فاتح عبد السلام
تلقيت برحابة صدر هجوماً مؤدباً من احد الاصدقاء وهو يتهم الاعلام بنسيان جرائم الفساد والفضائح المتصلة بها في العراق بعد يوم او يومين من انكشافها، وكأنّ شيئا لم يكن .
قلت له هل تظن انّ الاعلام الجهة المناسبة لتتلقى هذا الاتهام أم انها السلطات المعنية بتلك الجرائم؟
قال انَّ السلطات من صالحها ان تطوي الصفحة تلو الأخرى لكي يبدو عهدها مزدهرا وغير ملطخ بوصمات العار التي تنهال على البلد منذ عقدين تعيسين لم نشهد فيهما الحياة النظيفة التي كنّا نحلم بها.
قلت له ألا ترى انّ الفضيحة او جريمة الفساد الجديدة تطوي اختها القديمة التي سبقتها في عالم النسيان، وهكذا يتناقص في المشهد عدد اللصوص والفاسدين والمنحرفين ومستغلي الرُتب العالية والمناصب الحسّاسة.
لكن في الحقيقة انّ هذا النقاش الجدلي الحاد غالباً بين الأصدقاء حول شؤون العراق يفجر أسئلة منطقية لا يستطيع أيّ مراقب ان يتجاوزها بسهولة في النظر الى عدم التناسب بين حجم الفساد الهائل الذي جثم على صدر العراق، وبين العقوبات او لنقل الإجراءات التي تناولته. ولا يزال الحبر طرياً على الورق الذي سطر فيه المُسطرون الكلام الحازم والحارق والخارق بشأن سرقة القرن الأخيرة، وأقول الأخيرة لأنّ السرقات التي سبقتها أكبر ووجدت الصدر الدافيء الكفيل باحتضانها واغماض عينيها بحنان في السنوات السابقة، ومع ذلك لا يعرف الشعب كم عاد الى خزينة الدولة من المليارات المسروقة؟ وكم بقي مع الشخص الذي يستمتع بالمال والحماية معا، ويضحك على الملايين الذين كانوا يظنون ان عهد الفساد بدأت نهايته؟
ماذا لو كانت فقرة مكافحة الفساد تتصدر أي جلسة لمجلس النواب او مجلس الوزراء، والا تكون المسألة مناسباتية حين يحدث فتق هنا أو هناك. أعرف انّ هذا ضرب من الخيال.. السياسي، الذي لن يجد له متنفساً إلا على صفحات الجرائد وفي بطون الكتب.
انها من عجائب الزمن العراقي ان يكون الاتهام موجهاً للجهات التي لاحول لها ولا قوة سوى «الكلمة المنضبطة»، في حين ان المعنيين خارج دائرة السؤال دائماً.
رئيس التحرير- الطبعة الدولية