سعيد الحسن لـ"عربي21": ضرب إيران جزء من مشروع غربي لإعادة هندسة المنطقة

سعيد الحسن لـ"عربي21": ضرب إيران جزء من مشروع غربي لإعادة هندسة المنطقة

يرى الأكاديمي ورئيس مؤتمر نصرة القدس، سعيد خالد الحسن، أنّ: " جزء من مخطط غربي، لإعادة ترتيب المنطقة كساحة للمواجهة مع الصين، مع تجاهل المصالح العربية".

  وحذّر الحسن، في حواره مع "عربي21" من: تداعيات ذلك على الأمن الإقليمي، فيما أشار إلى أنّ: " قد تلجأ للمناورة السياسية مع الحفاظ على موقفها الرافض للشروط الأمريكية".

  إلى ذلك، نبّه المفكر السياسي الفلسطيني ورئيس مركز خالد الحسن للدراسات والأبحاث إلى ما وصفه بـ"خطر تحوّل المنطقة إلى ساحة حرب"، داعيا العرب، إلى: مراجعة تحالفاتهم.

تاليا نص الحوار:  كيف تقرأ الضربة الإسرائيلية الأخيرة في سياق التصعيد الإقليمي الحالي؟  من الواضح أنّ المعسكر الأمريكي، مع التواطئ الغربي (لو أنه غير واضح عموما) يعمل على إعادة ترتيب منطقة الإقليم العربي، أو الشرق الأوسطي إذا ضممنا على الأقل إيران، لتكون ميدان للمعركة القادمة مع الصين، وذلك وفقا للمصالح الغربية، وبحسب الأولويات الاستراتيجية التي تتطلّع إليها الولايات المتحدة لتضمن أن تكون القطب الأوحد، ولا تسمح للصين بتجاوزها في المستقبل المنظور.

لا يُنظر بأي اعتبار للمصالح العربية في هذا الأمر، تعلّق الأمر بقضية فلسطين، أو أيضا باختلال التوازن الاستراتيجي ما بين الكيان الصهيوني وما بين المنطقة، بما فيه السلاح النووي.

نحن نعرف أن الكيان مسلّح بترسانة نووية عاتية، والمنطقة لا تستطيع حراكا، لمواجهته.

  هذا شيئ مبدئي، وإذا نجحوا فيه فإنّهم سيتطلّعون للمضي فيه، بشكل أبعد، واضعين في اعتبارهم أي قوة إسلامية بما فيها مثلا باكستان ولاحقا تركيا؛ يمكن أن تقف حجرة عثرة أمام هذه الأطماع الاستعمارية، التي تتعلّق بالهيمنة على مستوى العالم.

‏‎‎‏ ما هي تداعيات هذا التصعيد على الملف النووي الإيراني؟ هل في رأيكم سنشهد انهيارًا للاتفاقيات القديمة أم بناء لمفاوضات جديدة؟ الإيرانيين بارعين جدا في المناورة والمداورة، إذا عادوا إلى المفاوضات أظن أنّ هذه ستكون خطوة تكتيكية، لأنّ التسليم بالشروط الأمريكية في رأيي معناه: هزيمة للنظام ومقدّمة لانهياره، ولا أتصوّر حتّى على مستوى الشعب في إيران، أن يقبلوا بمثل هذا الموقف.

في تصوّري، بغض النظر عن أي تحفّظات تجاه النظام في إيران، فإنّه في هذه القضية التي تمسّ الكرامة الوطنية، الإيرانيين بشكل عام، سيكونوا متراصّين خلف قيادتهم في مواجهة هذه الاعتداءات، التي لا تبرّرها إلّا نزعات الهيمنة والسيطرة المغلّفة أيضا، والتي يُشعلها الأطماع الاستعمارية.

للأسف الشديد، نحن في هذه المرحلة، عدنا مرّة أخرى إلى حالة استعمارية تصوّرنا أنّها قد انتهت بعد الحرب العالمية الثانية، عدنا إلى أشكال كثيرة من الاستعمار المباشر، فأصبحت الساحة العربية مجالا لحروب الآخرين، وهذا كلّه نتيجة لعدم الالتزام بقواعد الأمن الجماعي، وقواعد الأمن الجماعي للمنطقة ككل.

وهذا كان قد بدأ منذ غزو الكويت من النظام العراقي في ذلك الوقت، إذ كان المسمار الذي ضرب التضامن العربي في مقتل، وكانت المواقف العربية للأسف (بعضها لم ينجر) ساحة للحرب الثانية على العراق في عام 2003، وتداعياتها ما أنهى النظام في سوريا.

