التحديات الجيوسياسية تفرض التكامل بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون - د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب

يتذكر ترمب أن أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي اتباعه سياسة خارجية باهظة التكلفة، نتج عنها خلل اقتصادي، خصوصا مع اعتماد الاقتصاد الروسي على النفط، وانهيار أسواق النفط عام 1986، مما نتج عنه صدمات هائلة في موازنة الاتحاد السوفياتي، يخشى ترمب أن يتكرر نفس السيناريو مع الولايات المتحدة، مما اضطر الاتحاد السوفياتي إلى التخلي عن خمس عشرة دولة مستقلة حاليا كانت تشكل الاتحاد السوفيتي قبل انحلاله في ديسمبر 1991.

كانت دول البلطيق الثلاث أول من أعلن استقلالها بين مارس ومايو 1990، وكانت موجودة قبل ضمها من الاتحاد السوفيتي 1940، الجمهوريات الأخرى الـ12 انفصلت فيما بعد، باستثناء دول البلطيق شكلت رابطة الدول المستقلة، وانضمت معظمها إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي، بينما ركزت دول البلطيق على عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، يتكرر المشهد اليوم مع إيران عندما أعلنت التخلي عن نفوذها المتمدد في الدول العربية الذي وصل إلى اليمن للوصول إلى أهم ممر يتحكم في التجارة الدولية مضيق باب المندب، للخروج من عزلتها، لأنها ترى أن مضيق هرمز بمنزلة ممر يمكن أن يطبق عليها من قبل الدول الكبرى بدلا من أن تتحكم فيه إيران.

يبحث بوتين عن تعزيز مكانة روسيا خصوصا بعدما وجد أن حصة روسيا انخفضت من الناتج العالمي منذ عام 2008، ولا تزال قطاعات كبيرة من الاقتصاد متخلفة من الناحية التكنولوجية، ولا يود بوتين أن يلقى نفس مصير أسلافه من السوفيات، ووعى قادة بكين الدرس، لكن الفرق بين الجانبين أن بكين تعزز نفوذها عبر الاقتصاد، فيما بوتين اتجه نحو تعزيز نفوذه عبر استعادة بعض المناطق الحيوية التي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي، بحجة أن الغرب يتوسع تجاه الشرق، وأنه يهدد النظام العالمي وضمان الاستقرار.

وبعد حرب روسيا في أوكرانيا تضرر الاقتصادان الروسي والأوروبي لصالح الولايات المتحدة ولدول مجلس التعاون الخليجي، فيما الصين ما زالت تعاني من جائحة كورونا، وتحولت الخطة الروسية المسماة الأنبوب إلى الشرق أي تحويل صادرات روسيا إلى الصين والهند، بعد أن كانت تتجه قبل الحرب في أوكرانيا إلى الغرب، فبعد الاعتماد على خطي نورد ستريم 1و2 وخط يا مال، وتورك ستريم، تحول إلى خطي قوة سيبيريا 1و2 اللذين يعدان المقابل الشرقي لخطي نورد ستريم 1و2.

بالطبع ترمب يهدد الاتحاد الأوروبي والصين بفرض رسوم جمركية إذا لم يسع الاتحاد الأوروبي لتقليص العجز التجاري المتزايد مع الولايات المتحدة البالغ 104 مليارات يورو فائضا تجاريا في قطاع الخدمات مع الاتحاد الأوروبي من خلال إبرام صفقات ضخمة لشراء النفط والغاز الأمريكي، وبالفعل يشتري الاتحاد الأوروبي النفط والغاز الأمريكي ولا يوجد فائض لشرائه، إلا إذا نجح ترمب برفع الإنتاج النفطي مليون برميل يوميا، وقد زودت أمريكا الاتحاد الأوروبي بـ47 في المائة من وارداته من الغاز الطبيعي المسال، و17 في المائة من وارداته من النفط في الربع الأول من عام 2024 بنحو مليوني برميل يوميا.

انتقلت مؤشرات النمو على مستوى القارة من مساحة الركود إلى مساحة تبعث على القلق، وقد أطلق ماريو دراغي رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ناقوس الخطر بخصوص حجم الانحدار الأوروبي، الافتقار إلى الإبداع، وتراجع الإنتاجية، وضعف الأداء الاقتصادي مظلما بدرجة تستعصي على التصديق، ومع اقتراب دونالد ترمب من الرئاسة، ربما تكون الأوقات العصيبة حقا بدأت للتو.

فمثلا ألمانيا كانت تصدر للصين آلات في 2001 بقيمة 100 مليار يورو، والصين تصدر إلى ألمانيا نحو 10 مليارات يورو للصين، لكن في 2021 أصبحت الصين تصدر لألمانيا 210 مليارات يورو، فيما صدرت ألمانيا للصين 179 مليار يورو، وكذلك في بقية الصناعات الأخرى.

أي انتقلت العلاقة بينهما من التكامل إلى التنافس، فالعجز الأوروبي مع الصين انخفض في الأشهر الثلاثة الأولى من 2024 إلى 62.

5 مليار يورو بانخفاض 10 في المائة عن الربع السابق، بعد أن بلغ ذروته في 2021 نحو 107.

3 مليار يورو، فيما تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري مستمر منذ 1976، ففي عام 2022 تم تسجيل أكبر عجز تجاري مع الصين والمكسيك وفيتنام وكندا وألمانيا واليابان وأيرلندا ودول أخرى.

هناك فرصة للاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي التوجه نحو عقد شراكة استراتيجية بين الجانبين، وبالفعل عقد الجانبان أول قمة في أكتوبر 2024 خصوصا في مجالات الطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر وصولا إلى اتفاقية التجارة الحرة، حيث يبلغ ناتج دول مجلس التعاون قريبا من تريليوني دولار، وبلغ النمو الاقتصادي في 2024 نحو 3.

7 في المائة ويتوقع أن يرتفع في 2025 نحو 4.

5 في المائة، فيما يبلغ ناتج الاتحاد الأوروبي 16 تريليون دولار ليشكلا معا نحو 20 في المائة من الاقتصاد العالمي، مما يعزز الاستثمارات المشتركة في تقنيات الطاقة النظيفة وتوطينها، وهناك 224 اتفاقية تجارة حرة على مستوى العالم فيما بين دول مجلس التعاون الأقل مشاركة بسبب اعتمادها المفرط على اقتصادات النفط، لكن حاليا تغير الوضع في عدد من دول المجلس التعاون وعلى رأسها السعودية ودولة الإمارات، وتسير في نفس الاتجاه بقية دول المجلس.

** ** - أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية سابقا بجامعة أم القرى

السعودية      |      المصدر: الجزيرة السعودية    (منذ: 3 أيام | 1 قراءة)
.