أكاديمية المملكة تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"

اهتمام كبير بالتراث المغربي الإسباني، في “شقه العمراني”، أبدته محاضرة حول “قصر الحمراء.

.

بهاء الهندسة المعمارية الإسبانية المغربية”، احتضنتها أكاديمية المملكة المغربية، الجمعة، في إطار سلسلة محاضرات كرسي الأندلس.

ويأتي التركيز على هذا القصر كشاهد على التلاقح الثقافي بين المغرب والأندلس على مستوى الهندسة المعمارية.

وأعادت هذه المحاضرة، التي ألقاها رودريغو رويث خيمينيث كاريرا، المدير العام لقصر الحمراء بغرناطة، التعايش الذي ساد بين الناس في الأندلس إلى الواجهة من خلال هذا القصر، الذي بدأ إنشاؤه منذ منتصف القرن الثالث عشر، والذي صار امتداداً لعصر ما زال مفعوله التاريخي حاضراً، وما زال يحرّك البحث وطلب المزيد من المعرفة حوله.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} اهتمام عميق عبد الجليل الحجمري، أمين السر الدائم للأكاديمية المملكة المغربية، قال إن المحاضرة تأتي في إطار “الأنشطة العلمية لكرسي الأندلس، الذي أحدثته أكاديمية المملكة المغربية، عملا بالأهداف التي تضمنها قانونها الجديد فيما يتصل بالتعريف بمقومات الهوية الوطنية بكل مكوناتها وروافدها، ونشر القيم والمبادئ الكونية المرسخة للحوار المثمر بين الثقافات والحضارات”، مشيرا إلى أن الأكاديمية أحدثت أيضا كرسيين: كرسي الأدب والفنون الإفريقية، وكرسي الآداب المقارنة.

وأوضح الحجمري، في كلمته التقديمية للمحاضرة، أن الكراسي العلمية تلعب دورا هاما في تعزيز البحث العلمي وتطوير المعرفة في مختلف المجالات، مضيفا أن “قصر الحمراء في غرناطة تحفة فنية فريدة تجسد روعة الهندسة المعمارية الأندلسية المغربية، شُيّد على مراحل زمنية مختلفة بدءاً من القرن الثّالث عشر الميلادي، واتخذ عدة وظائف، فكان قصرا ملكيا وحصنا عسكريا ومركزا ثقافيا وعلميا”.

ومضى أمين سر أكاديمية المملكة شارحا “القصر يتميز بالعديد من المميزات الهندسية، أبرزها التناغم بين مختلف العناصر المعمارية مثل الأقواس بأنواعها المختلفة والزخارف النباتية، وفسيفساء الزليج والنقش على الجبس، فضلاً عن الماء الذي يلعب دورا هاما في تصميم القصر، حيث تنتشر النوافير والبرك والقنوات في جميع أنحائه”، مشيرا إلى أن المتأمل في هذه التحفة الهندسية المعمارية يتبين له مكونا الأندلسي المغربي المشترك.

وعدّ الحجمري المحاضرة “تجسيدا حقيقيا” لما تناولته الندوة الدولية حول التعايش في الأندلس، التي احتضنتها أكاديمية المملكة المغربية في وقت سابق، وتم على هامشها تحديد توجهات الكرسي العامة بالتركيز على الاهتمام بدراسة وبحث القضايا والإشكاليات المتعلقة بالأندلس في مختلف مجالات المعرفة، والكشف عن الأرشيفات والوثائق المتعلقة بالأندلس تاريخا وثقافة وحضارة والتعريف بها ونشرها.

كما لفت الانتباه إلى الانبعاث الذي طرأ على “ذاكرة قصر الحمراء في مختلف حقول الإبداع منذ القرن الثامن عشر، حيث ساهم أديب اسكتلندي، هو هنري سوينبورن، في إحياء ذاكرة قصر الحمراء حين زاره في سبعينيات ذلك القرن، وترك لنا عملا فريدا من نوعه اسمه “رحلة إلى إسبانيا””.

وأبرز أن هذا العمل أثر في المدرسة الرومانسية الأوروبية، خصوصا الفرنسية، عندما ظهر قصر الحمراء في أعمال كبار الرومانسيين أمثال فرانسو رينيه دو شاتوبريان وتيوفيل غوتيي.

