أفق واعد لصناعة البتروكيماويات السعودية - د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب

تتجه الصناعات البتروكيماوية السعودية نحو تكييف الاستدامة لتحسين القدرة التنافسية خصوصاً أن هذه الصناعة تطورت بشكل ملحوظ وحولت التحديات إلى فرص، مع الدور الذي تقوم به في الأمن الغذائي والرعاية الصحية وغيرها، وتمكنت هذه الصناعة من التعامل مع المتغيرات المتعلقة بالطلب والعرض وسلاسل التوريد، وبشكل خاص فيما يتعلق بتحول الطاقة وأمن الطاقة والحروب الاقتصادية وتأثير الحالة العالمية من عدم اليقين على صناعة البتروكيماويات، لكنها ستركز على التعامل الاستراتيجي مع المخاطر في عالم متغير، وتركز على تحقيق ثلاثية النمو والكفاءة والاستدامة.

تعد البتروكيماويات عنصراً أساسياً لعدد لا يحصى من السلع الاستهلاكية، ويرتبط الطلب على البتروكيماويات ارتباطاً وثيقاً بالطلب الكلي للمستهلكين وإنفاقهم، فالمتوقع أن تشهد القدرة العالمية لإنتاج البتروكيماويات نمواً كبيراً بحلول 2030، ومن المتوقع أن يتجاوز حجم السوق العالمي 800 مليار دولار بحلول 2028 مرتفعاً من 584 مليار دولار في عام 2022 أي بنمو أكثر من 5,4 في المائة سنوياً، ومن 700 مليار دولار عام 2025، ومن المتوقع أن يصل حجم الإنتاج العالمي إلى حوالي 1193 مليار دولار عام 2034، حيث بلغ حجم سوق آسيا والمحيط الهادئ بنحو 349,39 مليار دولار في 2024، من إجمالي عالمي 659,22 مليار دولار.

ومن المحتمل أن ترتفع الحاجة للبتروكيماويات في آسيا من 2129 مليون طن سنوياً في 2019 إلى 3029 مليون طن سنوياً في 2030، بينما بلغ الإنتاج العالمي في 2023 نحو 2600 طن، ما يعني أن الطلب في آسيا يسجل نمواً كبيرا، ووفق تقارير ذكرت أن كهربة وسائل النقل والصناعة والتدفئة السكنية ستجعل قطاع البتروكيماويات المستهلك الرئيس للنفط الخام بحلول 2050 حيث سيستحوذ على 55 في المائة من الطلب على الوقود التقليدي.

فاستخدام النفط الخام كمادة وسيطة لقطاع البتروكيمياويات سينمو في ظل جميع السيناريوهات المحتملة، وستأتي الارتفاعات من زيادات كبيرة في استهلاك الخام في صناعة البتروكيماويات في الشرق الأوسط والصين والهند، بسبب أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ تسهم بأكثر من 50 في المائة من إيرادات سوق البتروكيماويات العالمية بعدما شكلت 50,3 في المائة من الإنتاج العالمي عام 2021 مقارنة بـ 33 في المائة عام 2015، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه، ومن المتوقع أن تتمتع الهند بإمكانات هائلة لنمو الطلب ومن المرجح أن يتضاعف ثلاث مرات بحلول 2040.

يعتمد إنتاج البتروكيماويات على نوعين من اللقيم وهما النافثا والمشتقات الأخرى التي يتم إنتاجها من النفط، والنوع الثاني هو الغاز الطبيعي المسال الذي يضم الميثان والبروبان والبوتان، ويعد الغاز هو المصدر الرئيسي لإنتاج فرع واحد من البتروكيماويات وهو الأوليفينات، وجل إنتاج السعودية يعتمد على الغاز، ويشمل الميثان، بالإضافة إلى الإيثان والبروبان والبوتان، يتم استخدام هذه المواد كمواد خام في عملية التكسر الحراري لإنتاج الإيثلين، وهو مادة أساسية في صناعة البتروكيماويات.

