الشركات متعددة الجنسيات.. محرك العلاقات الدولية ودور السعودية - ثامر بن سعران السبيعي

تُشكل الشركات متعددة الجنسيات (Multinational Corporations - MNCs) ركيزة أساسية في العلاقات الدولية، إلى جانب الدول، المنظمات الدولية، والجهات غير الحكومية، حيث تتجاوز أدوارها الحدود الاقتصادية لتصبح لاعبًا محوريًا في صياغة السياسات الدولية.

في السياق السعودي، تبرز شركات مثل أرامكو السعودية، سابك، ومعادن كنماذج رائدة، تدعم رؤية 2030 وتعزز النفوذ السياسي والاقتصادي للمملكة على الساحة العالمية.

تستعرض هذه المقالة كيفية تأثير الشركات متعددة الجنسيات في العلاقات الدولية، أسباب نفوذها السياسي، ودور الشركات السعودية في هذا الإطار.

الشركات متعددة الجنسيات: قوة اقتصادية وسياسية تمتلك الشركات متعددة الجنسيات موارد مالية وتكنولوجية تفوق في كثير من الأحيان ميزانيات دول متوسطة الحجم.

على سبيل المثال، بلغت إيرادات أرامكو السعودية في 2023 حوالي 494 مليار دولار، متجاوزة الناتج المحلي الإجمالي لدول مثل الأرجنتين.

هذا الحجم الاقتصادي يمنحها القدرة على التأثير على الأسواق العالمية، من خلال الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تشكل حوالي 40% من التجارة العالمية، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.

سياسيًا، تمارس هذه الشركات نفوذًا من خلال التفاوض مع الحكومات لتأمين امتيازات ضريبية أو تشريعات مواتية.

على سبيل المثال، تفاوضت شركات التكنولوجيا الأمريكية مثل أبل مع دول أوروبية لتخفيف العبء الضريبي، مما أثار جدلاً حول السيادة الوطنية.

كما تلعب الشركات متعددة الجنسيات دورًا في الدبلوماسية الاقتصادية، حيث تعمل كسفراء غير رسميين لدولها الأم.

في هذا السياق، تعزز أرامكو مصالح السعودية في أسواق الطاقة، مما يدعم استقرار العلاقات مع دول مثل الصين والولايات المتحدة.

أسباب النفوذ السياسي -1 الموارد والشبكات العالمية: تمتلك الشركات متعددة الجنسيات شبكات واسعة من العلاقات مع الحكومات والموردين، مما يتيح لها التأثير على السياسات الدولية.

على سبيل المثال، تستثمر سابك في أكثر من 50 دولة، مما يمنحها تأثيرًا على الاقتصادات المحلية من خلال خلق الوظائف ونقل التكنولوجيا.

-2 التكنولوجيا والابتكار: تسيطر هذه الشركات على تقنيات استراتيجية، مثل تلك المستخدمة في الطاقة النظيفة أو الأمن السيبراني.

على سبيل المثال، استثمارات أرامكو في تقنيات الطاقة المتجددة تعزز مكانة السعودية في التحول العالمي نحو الاستدامة.

-3 التأثير على التوظيف: توفر الشركات متعددة الجنسيات ملايين الوظائف، مما يجعلها شريكًا حيويًا للحكومات.

فعلى سبيل المثال، توظف سابك حوالي 35,000 شخص عالميًا، مما يمنحها نفوذًا في السياسات الاقتصادية للدول المضيفة.

-4 اللوبي والتأثير على القرار: تنفق هذه الشركات ملايين الدولارات على أنشطة اللوبي لتشكيل السياسات الدولية، كما تشارك في منتديات مثل دافوس لصياغة الأجندات العالمية.

الشركات السعودية: نموذج للنفوذ العابر للقارات تُعد الشركات السعودية متعددة الجنسيات، مثل أرامكو، سابك، ومعادن، أدوات رئيسية لتعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي للمملكة.

فعلى سبيل المثال: * أرامكو: من خلال استحواذها على حصص في شركات صينية مثل رونغ شنغ بقيمة 3.

6 مليار دولار، عززت أرامكو العلاقات الاقتصادية مع الصين، مما يدعم التعاون السياسي بين البلدين.

* سابك: بفضل عملياتها في أكثر من 50 دولة، تساهم سابك في تعزيز التنافسية الصناعية السعودية، وتدعم أجندة الاستدامة العالمية من خلال إنتاج مواد صديقة للبيئة.

* معادن: من خلال شراكاتها مع شركات عالمية مثل باريك للذهب، تعزز معادن مكانة السعودية كمركز لصناعة التعدين، مما يدعم أهداف رؤية 2030 لتنويع الاقتصاد.

تدعم رؤية 2030 هذا النفوذ من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير تشريعات مواتية، مثل برنامج المقر الإقليمي الذي استقطب 44 شركة عالمية إلى الرياض بحلول 2021.

كما تُسهم مشاريع مثل نيوم في تعزيز التكامل الاقتصادي مع الشركات العالمية، مما يعزز الدور السياسي للشركات السعودية.

التحديات والفرص تواجه الشركات متعددة الجنسيات، بما فيها السعودية، تحديات مثل المنافسة الإقليمية من مراكز مثل دبي، والتشريعات الدولية المعقدة، بالإضافة إلى الحاجة إلى كوادر متخصصة.

ومع ذلك، تتيح فرصا مثل الاستدامة، التحول الرقمي، والأسواق الناشئة آفاقًا واعدة.

على سبيل المثال، تستثمر السعودية 346 مليار ريال في مبادرات خضراء، مما يوفر فرصًا لشركات مثل أرامكو وسابك لقيادة مشاريع الطاقة النظيفة.

دور الدبلوماسية في دعم الشركات متعددة الجنسيات أرى أن الدبلوماسية تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز نفوذ الشركات متعددة الجنسيات.

من خلال خبرتي في العلاقات الدولية والاقتصاد، أؤكد على أهمية الشراكات الاستراتيجية التي تدعم هذه الشركات، مثل الاتفاقيات التجارية والدبلوماسية التي تُبرمها المملكة مع دول مثل الصين والهند.

كما أسعى من خلال دوراتي التدريبية للشباب الدبلوماسي إلى تزويدهم بالمهارات اللازمة لفهم النظام الدولي ودعم أهداف رؤية 2030، بما يشمل تعزيز التعاون مع الشركات متعددة الجنسيات.

خاتمة تُعد الشركات متعددة الجنسيات محركًا رئيسيًا للنفوذ السياسي في العلاقات الدولية، بفضل مواردها، شبكاتها العالمية، ودورها في الابتكار.

في السياق السعودي، تُظهر شركات مثل أرامكو وسابك قدرة المملكة على قيادة التغيير الاقتصادي والسياسي عالميًا، مدعومة برؤية 2030.

ومع استمرار التحديات، يتطلب تعزيز هذا النفوذ تعاونًا بين الدبلوماسية والقطاع الخاص، مع التركيز على الاستدامة والابتكار.

إن دور الشركات السعودية متعددة الجنسيات ليس مجرد دور اقتصادي، بل هو امتداد للدبلوماسية الناعمة التي تعزز مكانة المملكة كقوة عالمية.

السعودية      |      المصدر: الجزيرة السعودية    (منذ: 1 أيام | 1 قراءة)
.