‬تصاعد جرائم الابتزاز الإلكتروني بالمغرب يطلق تنبيهات إلى أهمية التبليغ

ربط باحثون في الأمن المعلوماتي “القفزة” الحاصلة في عدد الجرائم المرتكبة على الأنترنيت، التي رصدتها المديرية العامة للأمن الوطني خلال هذه السنة، مقارنة بالتي قبلها، بلجوء المديرية إلى رقمنة الإبلاغ عن هذه الجرائم، من خلال إحداثها منصة “إبلاغ”، موضحين أن “ما أتاحته هذه المنصة من سرية وبساطة تقديم الشكاية، فضلا عن احترافية الموظفين الساهرين على المرافقة والمعالجة، بات يُشجع نسبة مهمة من الضحايا على تجنب الصمت عن هذه الجرائم”.

وأفادت المديرية العامة للأمن الوطني، في بلاغ حصيلتها لسنة 2024، بأن الجرائم المرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة وجرائم الابتزاز المعلوماتي سجّلت “زيادة قدرها 40 بالمائة، بعدد قضايا ناهز 8333 قضية، في حين بلغ عدد المحتويات ذات الطبيعة الابتزازية المرصودة 3265 محتوى إجراميا”، فيما بصمت قضايا الابتزاز الجنسي باستعمال الأنظمة المعلوماتية على تراجع ملحوظ بنسبة 23 بالمائة، بعدد قضايا بلغ 391 قضية.

وفي الصدد ذاته ذكرت المديرية أن منصة «إبلاغ» المخصصة لتبليغات المواطنين عن هذه الجرائم توصلت منذ تاريخ الشروع بالعمل بها، في يونيو 2024، “بما مجموعه 12 ألفا و614 إشعارا وبلاغا تم التعاطي معها وفقا للقانون، وهمت بالأساس جرائم التشهير والتحريض والتهديد بارتكاب أفعال إجرامية والابتزاز الجنسي المعلوماتي وانتحال صفة والإشادة بارتكاب أعمال إرهابية”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} ودعا الباحثون في الأمن المعلوماتي الذين تحدثوا لهسبريس إلى “ضرورة العمل على تشجيع ثقافة التبليغ عن الجرائم سالفة الذكر، من خلال المنصة، بما أن عدد الجرائم المعلوماتية المعلنة، في نهاية المطاف، لا يطابق عدد تلك التي تحصل في الواقع، وذلك بسبب استمرار اختيار عدة ضحايا ومتضررين عدم التبليغ لاعتبارات مهنية وثقافية”.

“حصيلة الرقمنة” حسن خرجوج، باحث في التطوير الرقمي والمعلوماتي، قال إن “ارتفاع نسبة جرائم الابتزاز الإلكتروني بـ40 في المائة خلال السنة الجارية مرده أساسا إلى لجوء المديرية العامة للأمن الوطني إلى رقمنة التبليغ عن هذه الجرائم”، موضحاً أن “إحداث الأخيرة منصة ‘إبلاغ’ هو ما ساهم في رفع عدد الجرائم المعلوماتية المبلغ عنها، بالنظر إلى ما تتيحه هذه المنصة من سرية وحفاظ على الخصوصية، ما شجّع نسبة مهمة من الضحايا على التبليغ”.

وشرح خرجوج، في تصريح لهسبرس، أنه “قبل إحداث المنصة لم يكن يتم التبليغ عن غالبية هذه الجرائم لدى مخافر الأمن الوطني، بسبب خوف ضحاياها من ‘العار’ و’الحشومة’، وكذا تفاديا لما يرافق مسطرة الذهاب إلى المخافر ووضع الشكاية من تعقيدات بالنسبة إليهم؛ ما كان يجعل أرقام جرائم الابتزاز الإلكتروني المعلنة ضئيلة نسبيا ولا تمثل الواقع”.

وأكد الخبير في التطوير الرقمي والمعلوماتي أنه “في المقابل، ومنذ تأسيس المنصة سالفة الذكر، قبل ستة أشهر، بدأ الضحايا يتشجعون أكثر على التبليغ، بالنظر إلى أنه يتم عبرها بطريقة مبسطة، ليتلقى بعدها الضحية المبّلغ مكالمة هاتفية تخيّره بين مواصلة التبليغ إلكترونيا أو التوجه إلى المخفر”، مذكّرا بأن “من يجيبون عن المكالمات موظفون مؤهلون ومؤدبين يحرصون على الإنصات الجيد للمشتكين”.

