عن العنف الإسلامي ومسؤولية النص الديني عنه

عن العنف الإسلامي ومسؤولية النص الديني عنه | الجزيرة نت

عن العنف الإسلامي ومسؤولية النص الديني عنه

Protest in Lebanon against coronavirus lockdown
(وكالة الأناضول)

شهد التاريخ الحديث حركات عنف عديدة من اليسار إلى اليمين، ولكن الذي هيمن على المشهد في العقدين الأخيرين -وتحديدًا بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 – هو ما سمي "العنف الإسلامي" الذي تسببت به حركات وتنظيمات إسلامية مقاتلة تستند إلى إرثٍ جهاديّ بدأ التنظير له منذ سبعينيات القرن الماضي.

ويمكن أن تُعزى هذه الهيمنة إلى عوامل عدة، كاستبدال الإسلام بالخطر الشيوعي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وصعود اليمين المتطرف وانتشار "الإسلاموفوبيا" خصوصًا أن وجود خطر وتهديد هو فكرة وظيفية تحتاج إليها الأنظمة السياسية والقوى الكبرى للهيمنة وتمرير بعض السياسات، ولتقويض حركات إسلامية سياسية أخرى تشكل تهديدًا لمصالح بعض الدول، ومن ثم يتم الزج بها في سياق حركات العنف أو يتم تحميلها تبعات هذا العنف.

ولكن عنف الإسلاميين المنتسبين إلى الجهاد لم يكن الوحيد الذي شهدناه في العقدين الأخيرين؛ فقد كان ثمة عنف الولايات المتحدة الأميركية بعد 11 سبتمبر/أيلول، ولكنه وُضع في سياق "رد الفعل"؛ بالرغم من أنه تسبب في حربين على أفغانستان والعراق وخلّف الكثير من الضحايا والدمار.

وقد شهد العقد الأخير عنف وإرهاب الدولة في ظل ثورات الربيع العربي، وأشدّ صوره توحشًا عنف نظام الأسد في سوريا الذي خلّف آثارًا كارثية على البشر والشجر والحجر، كما أننا شهدنا أشكال عنف قومية ودينية كتلك التي وقعت على المسلمين الإيغور في الصين، وعلى الروهينغا في ميانمار من قبل البوذيين، بالإضافة إلى وقائع عنف عديدة في الولايات المتحدة وفرنسا وغيرهما قام بها أفراد من غير المسلمين.

أحد تعريفات الدولة الحديثة بأنها التي تحتكر ممارسة العنف المشروع، والمشروع هنا تعني أمرين: (1) حكم القانون أي شكل ممارسة العنف وهل له مرجعية؟ فالعنف المشروع هو الذي يقوم على معايير قويمة وعادلة

ومع ذلك بقي العنوان العريض للعنف في الأخبار والسياسات الدولية هو "العنف الإسلامي"، كما أن مفهومي الإرهاب والعنف بقيا مفهومين إشكاليين؛ إذ لم يبذل جهدٌ قانوني وسياسي لتعريفهما وضبطهما ليبقى هذا العنف الوحيد الذي يُعرَّف بديانة القائمين به؛ بالرغم من أن جماعات العنف المنتسبة إلى الإسلام منذ السبعينيات، لم تقتل -مجتمعةً- عُشر معشار ما قتله نظام بشار الأسد على سبيل المثال.

وفي تقديري أن العوامل السابقة ليست كافية لتفسير تلك الأهمية الاستثنائية التي تُعطى لما يُسمى "العنف الإسلامي"؛ بالرغم من صحتها جزئيًّا. السمة الأبرز لهذا العنف هي -في رأيي- أنه عنف يأتي من خارج جهاز الدولة، فهو لا يخضع لموازينها ومنفلت من منظومة النظام الدولي، ومن ثم فهو غير قابل للضبط، وليس له مصدر موحد يمكن التفاوض معه على قاعدة الدولة، ولذلك هو من خارج "السيستم". فمشكلة المجتمع الدولي ليست في العنف نفسه من حيث المبدأ، بل في الجهة التي تمارسه.

