الوطن عند نائب من مصر

الوطن عند نائب من مصر

لا شك أن قهر الاستبداد والظلم بالكذب والتلفيق يُخرج الإنسان من دينه فيكفر به أحيانا، أو يخرجه من وطنه فيصبح مغتربا يعاني.

لكن هل يمكن أن نتخلى عن ليصبح مثلا "بلد المنشأ"، أي كأننا سلعة يتم تداولها بين البلدان؟ أنا أحب مصر وأحب لشعبها الخير، وهكذا كان سعينا وبذْلنا طوال أكثر من خمسين عاما، لذا عندما نجد ما يشين مصر نحزن كما هو الحال فيما يحدث منذ الانقلاب العسكري في حكم مصر.

وإذا أردنا أن نناقش هل حب الوطن فكرة علمانية أو ليبرالية نتبرأ منها؟ الإجابة لا، بل هو من صميم عقيدتنا وثقافتنا وأصولنا الإسلامية، كيف؟ هذا البحث لتأكيد ذلك.

حب النبي صلى الله عليه وسلم لوطنه مكة: • عند خروجه من مكة: عندما أخبره ورقة بن نوفل بأن قومه سيخرجونه، استغرب النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: "أَوَ مُخْرِجِيّ هم؟!"، وهذا يدل على شدة تعلقه بمكة واستبعاده فكرة الخروج منها.

• لحظة : عند مشارف مكة، وقف النبي صلى الله عليه وسلم يودعها بكلمات تكشف عن حبه العميق وتعلقه الكبير بها، قائلا: "والله إني أعلم أنك خير أرض الله وأحبها إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجتُ"، وفي رواية أخرى: "ما أطيبَك من بلدٍ! وما أحبَّك إليَّ! ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنْتُ غيرك".

هذه الأقوال دليل واضح على حبه الشديد لمكة وحزنه لمفارقتها.

• قول الذهبي: ذكر الذهبي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب وطنه، ويكره الخروج منه، ولم يخرج إلا بعد أن لاقى من أهله المشركين أصناف العذاب والأذى.

حب الصحابة رضوان الله عليهم لأوطانهم: • كانت الهجرة من مكة إلى المدينة أمرا صعبا وشاقا على الصحابة أيضا، رغم ما أصابهم فيها من بلاء وعذاب، لأنها وطنهم الذي ولدوا وتربوا فيه وعاشوا على أرضه.

• شعر أبي بكر وعامر بن فهيرة: عندما أصابتهم الحمى في المدينة، عبروا عن حنينهم لمكة من خلال أبيات شعرية، مما يدل على استمرار حبهم لوطنهم الأصلي رغم الهجرة.

فليس الأمر بدعا، بل حماية الوطن والدفاع عنه والموت في سبيل ذلك هي شهادة دفاعا عن العرض والمال وأرض الإسلام.

وعن حب الوطن في القرآن الكريم نقول: • مفهوم الوطن في القرآن: لم يرد لفظ "الوطن" صراحة في القرآن الكريم، ولكن وردت آيات تشير إلى هذا المعنى باستخدام لفظ "الديار" (المساكن/البيوت).

• حب الوطن فطري: القرآن الكريم يقرن حب الوطن بمحبة النفس والدين، مما يدل على أن حب الوطن أمر متأصل في النفوس وعزيز عليها.

• دعاء إبراهيم عليه السلام لوطنه: ◦ قال تعالى: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدا آمِنا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" (البقرة: 126).

◦ وقال تعالى: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ" (إبراهيم: 35).

هذه الآيات تدل على حب إبراهيم عليه السلام لوطنه (مكة) ودعائه له بالأمن والرزق، والدعاء علامة من علامات الحب.

• الخروج من الديار كقتل النفس: ◦ قال تعالى: "وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أو اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ" (النساء: 66).

هذه الآية تبين أن الخروج من الديار أمر عظيم وشاق على النفوس، ويكاد يعادل قتل النفس، مما يؤكد مكانة الوطن وحبه في الإسلام.

• البر والعدل لمن لم يخرج من الوطن: ◦ قال تعالى: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" (الممتحنة: 8).

هذه الآية تربط بين الدين وحب الوطن، وتأمر بالبر والعدل لمن لم يقاتل المسلمين ولم يخرجهم من ديارهم، مما يدل على أهمية الوطن في المنظور الإسلامي.

• وعد الله برد النبي صلى الله عليه وسلم إلى وطنه: ◦ قال تعالى: "إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ" (القصص: 85).

◦ فسر ابن عباس رضي الله عنهما "إلى معاد" بأنها "إلى مكة".

هذه الآية نزلت عندما اشتاق النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة بعد هجرته، وهي وعد من الله برد النبي إلى وطنه، مما يدل على مكانة الوطن وحبه.

ولكن علينا أن ننتبه، يجب ألا يتقدم حب الوطن على محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وجهاد في سبيله، ولا ننسي هنا هذا الحديث الواضح والصريح، عندما دعي النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة: ◦ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أو أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا" (رواه البخاري ومسلم).

◦ هذا الدعاء يبين حب النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة المنورة، وطلبه من الله أن يجعل حبه لها كحبه لمكة أو أشد، وهذا يدل على أن حب الأوطان من الأمور الفطرية التي أقرها الإسلام.

باختصار، حب الوطن لا علاقة له بمن يحكم ويسيطر، إن حب الوطن أمر فطري أقره الإسلام، وتجلت مظاهره في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام.

هذا الحب لا يتعارض مع حب الدين، بل إن المسلم يحب وطنه ويسعى لخيره وصلاحه ما دام ذلك لا يتعارض مع تعاليم دينه.

وعند التعارض، فإن حب الله ورسوله ودينه مقدم على كل شيء.

منوعات      |      المصدر: عربي 21    (منذ: 13 ساعة | 1 قراءة)
.