الآن، مفارقة إيران في ذلك الوقت (التواطئ ضمنيا على ضرب العراق).

عواقبه الآن، هي: إيران الآن باتت في مرمى الاعتداءات والهيمنة الغربية بقيادة واشنطن، وما لم تتنبّه المنطقة إلى هذا، سواء على صعيد الإقليم العربي على شكل خاص، وتلتزم به وفقا لمفهوم محدّد للأمن القومي العربي الذي لا يقبل فيه بالتدخل من الخارج، بأي شكل من الأشكال، أو أن تكون الساحة العربية ميدانا لحروب الآخرين.

.

   اظهار أخبار متعلقة هل يمكن أن تدفع هذه الأحداث دولاً عربية إلى مراجعة تحالفاتها الأمنية مع واشنطن أو دولة الإسرائيلي؟ الموقف الذي تقوده الرياض ومعها الرباط والقاهرة، على الرغم ممّا يبدو من تحالفات وتعاون بين الأقطاع العربية وواشنطن التي بدأت تُحارب هذه الدعوة في العلن، عندما اقترب موعد انعقاد مؤتمر حل الدوليتين في نيويورك، الذي لا تفصلنا عليه إلّا أيام قليلة.

لا ننسى أيضا اللقاء الذي جمع بين الوزير الخارجية المصري، مع نظيره الإيراني، مؤخّرا، والذي عبّر عن ضرورة نزع السلاح النووي فيما يتّصل بالكيان الصهيوني.

هذه كلّها إشارات يجب أن تنموا أكثر لتكون في مستوى التحدّيات القائمة، التي تريد أن ترهن المصالح العربية، للمصالح الاستعمارية لواشنطن وحلفاءها، وطبعا أدواتها بما فيه الكيان الصهيوني، بغض النظر عن أي مصالح تتعلّق بهذه المنطقة.

  في تصورّي إذا ما نجح العدوان الأخير على إيران في تحقيق أهدافه، سيكون الإقليم العربي ساحة مُستباحة لمثل هذه الأطماع، بشكل أكثر ممّا جرى من قبل.

هل تشكل هذه الضربة انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة؟ وكيف يمكن أن تتعامل محكمة العدل الدولية مع الأمر لو قدمت إيران شكوى؟ حتّى إذا قدّمت شكوى، فإنّ محكمة العدل الدولية يمكن أن ترفع الأمر إلى مجلس الأمن، لكن في نهاية الأمر، إنّ الفيتو الأمريكي يمكن أن يُجهض هذا كلّه.

لا نستطيع أن نتحدّث عن القانون الدولي كحلّ لهذا الأمر، حيث إنّه يعطي مشروعية للسياسات المعادية للعدوان وللهيمنة، لكن هذه الشرعية كما نعرف، إن لم يكن وراءها إرادة مُستعدة للتضحية وللمُواجهة، وتعرف كيف تستفيد من أوراقها، ومتى وكيف وأين تخوض معاركها، فإنّه في النهاية لن يُجدي فتيلا.

ما يشحذ الهمم بالنسبة لنا كعرب ومسلمين، هو أنّه "من يُناضل من أجل الحق لا بد أن يأتيه نصر الله في نهاية المطاف"، وإنّ التاريخ المعاصر بشكل خاص كلّه يؤكّد هذا، سواء تعلّق الأمر في الفيتنام أو أفغانستان أو استقلال مصر والمغرب.

.

بما فيه حتّى نجاح الألمان في استعادة وحدتهم؛ كل هذه الأمور تؤكّد أنّه عندما تكون هناك الإرادة لتقديم الاستحقاقات في العدالة والانتصار، فإنّ الانتصار سيكون قادم.

أنا على قناعة أنّ أمتنا العربية والإسلامية، تملك مثل هذه الإرادة، لكن التأخّر في التداعي لتفعيل هذه الإرادة بالشكل الصحيح، يجعل التضحيات أكثر وأكثر، ولو كنّا تنبّهنا لهذا قبلا، وللأسف حدثت 1967؛ وعندما جاء انتصار 1973 على الكيان الصهيوني، وأجهض، ولم يُؤثي ثماره المرجوة كما يجب.

