رعب الوجود الإسرائيلي

تعيد المواجهة العسكرية الجارية بين وإيران، فتح السجال الفعلي عن قدرة أي طرف عربي تتهيأ له ظروف وإمكانيات مواجهة ، وهو نقاش بدأ بعد عملية "طوفان الأقصى" ولم يغلق قوسه بعد في العقل الصهيوني، لتحديد المسؤولية والتعافي من صدمة ما حدث، ثم استفحال الغطرسة الإسرائيلية على النحو الذي نشهده، وترغب به القوى الاستعمارية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، من موقع رؤيتها للمشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين باعتباره انعكاسا لهيمنتها، وبأن تبقى لإسرائيل اليد العليا في المنطقة كدولة تمتلك سلاحا نوويا وتفوقا هائلا من التسليح والدعم؛ بكل الأشكال والوسائل التي تحافظ على هذا الدور الذي يمكنها من إخضاع الجميع، والانصياع بشكل مطلق للتطبيع مع هذه الاستعمارية.
والعدوان الإسرائيلي على بأسبابه وذرائعه المختلفة في حد ذاته هدف وغاية؛ لخلق ظروف مناسبة تسمح بتطبيق الأهداف المطلوبة، ونزع وتدمير أي قوة يمكن أن تشكل خطرا أو منافسة لقوة إسرائيل، وتهدد وجودها.
لكن مراقبة الرد الإيراني على العدوان، رغم اختلال معادلة القوة والأهداف لصالح تفوق القوة الجوية والتكنولوجية الإسرائيلية وتوجيه ضربات مؤلمة لإيران، تظهر أن الرد الإيراني الصاروخي، وحجم ما يتركه من آثار مدمرة على الأرض لأول مرة منذ النكبة عام 48، أصابت المجتمع الإسرائيلي بالذهول والصدمة، والتي تعادل صدمة السابع من تشرين الأول/ كتوبر 2023، وتعيد مجددا نقاش معادلة كسر هيبة الغطرسة الصهيونية في المنطقة العربية والإقليم، والذي كان لغزة السبق في إنجازه، ودفع إسرائيل للرد بفاشية مطلقة بارتكاب جرائم إبادة جماعية دون رد وعقاب، وشجعها بالتالي على المضي نحو فتح جبهة مباشرة مع إيران، بعد ربط كل ما يجري في المنطقة بمشروع إيران لـ"الهيمنة" وعلاقتها بحركات "المقاومة"، وسعيها لامتلاك طاقة نووية وذريعة السعي للحصول على سلاح نووي يهدد وجود إسرائيل.
العدوان الإسرائيلي على إيران بأسبابه وذرائعه المختلفة في حد ذاته هدف وغاية؛ لخلق ظروف مناسبة تسمح بتطبيق الأهداف المطلوبة، ونزع وتدمير أي قوة يمكن أن تشكل خطرا أو منافسة لقوة إسرائيل، وتهدد وجودها أول النقاش متعلق بظروف وأسباب الحرب العدوانية الإسرائيلية على إيران، غير المرتبطة بالملف الفلسطيني، بل بالأمن القومي الإيراني وبرنامجها النووي والصاروخي، والتي ترتبط مصلحته البعيدة والقريبة بالدفاع عن مصالح إيران الوطنية والإقليمية، وهو ما تؤكده وقائع المواجهة الحالية التي تظهر مجددا منطق الغطرسة الغربية الأمريكية والنفاق بالقانون الدولي ومعاييره المزدوجة؛ التي تتيح لإسرائيل العدوان والهيمنة ومنحها حق "الدفاع عن نفسها"، مع الاستعداد الغربي الأمريكي للانخراط بهذه الحرب للدفاع عن إسرائيل والتلويح بالمشاركة في ضرب إيران لمنع تقزيم وتآكل صورة إسرائيل.
والتحشيد الحاصل الآن يذكرنا بما سبق حرب الخليج الثانية 2003، وتضخيم مخاطر مشروع العراق في السلاح الكيماوي، وما أعقب عملية طوفان الأقصى 2023.