يعيدنا هذا التفسير إلى أحد تعريفات الدولة الحديثة بأنها هي التي تحتكر ممارسة العنف المشروع، والمشروع هنا تعني أمرين:

(1) شكل ممارسة العنف وهل له مرجعية؟ أي حكم القانون، فالعنف المشروع هو الذي يقوم على معايير قويمة وعادلة.

(2) والجهة التي تمارسه بمعنى أنه عنف صادر عن سلطة شرعية. فالعنف المشروع يعبر عن الإرادة الجماعية التي يتنازل فيها كل فرد عن جزء من حريته للسلطة التي يختارها.

ففكرة احتكار العنف المشروع مبنية على أن أساس العلاقة بين البشر هو التنازع والاحتراب؛ لتعارض مصالح الأفراد، ومن هنا يجب تخويل جهة واحدة ممارسةَ العنف وفق معايير قويمة ولصيانة مصالح الجماعة. ولهذا لا يمكن الفصل بين العنف المشروع وبين مفهوم الدولة وشكلها وشرعيتها وقيامها بوظائفها وواجباتها.

ولكن إذا نقلنا فكرة العنف المشروع إلى كيان الدولة بما هي سلطة حاكمة؛ بغض النظر عن حكم القانون وعن شرعية السلطة التي تمارس العنف، ستتحول الدولة إلى مولِّد لعنف منفلت وعارٍ كالذي نشاهده في أنظمة مثل سوريا ومصر، ويصبح الصراع بين هذه الأنظمة وجماعات العنف إنما هو على شرعية استعمال العنف؛ لأن كلا الطرفين يفتقر إلى الشرعية أصلاً، ولكن المجتمع الدولي ينحاز إلى الأنظمة السياسية؛ لمجرد كونها "سلطات رسمية" معترفًا بها!.

وإذا ما تأملنا الموصوف بأنه "عنف إسلامي" نجد أنه إنما ظهر في ظل هذه الدولة العارية عن صفتي العنف المشروع وهما: الشرعية وحكم القانون، أي إنه من نتاج الدولة القومية نفسها وجزء من مشكلاتها المزمنة في عالمنا، وإنما ينشأ الالتباس هنا من 3 أمور: اقتباس جماعات العنف لنصوص دينية، ومفاهيم فقهية، واستخدامها لغة دينية. وسأفصل في هذه الأمور الثلاثة.

فيما يتعلق بالأمر الأول: وهو اقتباس النصوص الدينية، فإنه لا ينبغي أن يحجب عنا سؤالاً مهمًّا وهو أيهما أسبق في إنتاج العنف: النص أم الواقع؟ وقد سبق للفيلسوف الألماني يورغن هابرماس أن قال بعد أحداث عنف باريس (عام 2015): إن الدين لا مدخل له في ممارسات الأصولية الجهادية بالرغم من أنها تستخدم لغة دينية؛ لأنه يمكن لها أن تستعمل أي لغة دينية أخرى في مواقف مغايرة، فـ "الجهادية صيغة حديثة لرد الفعل على اقتلاع سبل الحياة".

وإذا ما أخذنا مثلاً العمليات الانتحارية فليس هناك نص مرجعي فيها، وإنما هي تقنية استخدمها اليابانيون أثناء الحرب العالمية الثانية فيما عُرف بعمليات الكاميكازي، واستُعملت كذلك من قبل نمور التاميل في سريلانكا وغيرها، وهو ما يحيل إلى أسبقية الواقع على النص. فالعنف لم يخترعه المسلمون؛ إذ قد يوجد العنف ولا يوجد النص، وقد يوجد العنف والنص معًا، ولكن أي عنف يفتقر إلى مسوغات تكسو عريه؟ وهذه المسوغات من الطبيعي أن تنهل من الموروث الثقافي والاجتماعي للقائمين به، سواء كانوا يساريين أم يمينيين، مسلمين أم مسيحيين، وكلنا يذكر أن شعار الحرب الأميركية على العراق وأفغانستان كان محاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية، وكلنا يعلم الحال التي آل إليها البلدان بعد مضي نحو عقدين!. فلو كان النص بذاته مولِّدًا للعنف لكان عليه أن يولّد العنف باستمرار، وهو ما لم يحصل تاريخيًّا، وهو أمرٌ يحيل إلى عوامل أخرى غير النص مسؤولة عن توليد العنف، وتتسم بطبيعة مركبة يدخل فيها السياق والفاعلون وجهاز الدولة التي وصفناها.

