سوريا فرص ومخاطر
تفرض الأحداث في نفسها في واقعنا المعاصر، بل وفي المستقبل القريب والبعيد، فبعد انهيار نظام حكم البعث وأسرة الأسد، وحكم دام لأكثر من نصف قرن أصاب فيه الشعب السوري ما أصابه من ظلم وقهر وفقر، جاء الفتح الجديد لسورية ليعيد الذاكرة إلى تاريخ فتح الشام والتطورات التي مرت بها، وكانت منطلقا لتغيير حال الأمة حينما أصابها الضعف والهوان، مع امتدادها الجغرافي مصر.
وإذا كان طوفان الأقصى مثل دافعا لحركة في سوريا وهيأ الظروف لذلك، فإن التغيير في سوريا بوضعه الطبيعي لن يتوقف عندها، وستمتد فتوحاته لدول أخرى إن عاجلا أو آجلا، وبه سيتغير وجه المنطقة والعالم.
ومع ذلك، فإن المتابع للقائمين على أمر الحكم في سوريا وفي مقدمتهم القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع يجد سلوكا سياسيا تسوقه الحكمة والمرونة، وفهم الواقع، والتهديدات الخارجية والداخلية.
ورغم العداوة الظاهرة والباطنة للتجربة السورية الوليدة، فإن هذه التجربة سيكتب لها الاستمرار والنجاح بإذنه تعالى، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنتها بثورات الربيع العربي الأخرى وخاصة المصرية وتولي الرئيس محمد مرسي -رحمه الله- رئاسة مصر.
فالثورة المصرية وغيرها لم تكن تملك سوى دعم شعبي عاجز فاقد للقوة، وكانت القوة العسكرية على الأرض بيد العسكر وأذرعته من قوة مدنية ممثلة في الدولة العميقة،لا تنمية اقتصادية إلا بإصلاح سياسي، ولا إصلاح سياسيا إلا بتحقيق أمن يظله الحرية والعدل، والحق إذا لم تكن له قوة تحميه يركبه الباطل ويدوس عليه، ولذا جعل القرآن الكريم الحديد حامي للكتاب والميزان الذي به يتم العدل بينما الدولة السورية الآن تملك مقومات القوة العسكرية على الأرض وتسعى لتحقيق الأمن المادي والنفسي في المجتمع والتخلص من الدولة العميقة، ومحاسبة فلول النظام السابق الذين ولغوا في الدماء والأعراض والأموال.
إنه لا تنمية إلا بإصلاح سياسي، ولا إصلاح سياسيا إلا بتحقيق أمن يظله الحرية والعدل، والحق إذا لم تكن له قوة تحميه يركبه الباطل ويدوس عليه، ولذا جعل القرآن الكريم الحديد حامي للكتاب والميزان الذي به يتم العدل فقال تعالى: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحديد: 25).
إنه رغم المخاطر التي تحيط بالدولة السورية الوليدة لا سيما التآمر الذي لن يتوقف من الخارج والداخل وإنفاق الأموال الطائلة لمحاربة تلك التجربة، ولكن ظني أن الحكومة الجديدة لها من التجربة ما يصقل دورها لا سيما تجربتها في إدارة إدلب، وهي تجربة وإن كانت مصغرة لإدارة الدولة، ولكنها تجربة ناجحة ويبنى عليها، لا سيما وأن سوريا تملك مقومات الاعتماد على نفسها من عمالة ماهرة لها قدرة على التكيف والإنتاج بجودة عالية والتنوع الإنتاجي في كل مكان تذهب إليه، فكيف إذا كان ذلك في أرض الوطن، وعادت العقول والأيادي المهاجرة؟! كما أن سوريا تمتلك موارد طبيعية تمكنها من الاعتماد على ذاتها لا سيما في إنتاجها الزراعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي وهو أمر قد حققته من قبل، كما أن فيها نفطا وغازا، وتنوعا في التصنيع، وسياحة تجمع بين عبق الماضي وتطور الحاضر، كما يتميز السوريون بالملاءة المالية حتى أن بعض التقديرات تقدر أموال السوريين في الخارج بنحو 100 مليار دولار.
ومن خلال حكمة الحكومة الظاهرة ومحاولتها تصفير المشاكل مع الدول الأخرى، يمكنها الاستفادة من العلاقات التي تبنيها مع الدول العربية والإسلامية ودول العالم لتأسيس مؤتمر للمانحين من أجل تعمير سوريا وسرعة عودة اللاجئين، وهو أمر سيجد طريقه للدعم من الدول الغربية والمؤسسات الدولية، على أن يكون ذلك في إطار المصالح المتبادلة ودون تنازلات تمس بسيادة الحكم الجديد لسوريا.
سوريا تمتلك موارد طبيعية تمكنها من الاعتماد على ذاتها لا سيما في إنتاجها الزراعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي وهو أمر قد حققته من قبل، كما أن فيها نفطا وغازا، وتنوعا في التصنيع، وسياحة تجمع بين عبق الماضي وتطور الحاضر، كما يتميز السوريون بالملاءة المالية كما أن أمام الحكومة فرصة لتطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي بصورة تدريجية تجمع بين فقه النص وواقع العصر، بصورة تحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية معا، انطلاقا من التمويل الأصغر والأكبر بصورة متوازية، وبعيدا كل البعد عن التجارب المشوهة للاقتصاد الإسلامي التي لا تحمل منه إلا الاسم، ولا تعرف من مضمونه إلا ما يحقق هواها؟ فوجود نظام اقتصادي إسلامي فعلي يتطلب وجود نظام سياسي يؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة، وهذا ما تفقده النظم الأخرى التي ترى النظام الإسلامي في صورته الحقيقية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا تهديدا لعرشها، لذا جملت نفسها بشكلية إسلامية من خلال قشور مشوهة من الاقتصاد الإسلامي.
لذا أتمنى على حكومة سوريا الجديدة أن تستفيد من خبراتها السابقة، ومن كل مخلص متخصص في سوريا وغيرها، ومن كل دولة تمد لها يد العون بإخلاص، ولتحذر من المستشارين الفشلة الذين ورطوا شعوبهم وأفشلوا ثوراتهم وعلت الآن أصواتهم بالنصح، وكذلك النفعيين الذين صمتت ألسنتهم عن ظلم النظام المخلوع أو ناصروه، ثم جهرت ألسنتهم اليوم من أجل بناء سوريا، فأمثال هؤلاء لا خير فيهم، ولا بناء من ورائهم، فهم لا يعرفون للإخلاص سبيلا، ومن تحركه المنافع الشخصية لن يأتي من ورائه خير، بل ضرره أكثر من نفعه.
وختاما، فإن الأمل معقود في أرض الشام، وهي قادرة في ظل ما تملكه من مواطن القوة والفرص على مواجهة التحديات والمخاطر المحيطة، وبناء نموذج تنموي يكون قدوة للسائرين ورحمة للعالمين، "وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج: 40).
.
حفظ الله سوريا وحماها وعوض أهلها خيرا.