"المعلم" عليكان: مهرجان الصويرة فاق التوقعات .. و"تكناويت" تحتاج معهدا

قال “المعلّم” عبد السلام عليكان، رئيس جمعية “يرمى كناوة” والمدير الفني لمهرجان كناوة وموسيقى العالم، إن “النجاح الذي وصل إليه مهرجان “مدينة الرياح” اليوم بعد مرور ربع قرن على ولادته الأولى قبل 25 سنة فاق كل التوقعات”.

وأضاف “اليوم نتحدث عن تظاهرة ثقافية سنوية تخلق حركيّة رائعة في الصويرة، وكان لها دور في إدراج “اليونيسكو” الفن الكناوي في قائمة التراث غير المادي.

وأبرز عليكان، في حوار مع هسبريس، أن “التطور الذي بلغه الفن الكناوي يحتاج المزيد من الجهود حتى نتمكن من صيانة هذا التراث وحمايته من التفتت والضياع”، لافتا الانتباه إلى حاجة المغرب اليوم لمتحف يحصّن هذا التراث ومعهد يكوّن الأجيال المقبلة، التي ستواصل الترويج لهذا الفن عبر منصات مهرجان الصويرة وفعاليات أخرى داخل المغرب وخارجه.

نص الحوار: – نحن الآن في النسخة الـ25 من مهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة.

نتحدث، إذن، عن ربع قرن.

أودّ أن نستحضر مرحلة ما قبل “الولادة” باعتبارك من حملة “الفكرة الأصل” لهذا الحدث.

هل كان هناك توقع بأن هذا المهرجان سينجح بهذا الشكل؟ #div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} في الحقيقة حين أستحضر هذه الفكرة وهذا الحلم أجد أن لا أحد كان يعرفُ أن المهرجان سيبلغ هذا النجاح.

لكننا نعرف أنه كان هناك فن ونوعية من الموسيقى حبّبت نفسها للجمهور وللموسيقيين حول العالم.

وأنا أعتبر هذا سر نجاح هذا الحدث، فضلا عن بساطة وأصالة الفن الكناوي.

“تكناويت” منبعها الأول هو الشعب وهموم الناس ومشاعر الفقراء وأصحاب الفاقة والعوز، ولا حاجة لنذكّر بأنها خرجت من رحم معاناة العبيد وعرفت مسارا طويلا حتى صارت اليوم فنّا.

إلى يومنا هذا ظلّ العزف الكناوي مكاشفة بشعور يحسّ به الإنسان دائما ويعتمل في داخله.

الأنغام و”النوطات” هي التي تقرب “تكناويت” من المتلقي.

ولا بد أن نسجل أنه بعد 25 سنة مرّ هذا الفن بمراحل جدّ حاسمة، وكل محطة أعطت تجربة معينة.

اليوم نتحدث عن “حرفة المنصة”، يعني مرحلة من الاحتراف يستطيع فيها المعلّم أن يصعد فوق المنصة أمام الجمهور وضمن شروط جد حازمة.

هذه الوقفة في حد ذاتها تتطلب عملاً حقيقيّا.

هي حرفة، والجهد ظلّ يتعزز لكي تصل كناوة إلى هذا المستوى، الذي يجعل الفنان الكناوي مؤهّلا بدوره ولديه مدير أعمال ويشتغل وفق جدول أعمال يرتّب جولاته داخل المغرب وحول العالم.

نحن جميعا نلاحظ كيف صارت الأغنية الكناوية مسجّلة، وكيف دخل هذا الفن إلى البيوت وصار الناس يستمعون إليه مثل أي لون غنائي آخر.

المهرجان كان حلقة الوصل في عملية التبدّل هذه التي همّت الصانع في “تكناويت”.

استطاع المهرجان تبعا لذلك أن يضرب موعدا سنويا لجمهور كناوة، تماما مثلما نرى الوضع في تظاهرات دولية أخرى من قبيل مهرجان مونترو لموسيقى الجاز.

كل هذا يعني أن الفن الكناوي أصبح عليه طلب ملحوظ.

والصويرة بدورها تستفيد.

.

تنظيم تظاهرة في مدينة صغيرة مثل موكادور، مع ضمان توافد جمهور كثيف وعريض وكبير، يعني أن هناك شيئا يجذب الناس ويغريهم بمتابعته.

المدينة بدورها تعرف حركية مهمة، ففنادقها الآن محجوزة بالكامل، وتذاكر المهرجان نفدت بالكامل.

رغم صغر “مدينة الرياح” فهي تعيدنا إلى عمقنا حين نقول “التيساع فالخاطر”.

وأؤكد مرة أخرى، قبل ولادة المهرجان كانت هناك طموحات، لكن هناك أشياء جديدة، ونلاحظ اليوم أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) أدرجت كناوة في قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية.

وأعتبر أن هذا الاعتراف ضاعف حجم المسؤولية، سواء الملقاة على عاتق “المعلم” الكناوي أو على عاتق السلطات العمومية الوصية على القطاع الثقافي.

إذ لا يعقل أنه إلى حدود اليوم ليس لدينا متحف يؤوي التراث الكناوي لأنه طيلة الـ25 سنة التي مرّت عاينّا عروضاً كناويّة شيّقة ومبهرة.