وفيما يتعلق بالأمر الثاني: وهو اقتباس جماعات العنف من مدونات الفقه الإسلامي، فلا بد من توضيح أن الفقه الإسلامي مجال تخصصي خصب تتنوع فيه المجالات والاختصاصات: ويمكن أن نميز فيه بين 3 جوانب: قضائي (يرجع إلى السلطة القضائية)، وسلطاني (يرجع إلى السلطة السياسية)، وفردي (وهو الأعم الأغلب). كما يمكن لنا أن نميز فيه أيضًا بين مستويين من الأحكام: الحكم العام (أشبه بالمبدأ أو القاعدة)، والحكم الخاص الذي يتنزل على الوقائع المحددة في زمان محدد ويحتاج إلى اجتهادات متسلسلة من أبناء كل زمان؛ لأن مسؤولية تنزيل المبدأ أو الحكم العام على زمانهم إنما تقع على عاتقهم هم. وبناء على هذا لا يمكن إلقاء اللوم على الفقهاء السابقين مثلاً لأجل فتوى أصدرها مفتٍ معاصرٌ أصاب فيها أم أخطأ، كما أنه لا يمكن أن نحملهم تبعة حكم كتبوه لزمانهم ولم يكن في حينها محل إنكار من أحد أصلاً، ولكنه صار في زماننا محل إشكال نظرًا لتعقيدات وتطورات طرأت بفضل نشأة نظام الدولة القومية.

وقد أوضحت في كتابي "العنف المستباح" كيف أن حركات العنف عامةً خارجة على التقليد الفقهي الذي تَأَزم في الأزمنة الحديثة، فهي حركات تستلهم إرث ما قبل التقليد (إرث الخوارج مثلاً) في استجابتها للأزمنة الحديثة المتمثلة في الدولة، وقد أسس تيار العنف لنفسه أدبيات نظرية وتجربة عملية تراكمت وأصبح لها رموز ومرجعيات وأدبيات خاصة لا تمثل التقليد الفقهي، وإن كانت تقتبس منه بشكل انتقائي وفسيفسائي؛ فالصورة المجموعة أجنبية عن الفقه وإن كانت أجزاؤها أو بعضها مقتبسة منه. وثمة تشابه بين تيار العنف عامة وبين إرث الخوارج، ويمكن أن نلحظه من خلال حرص الطرفين على تشكيل جماعة موازية لجماعة المسلمين، وتمركزهما حول السلطة، وتحويلهما الجهاد من جهاد ضد الخارج إلى جهاد نحو الداخل، ومن خلال كون مشروعهما طلب السلطة لا إقامة الدعوة أو منع فتنة الناس عن دينهم أو نصرة المستضعفين.

أما بخصوص الأمر الثالث: وهو استخدام جماعات العنف للغة الدينية الكثيفة، فيمكن تفسيره بأن استباحة الدماء تفتقر إلى مسوغات ولو شكلية حتى لا تبدو بمظهر حيوانيّ يشبه قانون الغاب، وحتى تجتذب فئات من الناس أيضًا (ردة، زندقة، تآمر، خيانة، …). وبالرغم من وجود اقتباسات تراثية، فإن استعادة جماعات العنف للتراث هنا تأويلية في سياق حداثيّ، فاقتباساتها وشواهدها وتصوراتها نتاج عملية تأويل حديث وإن ادعت أنها وفية للتقليد أو أنها تريد استعادته؛ فالمسؤولية هنا هي مسؤولية المؤول لا منتج النص نفسه؛ لأن المنتج إنما أنتجه لزمنه لا لزمننا، وتنزيله على زمننا يحتاج إلى اجتهاد مستأنَف.