وتابع المتحدث ذاته: “هؤلاء يتوفرون على إجازات في علم النفس وعلم الاجتماع، ما يمكنهم من القيام بالمواكبة اللازمة التي تستحضر وتراعي وضعية الضحية”، مشددا على “أهميّة هذا الأمر في حالة الإناث ضحايا التشهير مثلا؛ إذ يخولهن التمكن من تبليغ شكاياتهن بكل تحلل من القيود، إلى موظفات الشرطة المعنيات، اللواتي ينضبطن خلال العملية للهاجس الإنساني لا الأمني”.

وأكدّ خرجوج أنه “من المرتقب أن تتجه هذه النسبة نحو الانخفاض غالباً، بالنظر إلى أن المشهّرين ومرتكبي جرائم الابتزاز الإلكتروني عموماً أصبحوا يتفطنون إلى أنه سيتم الإبلاغ عنهم، وأنهم سيقعون في قبضة الأجهزة الأمنية كيفما كانت المنصة التي يشتغلون بها، والطرق الاحتيالية التي يستخدمونها”، ولفت إلى أن “النسبة التي نحن بصددها يجب أن تُشجّع جميع الضحايا الآخرين الذين تمنعهم اعتباراتهم الثقافية من التبليغ على وضع شكاياتهم بالمنصة، ونفض جبة ‘العيب والعار’ التي تساهم في تفريخ المشهّرين بوسائط التواصل الاجتماعي بالمغرب”، موردا أن “من شأن تملك ثقافة الارتفاق بهذه المنصة تأمين الفضاء الرقمي المغربي، وتقليص معدلات الابتزاز والتشهير”.

كما شددّ المصرح في هذا الصدد على “ضرورة لجوء الوالدين أساسا إلى هذه المنصة، حين اشتكاء أبنائهم من تزييف صورهم بالذكاء الاصطناعي أو توظيفها في محتويات دون إرادتهم”، مؤكدا “أهمية التبليغ عبر المنصة في خفض عدد المآسي الاجتماعية التي تخلفها جرائم الابتزاز الإلكتروني، وعلى رأسها انتحار عدد من ضحاياها، خصوصا الإناث، بما أنه بات بإمكانهن التبليغ شخصيا وتفادي ما قد يعتبرنه إحراجا مع الأسرة والمجتمع”.

مُضاعفة التبليغ أكّد الطيب الهزاز، خبير في الأمن المعلوماتي، أن “ارتفاع حصيلة جرائم الابتزاز الإلكتروني المرصودة من قبل المديرية العامة للأمن الوطني ناتج عن إحداث منصة ‘إبلاغ’، وكذا الحملات التي تنفذها المؤسسات الرسمية والخاصة أحيانا للتحسيس بأهمية الإبلاغ عن هذه الجرائم”، مؤكدا أن “هناك وعيا يشتكّل، بالفعل، بين المواطنين المغاربة بهذه الأهمية، ولم يعد نسبة منهم يخافون من التبليغ، بعد أن أصبح سريا بفضل المنصة”.

وأوضح الهزاز، في تصريح لهسبريس، أن “ضحايا التشهير والابتزاز قبل إنشاء المنصة كانوا يصطدمون أحيانا بالعقلية القديمة لبعض العناصر القليلة، التي قد تواجههم مثلا بأسلئة تلومهم على إرسال صورهم الشخصية إلى المجرمين”، مردفا بأنه “حاليأً أصبح التبليغ من خلال المنصة يحدث بكل احترافية، تضمن كرامة الضحايا”.

وأصرّ المتحدث على “وجود وعي ناشئ بين المغاربة بقضايا الأمن السيبراني والجرائم الإلكترونية، بفعل تنامي الحديث عنها ومناقشتها داخل وسائل الإعلام والندوات والمؤتمرات ومختلف المحافل الأكاديمية”.

وشددّ الخبير في الأمن المعلوماتي على أن “كثرة الشكايات التي تتم معالجتها من قبل موظفي الشرطة بعد الإبلاغ عنها بواسطة المنصة كرّست الثقة بين المواطنين وهؤلاء الموظفين”.

واستدرك المصرح عينه بأن “نسبة انتشار جرائم الابتزاز الإلكتروني، على أرض الواقع، أكثر مما هو معلن، بسبب عدم قيام عدد مهم من الضحايا بالتبليغ، خصوصا منهم هم مسؤولون كبار بالدولة، أو من ينتمون إلى عائلات محافظة، وكذلك نسبة من الفتيات اللواتي يخشين ردود فعل عنيفة من عائلاتهن في حال التبليغ عن التشهير الذي تعرّضن أو يتعرّضن له”.

وخلص الهزاز إلى أن “هذا الأمر يفرض قيام الحكومة والبرلمان والإذاعات والمعاهد والمؤسسات الجامعية بمزيد من الحملات للتعريف بمنصة ‘إبلاغ’، والتحسيس بأهمية الإبلاغ عن المشهّرين والمبتزين”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 14 ساعة | 1 قراءة)
.