هل دقت ساعة التطبيع أمام القيادة السورية؟

هل دقت ساعة التطبيع أمام القيادة السورية؟

قبل فترة ليست بالطويلة تساءلت في مقال سابق حمل عنوان "ما الذي يضمره أبو إيفانكا ترامب لسوريا وقيادتها؟"؛ ويبدو أن بعض الأشقاء لم يرق لهم الموضوع عنوانا ومضمونا وسرعان ما أشهروا سيوف الرفض والاستنكار في وجهي، لا سيما وأن النشوة حينها بلغت ذروتها بعد قرار رفع العقوبات الظالمة عن بلادهم.

من السذاجة قطعا التعامل مع "الكرم الأمريكي" بحسن نية، ولدينا مع الولايات المتحدة سجل حافل بالطعنات والغدر والمكائد، منها القريب وحتى البعيد، وها نحن اليوم نقف أمام سيل جارف من التقارير الإعلامية الغربية التي تهلل لقرب انضمام للواء المطبعين الجدد جنبا إلى جنب مع أشقائها "المتحضرين" و"المسالمين" من العرب.

"أبو يفانكا" وزمرته بقيادة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف؛ يصدرون ليل نهار تصريحات يملؤها التفاؤل في الوصول للهدف المنشود؛ بينما على الجانب الآخر ما زال التردد سيد الموقف والاكتفاء بتوجيه "بالونات اختبار" بين الفينة والأخرى؛ لأن هناك قناعة تامة بأن الشعب السوري الأصيل رغم إصرار البعض على تزييف الحقائق وتقديمه في قالب مخادع منسلخ عن مبادئه وقناعاته الراسخة، وهو من بذل الدماء والأرواح لمقاومة العدو الغاصب، لا يمكن البتة أن يتجرد من انتمائه فجأة ويرتمي في أحضان الذئب ويفقد بصره وبصيرته ويراه في هيئة حمل وديع.

ما هي المكاسب التي ستحققها القيادة السورية لشعبها مقابل هذه التنازلات الثقيلة التي لا تقدر بثمن؟ وهل أمامها حقا هامش للمناورة والتفاوض ما دامت "منيّة" (باللهجة المحلية السورية) رفع العقوبات الاقتصادية حاضرة في كل حديث أمريكي؟ حقيقة الشروط السورية: نعيد التأكيد على نقطة التزام الطرف السوري للصمت المطبق لحدود كتابة هذه الأسطر، ورغم أن لا دخان بدون نار، إلا سننظر لما يروج في الإعلام العبري على أنها "شروط رسمية سورية" بمنتهى الريبة والشك، ومن ذلك الحديث مثلا عن طلب اعتراف رسمي بحكومة الرئيس أحمد ، وانسحاب كامل من الأراضي التي احتلها الكيان بعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024، بالإضافة إلى وقف شامل للغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا، وترتيبات أمنية جنوبي البلاد، إلى جانب ضمانات بدعم أمريكي للحكومة السورية.

كما يتم تداول أحاديث متعددة عن "اعتراف دائم بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل".

لكن إذا افترضنا دقة ما سبق، مع العلم أن أغلبه بالفعل مطروح وبقوة في مختلف المنابر، ما هي المكاسب التي ستحققها القيادة السورية لشعبها مقابل هذه التنازلات الثقيلة التي لا تقدر بثمن؟ وهل أمامها حقا هامش للمناورة والتفاوض ما دامت "منيّة" (باللهجة المحلية السورية) رفع العقوبات الاقتصادية حاضرة في كل حديث أمريكي؟ وهل تُركت منافذ وأبواب أخرى أمام الشرع للتنصل والبحث عن خيارات أفضل؟ الكل في خدمة مستقبل "إسرائيل": السعي لإمساك العصا من المنتصف صار غير مجدٍ في خضم التغيرات المتسارعة في المنطقة، ولن تكون حرب الاثني عشر يوما الأخيرة بين إيران والكيان الصهيوني آخرها.

و"أبو إيفانكا" وحاشيته مهتمون جدا بتصدير خطاب وردي وفضفاض مفاده أن سفينة التطبيع تستعد لاستقبال ركاب جدد ومن الطراز الرفيع لفتني هذا التصريح المقزز لوزير خارجية الكيان حين قال: "إذا توفرت فرصة لتوقيع اتفاق أو مع سوريا شرط أن تبقى الجولان معنا سيكون ذلك إيجابيا لمستقبل إسرائيل".

وهذا الكلام يلخص واقع الحال برمته، فالكل مجمع على السعي نحو هدف واحد هو ضمان مستقبل أفضل لهذا الورم الخبيث رغما عن أنف التاريخ وتضحيات السوريين المطالَبين بالانصياع لا أقل ولا أكثر، مقابل حفنة من "الانسحابات التكتيكية" والوهمية، وهي بالأصل حق من الحقوق الأصيلة للشعب السوري؛ فكيف يصنف الانسحاب من الأراضي التي احتلها العدو ويعتبر انتهاكا صارخا للسيادة السورية ولكل المواثيق والأعراف الدولية ونهبا فاضحا أسوة بقطاع الطرق واللصوص؛ على أنها "هدايا" و"كرم حاتم" تستوجب الثناء والشكر؟ وهل من مصلحة القيادة السورية تقديم نفسها في هذه الصورة العاجزة لهذه الدرجة؟ ومتى ستخرج بلهجة واضحة صريحة للحديث في هذا الملف الشائك والحساس؟ ولماذا تترك الباب مفتوحا للتأويلات والتفسيرات المخلفة؟ خيارات ضيقة: المؤكد أن الخيارات ضيقة جدا على الرئيس أحمد الشرع، لكنه كان على علم تام بهذه الخطوات حين قرر ركوب صهوة الخيل الأمريكي منذ الصورة الشهيرة في العاصمة السعودية الرياض، والسعي لإمساك العصا من المنتصف صار غير مجدٍ في خضم التغيرات المتسارعة في المنطقة، ولن تكون حرب الاثني عشر يوما الأخيرة بين إيران والكيان الصهيوني آخرها.

و"أبو إيفانكا" وحاشيته مهتمون جدا بتصدير خطاب وردي وفضفاض مفاده أن سفينة التطبيع تستعد لاستقبال ركاب جدد ومن الطراز الرفيع، أو كما صرح المبعوث الأمريكي ويتكوف بأن إدارة بلده تأمل في "تحقيق تطبيع مع دول لم يكن لأحد أن يتصور انضمامها وستكون هناك إعلانات كبيرة قادمة".

ومن هذا المنطلق لم يعد أمام القيادة السورية مجال للتردد، وقد دقت ساعة الحسم، مع العلم أن "شماعة" القفز من قارب النظام المخلوع لن تنطلي على أحد؛ لأن الكل يعي بأن بشار الأسد المحترف للشعارات المتهالكة والكلام المعلّب لم يتجاوز إطار المتاجرة، أسوة بالعديد من الأنظمة العربية الأخرى التي كانت تقتات على الوتر الحساس لشعوبها المتمثل في مقاومة الكيان الغاصب ونصرة قضية فلسطين، والأيام أثبتت زيف ادعاءاتها وأسقطت ورقة التوت التي سترت عوراتها؛ فهل ستنجو قيادة أحمد الشرع من مطبات أبي إيفانكا ومن معه؟ وهل هناك أوراق متاحة أمامها لاستخدامها للانعتاق، أم أنها حقا مقتنعة بالتوجه صوب "سراب" التطبيع دون مضايقات ولا ضغوط؟

منوعات      |      المصدر: عربي 21    (منذ: 4 ساعة | 1 قراءة)
.