فعلى سبيل المثال، أحد المصادر التي يستخدمها منظرو العنف هو شيخ الإسلام ابن تيمية، حتى إن بعضهم قد اعتبره الأب الروحي للجهاديين. فهل يتحمل ابن تيمية مسؤولية هذا العنف المعاصر؟ كان ابن تيمية شخصية ثورية، فسرُّ جاذبيته عند الجهاديين هو نفسه سر مثلبته عند الأنظمة الاستبدادية ومشايخها، وهو لا يتحمل تَبعة استخدام فتاويه من قبل الجهاديين في العقود الماضية؛ لأننا لو مشينا على هذا المنطق فسيجرنا إلى لوم القرآن الكريم الذي لا يفتأ يُقتَبس من قبل كل التيارات منذ القرن الهجري الأول بمن فيهم الخوارج الذين كانوا يكثرون من الاقتباس من القرآن والحديث.

وقد تم استثمار ابن تيمية من قبل أطراف مختلفة: إصلاحية، وسلفية، وجهادية، وغيرها، الأمر الذي يحيل إلى ثراء النص التيمي من جهة، وإلى المسؤولية التأويلية لمستثمريه من جهة ثانية. وقد بدأ استثماره من قبل الجهاديين أواخر السبعينيات عبر الاستعانة بمختارات من فقهه كأساس للفقه الجهادي على يد تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر. ولكن ابن تيمية يلتزم بمذهب الإمام أحمد في الأعم الأغلب، وله فيه اختيارات، وما اقتُبس عنه إنما يدور حول فتاويه بشأن قتال التتار الذين استولوا على عدد من البلاد ووصلوا إلى دمشق، وثمة تحديدًا فكرتان مركزيتان: فتواه بشأن الحكم بالياسق (سياسات ملكية مأخوذة من ملك التتار جنكيز خان، وهي عبارة عن كتاب مجموع من أحكام اقتبسها من شرائع اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه)، وفتوى شيخ الإسلام بشأن قتال الطائفة الممتنعة، وهما مما احتفى به جماعات العنف. وآفة الفكر الجهادي أنه خرج على قانون الفقه بانتقائيته الشديدة، ورَكّب صورة مُحدثة لم تكن في الفقه، فجمع هنا بين مستويين: الأول: نظري، حيث أَسس فكرة الحاكمية وما نَتَج عنها من تكفير للحكام والأنظمة، ومن أن الاعتقاد واللفظ إذا لم يترجم إلى عمل لا يُعد إيمانًا. والثاني: عمليّ، فلما كفّر هؤلاء الحكامَ والأنظمة، أسقطوا ولايتهم ونَهَضوا بوظائفهم الثابتة لهم -فقهًا- ومنها واجب تغيير "المنكَر" بالقوة، والخروج على الجماعة ومقاتلتها لإعادتها إلى حظيرة الشريعة المهجورة.

إن النقاش هنا حول الاقتباس يجب أن يكون حول 3 مسائل مركزية:

المسألة الأولى: مقاصد المؤلف الأصلي ومنظومته ككل (الصورة المجموعة)، فالإنسان لا يكون إنسانًا باليد أو الرجل فقط؛ لأن كلاً منهما بعضه لا كله.

والمسألة الثانية: منهج الاقتباس، فهناك طريقتان للاقتباس: استشهاد وهو أن يأتي بالنص المقتَبَس شاهدًا له على فكرته المسبقة، واستبصار وهو أن يأتي إلى النص بأسئلة يبحث لها عن جواب أو يحاول فهم مراد قائله؛ لأن فهم مراد المصنف شيء واستعادته في زمن وسياق آخرين شيء آخر.

المسألة الثالثة: الفاصل التاريخي، حيث إن استعادة نص من القرن الثامن الهجري مثلاً، في القرن العشرين أو الحادي والعشرين يجب أن تراعي المسافة التاريخية الفاصلة بين الزمنين، وهذه الاستعادة لا بد أن تنطوي على معرفة مراد المصنف أولا، ثم فهم للواقع المراد التنزيل عليه ثانيًا، ثم تعدية ما يقبل التعدية من النصوص بحيث يتنزل على مراد مؤلفه ثالثًا. وقد تحدث الإمام الشاطبي عن منهجين في التأويل والاستدلال بالنصوص: مناهج أهل الأهواء التي لا تنضبط، وليس لها قانون تمشي عليه، ومناهج الراسخين في العلم التي تخضع لقواعد وقوانين منضبطة أمكن تقعيدها وحصرها.