من أجل الحفاظ على مكانة قوية في المشهد الحالي لصناعة البتروكيماويات تنمية أسواق جديدة من خلال ابتكار نموذج جديد للأعمال يعتمد على إعادة هيكلة منتجاتها للتحول إلى مجالات ذات نمو مرتفع وصناعات استخدام نهائي أكثر ربحية مثل السيارات والإلكترونيات التي تستهلك إلى حد كبير المواد الكيميائية المتخصصة، حيث تنتج السعودية نحو 118 مليون طن في 2023 وأكثر من 85 في المائة يصدر إلى الخارج.

يمكن رفع صادرات دول الخليج التي بلغت في 2019 نحو 85 مليار دولار، مضاعفتها عبر التوجه نحو الإنتاج النهائي لتقوية قاعدة الصناعات التحويلية محلياً عبر تكامل سلاسل إمدادات الصناعات التحويلية لتعزيز المحتوى المحلي الذي يقود لتحقيق التنوع الاقتصادي، والمضي قدماً لتحقيق هدف الرؤية 2030 تريليون ريال إيرادات غير نفطية مرتفعة من 502,5 مليار ريال في 2024 من إجمالي إيرادات 1259 مليار ريال، ارتفعت نحو 10 في المائة عن عام 2023 البالغة 457,7 مليار ريال، مرتفعة من 185,7 مليار ريال عام 2016 بمتوسط نمو سنوي خلال فترة 2016 - 2024 نحو 12,4 في المائة، مرتفعة من 71 مليار ريال عام 2010، ولم تتجاوز 43 مليار ريال عام 2000 تمثل نسبة 17 في المائة من إجمالي الإيرادات.

لذلك يمكن تحول منطقة الخليج إلى مركز حيوي في صناعة الإيثلين نظراً لقدرتها على توفير المواد الخام والمنافسة العالمية، ويعزى توسع سوق البتروكيماويات إلى ارتفاع الطلب على المنتجات النهائية من مختلف قطاعات الاستخدام النهائي، بما في ذلك قطاعات البناء والأدوية والسيارات، وهذا سبب زيادة الطلب على هذه المنتجات، فيما نسبة إنتاج الكيماويات ذات القيمة المضافة في دول مجلس التعاون الخليجي لا تمثل سوى 5,4 في المائة ونحو 6,4 في المائة الوسيطة، إذا أرادت الصناعات الكيماوية الخليجية الانتعاش إقليمياً والمنافسة دولياً عليها أن تتجه نحو المنتجات النهائية، فمثلاً في عام 2023 لعبت الصناعات البتروكيماوية دوراً مهماً في اقتصاد دول الخليج، حيث بلغت صادرات السعودية من منتجات الصناعات الكيماوية 6,27 مليار ريال في شهر سبتمبر 2023 مع انخفاض بنسبة 36 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من عام 2022، فيما بلغت واردات السعودية من هذه المنتجات 5,24 مليار ريال، بانخفاض فقط 6 في المائة، ما يعني أن السعودية بحاجة إلى التوجه نحو تصنيع ما تستورده باعتبار أنها رائدة في تلك الصناعة، بجانب التوسع في الصناعات النهائية.

تساهم هذه الصناعة في تعزيز استراتيجية تكامل صناعة البتروكيماويات التي ترتبط بتوفير فرص عمل محدودة في الصناعات البتروكيماوية الأساسية، حتى لا يتأثر سوق البتروكيمياويات بتقلبات أسعار النفط الخام، وكذلك بتقلبات سوق الطلب على المنتجات البتروكيماوية، والتوترات التجارية المتزايدة، واضطرابات سلسلة التوريد، بل وأي تحولات داخل هذه الصناعات تؤثر بشكل مباشر على سوق البتروكيماويات، مما يتطلب التقييم المستمر لديناميكيات الصناعة المتغيرة المرتبطة بتقلب الطلب.

** ** - أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقاً

السعودية      |      المصدر: الجزيرة السعودية    (منذ: 7 ساعة | 2 قراءة)
.