النقاش الثاني المتعلق بقدرة تهشيم قوة الردع الصهيوني وكسر غطرسته، مرتبط بامتلاك الإرادة التي يتسلح بها شعب فلسطين، فإذا كانت عملية السابع من أكتوبر تركت ندوبا كبيرة في جدار الردع الإسرائيلي التي من الصعب تجاوزها في الذهنية الصهيونية، فإن مشاهد الدمار غير المسبوق في المدن الإسرائيلية بفعل الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي تفتح كوة هائلة عن هشاشة هذا الردع الذي لا يمكنه الصمود إلا بدعم غربي وأمريكي، وستبقى عملية تحطيم هذا الردع عند أجيال عربية تعزز إمكانية هزيمة المشروع الصهيوني، وعند المجتمع الإسرائيلي ومستعمريه عامل قلق وجودي مرعب.
رغم كل النقاط السلبية للسياسة الإيرانية في ملفات عربية متشعبة، إلا أنها قدمت درسا بالغ الأهمية يضاف لتراكم الدروس الفلسطينية المتعلقة بالقدرة والإرادة للمقاومة وللدفاع عن الأرض، وعن المصالح والأمن القومي العربي، فالبعد الاستراتيجي للمواجهة العسكرية بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران، يعني إسكات وتدمير القوة الإيرانية في الإقليم كمصلحة مشتركة بين العرب وإسرائيل، بحسب التقديرات التي انتهت إليها مجموعة من سياسات عربية بهذا الخصوص منذ أكثر من عقدين، وأفضت على ما يبدو لانتهاج مبدأ قبول القضاء على المقاومة الفلسطينية وربطها بإيران، والقبول بالإبادة الجماعية في غزة، وعزل ما يجري عن طبيعة المشروع الصهيوني وأطماعه وسلوكه.
كل ذلك يطرح مسألة جوهرية تتعلق بالأمن العربي الذي تُرسى قواعده وفق المصلحة الإسرائيلية تسليح وبناء قدرة ذاتية.
لا يصح ولا يعقل أن تكون المواقف والسياسات العربية بنفس مستوى الغياب وعدم التأثير في لجم العدوان عن غزة، وفي موقع المتفرج على فاشية صهيونية من غزة إلى طهران، إلا إذا كان الاستقرار المرجو في المنطقة هو سلامة النظام العربي والمحتل ومن هنا، بوسعنا القول بناء على حقائق ملموسة مرتبطة بعناصر المواجهة بين إيران وإسرائيل، والتي ستبدل الكثير في أسطورة الردع الإسرائيلي، أن استعادة الثقة العربية بالذات وبكيفية استخدام كفاءاتها الأمنية والاقتصادية والبشرية، وفتح آفاق واسعة من الحريات والتنمية البشرية، ستكون الدرع الحامي من الهيمنة والغطرسة والعدوان الإسرائيلي، ولأن تحولات كبرى تنتظر العرب وقضيتهم المركزية بعد هذه المواجهة، فلا يصح ولا يعقل أن تكون المواقف والسياسات العربية بنفس مستوى الغياب وعدم التأثير في لجم العدوان عن غزة، وفي موقع المتفرج على فاشية صهيونية من غزة إلى طهران، إلا إذا كان الاستقرار المرجو في المنطقة هو سلامة النظام العربي والمحتل، وهذه فرضية خلخلت المشروع الصهيوني ومعه الوهم بأبد الاستقرار الذي تنسفه بديهيات التاريخ، وهو ما يتطلب المراجعة والتدقيق لسياسة الخضوع والإذلال التي يأمل قادة المشروع الصهيوني تنفيذها على المنطقة العربية.
.
أخيرا، صحيح أن شن العدوان الإسرائيلي على إيران يحمل ذرائع ضرب البرنامج النووي، لكنه بالتوازي يوجه رسالة لكل دول المنطقة العربية عن قدرة الفاشية الإسرائيلية وسيطرتها على أجواء كل المنطقة، وهنا السؤال: من بمقدوره التعايش مع هذه الفاشية تحت يافطة التطبيع والسلام حتى بمنطق المنفعة والربح؟ فلا شيء متجانس مع عقلية وسلوك استعماري مولع بفائض قوة ومتسلح بمفهوم إمبريالي، ومسكون برعب وقلق الوجود الهش والمطعن بأكاذيب وسرديات توراتية وتلمودية.
وتلك اعتبارات كافية لفضح مفهوم التضليل والذرائع الاستعمارية المتبعة لدعم وتقوية سهام الغطرسة، وقد تكسرت نصالها من غزة إلى بات يام وريشون ليتسيون، وستبقى تؤرق العقل الصهيوني وتهدد وجوده؛ ليس فقط بالمواجهة العسكرية معه، بل أيضا بالوجود الفلسطيني فوق أرضه مع كل شواهده التاريخية.