أيضا، جاءت اتّفاقية "أوسلو"، التي في تصوّري كانت غير وفيّة لتضحيات شعبنا العربي في فلسطين، في الانتفاضة؛ فجاءت الاتفاقية التي جعلتنا الآن نصل إلى ما وصلنا إليه، وتجعل شعبنا نهبا مستباحا للصهيونية والإجرام.

  ‏‎‎‏ ما هي السيناريوهات المحتملة للتصعيد بعد هذه الضربة؟ هل نخشى حربا إقليمية شاملة، أم أن الطرفين سيعودان إلى "حرب الظلال"؟ هذا يعتمد على مدى الضرر الذي أُلحق بالترسانة والبنية العسكرية الإيرانية، مثلا في عام 1967 ضرب السلاح الجوي بأكمله وتم تصفية غالبية العتاد العربي في مصر، لكن مع هذا بدأ الردّ، فتمّ تدمير المدمّرة "إيلات" في عرض البحر، وتمّت عمليات مهمّة، وهذا استمر إلى حرب الاستنزاف التي كان فيها شعبنا العربي في مصر يبني الجيش، في معركة التحرير، ولم تقف حرب الاستنزاف إلّا عندما استطاع شعبنا في مصر أن يقيم ساتر الصواريخ الذي مكّن الجيش العربي المصري من اقتحام قناة السويس وعبورها وهي بمنأى عن قدرة الطيران المصري من المواجهة.

أتصوّر، أنّ هذا سيتكرّر بالنسبة إلى إيران بشكل أو بآخر، قد يكون هناك نوع من الكمون، لكن لا أتصوّر أن تنكسر إرادة الشعوب طالما هناك قدرة على المواجهة، هكذا بكل بساطة.

وإيران ليست لوحدها لأنّ الأطراف المناوئة لواشنطن تعرف أنّ ضرب إيران هو خطوة على طريق المواجهة المرتقبة خلال بعض سنوات، بين بكين وواشنطن.

  إذن، أتصور أن السيناريوهات، هي المواجهة المستمرّة، وأظن أنّ الولايات المتّحدة قد أقحمت نفسها الآن في مواجهة ستكون طويلة ومريرة، مع ثقتي أنّ النتائج ستكون لصالح الشعوب ضد مطامع استعمارية؛ لكن هذا يعني أيضا، أننا في منطقتنا سنكون ساحة لحرب صعبة.

ولا ننسى أنّ مشرقنا العربي كله الآن، بمحاذاة إيران، مثلا الكويت تبعد بحوالي 50 كلم بحري عن المنشآت النويية التي قد تكون تعرّضت للضرب، أو ستتعرّض للضرب، وهذا يعني أنه خلال ساعات، إذا كانت هناك إشعاعات، ستصل إلى مياه الخليج، ونحن نعرف أنّ الخليج يعتمد في مورد الماء على تحلية مياه البحر، ما يعني أنّنا نحن أيضا نواجه مخاطر جسيمة في المنطقة.

اظهار أخبار متعلقة في الختام، إذا ما تحدّثنا من الناحية العسكرية البحثة، إنّ حزب الله لن يستطيع أن يغيّر شيء في الموازين، غير أنّه أبعد مئات الألوف من الصهاينة عن بيوتهم بالممناطق المتاخمة لحدوده الشمالية؛ لكن هذا يظهر لنا كيف أنّ التوقيت في مواجهة المعارك له بالغ الأهمية.

ما حصل في السابع من أكتوبر بغض النظر كنّا معه أو ضدّه كان سيُجنّب لبنان وسيُجنّب إيران والمنطقة ما جرى الآن من إذلال في المنطقة، وفي مقدّراتها، لو تمّ بشكل آخر، بتنسيق، ولو تمّ ممارسته في الوقت المناسب، لتكون المعركة بداخل الكيان الصهيوني، وليس كما جرت الآن.

إيران الآن، أيضا، تدفع ثمن طوباويتها في أنها تستطيع أن تكون بعيدة عمّا يجري، فتركت حلفائها بالمنطقة، في هذه المواجهة، لحفظ ماء الوجه، لكن في حقيقة الأمر إنّ هذا الموقف غير الواضح وغير الحاسم، قاد للواقع الحالي الملموس في المنطقة.

إذن: دائما الحسم والوضوح وبناء التحالفات بشكل صحيح هو أمر ضروري ولا غنى عنه لتحقيق الانتصار.

منوعات      |      المصدر: عربي 21    (منذ: 8 ساعة | 1 قراءة)
.