وسجل المتحدث حضور قصر الحمراء لدى الأدباء والشعراء العرب.

يكفي التذكير فقط بقصائد ابن زيدون وابن خفاجة ولسان الدين بن الخطيب وكتابات ابن باجة وابن رشد ووصف ابن بطوطة له في رحلته، وإعجابه بجماله وفخامته.

ولدى أحمد شوقي ونزار قباني وغيرهم من الشعراء والأدباء.

كما أن لذاكرة قصر الحمراء امتدادا منذ القرن التاسع عشر في الفنون التشكيلية، حيث ألهم العديد من المبدعين الذين جعلوا هذا القصر موضوع إبداعاتهم الفنية.

تلاقح تاريخي المُحاضر رودريغو رويث خيمينيث كاريرا، المدير العام لقصر الحمراء بغرناطة، أصر على تقديم أمثلة لبعض الأبيات الشعرية الموجودة في أحد أبراج قصر الحمراء باللغة الإسبانية.

وقال إن “قصر الحمراء من العجائب، فهو ليس قصرا واحداً، وإنما مجموعة من القصور، ولا يزال المجال مفتوحا للبحث والتنقيب والاكتشاف في الموضوع لكونه غني”، مضيفا “توجد مجموعة من القصور، مجموعة من الحدائق ومجموعة من الساحات”.

ولفت خيمينيث كاريرا المهتم بالعمارة الإسلامية الانتباه إلى بهو السباع داخل قصر الحمراء، قائلا: “هنا، قصر الحمراء يدفعنا إلى التفكير في هذا الفن المعماري، وأيضا في إعمال الرياضيات في بنائه.

فالأمر لم يتعلق فقط بمجموعة من الحرفيين الذين اشتغلوا في بنائه ووضع أسسه، ولكن هناك مجموعة من العلماء المتخصصين في الهندسة وغيرها، ومن الواضح أنه تم استثمار مجموعة من النظريات التي لم تعرف إلا في القرن العشرين”.

وتابع “يتعين أن نسافر عبر الزمن حتى نتأمل في هذه القوى التي غيرتنا، والتي جعلتنا نعيش تجربة مختلفة في إسبانيا ونتكلم عن منطقة الأندلس في شبه الجزيرة الإيبيرية؛ فهذا السفر سيكشف لنا أن إفريقيا وأوروبا تتعانقان بالتدريج، ونظرا لهذا التماس بين القارتين ظهرت جبال الأطلس في المغرب وسلسلة جبال نيفادا في إسبانيا.

وقد كان الإنسان حاضرا أيضا في هذا التماس منذ مدة طويلة”.

وبعد جرد تاريخي، توقف المحاضر ذاته عند وقائع تاريخية تفيد أن مجموعة “من البشر كانت تعيش في شمال إفريقيا طلب منها أن تشارك في نزاع نشب بين القوط، وهو ما يمكن تشبيهه بالحرب الأهلية”.

وتابع قائلا: “طارق بن زياد انتقل إلى شبه الجزيرة الإيبيرية عبر جبل طارق، وهكذا انتقل الإسلام إلى شبه الجزيرة الجزيرة الإيبيرية عبر المغرب.

هذا يعضد فكرة الالتقاء، ويبين أن المغرب هو قوة تغيرنا دائما وتشكلنا في كل مرحلة مرة أخرى، فنحن نتكلم عن بناء وتشييد مدينة غرناطة”.

تجدر الإشارة إلى أن المحاضرة تم تنظيمها في إطار ورشة علمية مع الطلبة الدكاترة المنتمين إلى مؤسسات جامعية ومعاهد ومدارس عليا، منها: المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء، والمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، والمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية، والجامعة الدولية للرباط (UIR).

وبعد نهاية المحاضرة حول القصر الذي بناه بنو الأحمر، تفاعل خيمينيث كاريرا مع “الفضول المعرفي” الذي سكن الحاضرين في “أجواء أندلسية” بالعاصمة الرباط.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أسابيع | 4 قراءة)
.