وبالنظر إلى هذه المسائل المنهجية الثلاث، يمكن الحديث عن منهج تأويلي خاص لجماعات العنف، يتمثل في ما تحدث عنه الإمام الشاطبي تحت "منهج أهل الأهواء والبدع"، ويمكن تحديد 3 ملامح له وهي: طريقة تعاملهم مع النصوص، والتقليد الفقهي، ومناهج التأويل. ففكر جماعات العنف يدور على إعادة اكتشاف الإسلام من جديد أو استعادته على صورته في الزمن الأول، وهي رؤية تتضمن 3 مفاهيم مركزية: النص والتقليد والتاريخ.

فإعادة اكتشاف الإسلام تظهر من خلال تَجَاوزهم للتقليد الإسلاميّ وإرثِه، وإحداثهم قطيعةً مع التجربة والفهم التاريخيين للأمة، والعودة المباشرة إلى النص في لحظته الأولى المُتَخَيَّلة، ومن هنا اختلفت طرائق فهم واستدلال الجهاديين عن طرائق الأئمة السابقين. أما بخصوص استعادة الإسلام، فهي تتمثل في شكل تصورهم للتاريخ، فالتاريخ قد تَوَقّف عند لحظة طاهرة محددة زمنيًّا أصابها الانقطاع أو الانحراف. وفي شكلَي إعادة الاكتشاف والاستعادة يغدو التاريخ هامشيًّا أو مُغَيَّبًا ليندمج في النص أو التجربة الأولى المطلقة المتجاوزة للتاريخ والمعزولة عن سياقاتها.

ومن هنا يغدو مفهومًا إلحاح الجهاديين على صيغة الخلافة واتخاذ الدينار والدرهم وتثبيت رؤية العالم على شكلها القديم (دار الحرب ودار الإسلام)، والذَّبْح وضَرْب الرقاب -بالمعنى الحرفيّ – وأنه هو الحكم الواجب في الكفار، إلى غير ذلك من المفردات والتصرفات وصولاً إلى الزيّ التاريخي نفسه. فالتاريخ -لديهم- لحظة أبدية أو سرمدية خارجة عن الاعتبارات أو الإمكانات البشرية ومتصلة بالتنزيل المطلق عن الزمان والمكان، ولذلك أسس تيار العنف أدبياته ومرجعياته وكتبه الخاصة كما سبق.

إن المأزق الراهن ذو شقين: مأزق في الدولة القومية نفسها كما أشرت قبلُ، ومأزق تأويلي يكمن في استعادة الفقه استعادة لا تاريخية لواقع مفارق للواقع الذي تشكل فيه وله الفقه، فالحركات الجهادية تُقدم مشروعها اليوم في مواجهة العالم بأسره، والجهاديون يطرَحون مشروع الجهاد كخلاص وحيد ونهائي لبناء "الجماعة المسلمة" التي انفصلت عن الشريعة فاندثرت، ويرون السبيل الوحيد لإعادة بنائها هو استعادة "الشريعة" وفق تصورهم هم. فجماعات العنف نتاج اختلال 3 أمور:

(1) الفشل في إنشاء الدولة الحديثة التي تقوم بوظائفها وتقيم العدل بين الناس، وتعبر عن مصالحهم وتصون عليهم دينهم ووحدتهم وحرياتهم وحقوقهم.

(2) نتاج التدخلات الخارجية والأجنبية في شؤون المسلمين وإهانة موروثهم ودينهم، واحتلال أراضيهم وفرض حكام مستبدين عليهم بالقوة لرعاية مصالح الأجنبي.

(3) قلة الكفاءة العلمية وعدم القدرة على استيعاب التراث والواقع، وعدم الأهلية لاستئناف الاجتهاد لزمانهم.

 

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.


الوكالات      |      المصدر: الجزيرة    (منذ: 3 سنوات | 6 قراءة)
.