهم لعنا وشتما وسبا.

قالوا في الماضي “في بلاد المغرب لا تستغرب” من باب البعد عن المشرق بمسافة تجعل ما يقع عندنا مفاجئا لتلقّي المشارقة، لكننا هنا أمام سيبة طويلة عريضة تتغذى من اللاعقاب واستبعاد المحاسبة واستعمال المال والعلاقات في ارتكاب كل الحماقات المتوقعة وغير المتوقعة، مثل مدارتنا العجيبة.

سخرت من الجزائريين يوما حين أنجزوا طريقا واسعا جميلا ثم أنبتوا وسطه عمودا كهربائيا محترما، وقلت إن “مبدع” هذا اللامعقول يكره البشر فأنبت هذا العمود حتى يرى الواقع أرضا أكثر من الواقف، من باب الشر السادي.

وأنا أطلب من السادي صاحب المشروع أن يستدعي عشرات سيارات الإسعاف ترابط بشكل دائم قريبا من المقهى، ثم نطلب السلامة للأحياء والرحمة للأموات.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أيام | 4 قراءة)
.