الأكثر من ذلك أن هناك “معلمية” قضوا نحبهم وضاعت برحيلهم تلك “البركة”، التي كانوا وحدهم يمسكون بناصيتها.

“تكناويت” تلعب بالإحساس أكثر من الممارسة، ففيها نوع من الطاعة والصنعة، وهناك “معلم” إذا تعلمت منه كيف يجلس وكيف يحمل الآلة فذلك زادٌ كبير.

(مقاطعا) لكن البعض صار اليوم يعتبر كناوة “فنا سهلاً”، وأي شخص يسمي نفسه “معلّم”؟ أتصور أن تعلم “تكناويت” أو آلة على وجه الدقة أصعب من أي آلة أخرى.

بقية الآلات الموسيقية يمكن أن يتلقى فيها المتعلّم تكوينا ويتعلمها، لكن نغمة الفن الكناوي شيء آخر.

لذلك قد تجد قطعة كناوية واحدة، لكن كل فنان كناوي يعزفها بطريقته الخاصة لأنه يلقي داخلها أحاسيسه الخاصّة.

“الكمبري” يتحرك وفق قوة الإحساس وليس الممارسة فقط.

هناك أشياء في كناوة غير خاضعة للمتعارف عليه في الموسيقى، فـ”الكمبري” يجمع أشياء لا تجتمع في لون موسيقي آخر.

والمتعلم يدرك أن هناك تربية وطاعة واحترام للميدان، وهناك “الوْلاعة” لكي ينصت ويستطيع أن يتعلم.

وطريق التّعليم تكون متعلقة بالآلة وبالمتعلّم و”الولاعة اللي فيه”.

ما يبحثُ عنه سيجده، ومن يريد العمق سيعثر عليه، ومن يود فقط تعلم الفن الكناوي بشكل سطحي أو “التهيليل” سيجده.

لكن الأساسي أن الموسيقى مفتوحة أمام الجميع، ونحن نشهد على وجود من يحمل “الكمبري” وهو غير ممسك بناصيته حتى لو كان يبدو متقنا له ظاهريّا، وخذ “كناوة ديفيزيون” كمثال.

أنت تعلمت وصرت “معلّم” أيضاً في “تكناويت”، وها أنت اليوم المدير الفني للمهرجان الذي نوجد فيه؛ ما هي القيمة المضافة التي منحها مهرجان كناوة لمسيرتك الفنية؟ في الحقيقة كنت واحداً من أبناء الصويرة و”تْولّعت” حين وجدت “الكمبري” في بيتنا، وكانت علاقتي طيبة مع كل “معلم” أخذت منه بعضا من هذا الفن أو كله.

غير أن المهرجان جاء لاحقا ليصقل هذا الفن ويمنحه القدرة على الانتشار والتوزيع داخل المغرب وخارجه.

هذه أشياء ليست سهلة أن ينالها “المعلم” بدون هذا الحدث الثقافي الكبير الذي أوصلنا إلى منصات بلدان أخرى في الخارج.

دعني أقدم لك مثالاً ليوضح القيمة المضافة للمهرجان، فعقب عرض أمس الذي ألقيته في منصة مولاي الحسن، جلبت لي تلك الخرجة ثلاث دعوات للأداء.

واحدة داخل المغرب والبقية في الخارج.

المنصة تمنحك إشعاعا وتقرب الناس من فنك.

ونحن نقول دائماً: “زرع القوقة وغادية تقوق”.

تحدثت عن الحاجة إلى متحف لـ”تكناويت”، هل نحتاج أيضا إلى معهد لهذا الفن ليجهّز الأجيال المقبلة من “المعلمية” التي ستصعد منصات “موكادور”، بما أن التوقعات تشير إلى استمرار هذه الفعالية سنوات عديدة؟ بالفعل نحتاج معهدا للفن الكناوي لأنه انطلاقا من تجربتي المتواضعة، ومن خلال زياراتي الكثيرة للبرازيل، لاحظت اهتمام أولئك الناس بالفنون الشّعبية والمحلية من قبيل “السامبا” وغيرها.

هذا التصور مطلوب في المغرب بشكل مستعجل لضمان تثمين وتأهيل الفن الكناوي بوصفه مزيجاً يجمع في قلبه “تاجيلاليت” و”تحمدوشيت” و”تدرقاويت”، وهذا الثراء ينطوي على جانب أكاديمي وآخر روحي.

نحتاج أيضاً تعزيز البحث العلمي في “تكناويت”.

ونحن على بينة أن هناك اجتهادا، لكنْ هناك خصاص لأن الأجانب هم الذين كتبوا بكثافة حول الصنعة الكناوية وسبروا أغوارها، سواء كانوا مؤرخين أو سوسيولوجيين أو أنثروبولوجيين.

وقد قمنا في جمعية “يرمى كناوة” بإنجاز أنطولوجيا كناوة، ونسهر على بذل المزيد من الجهد، لكننا نحتاج فعلاً تقوية البحث العلمي في هذا الفن بوصفه تراثا إنسانيا.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أيام | 6 قراءة)
.