الثورات.. تصحح مسار التاريخ ولا تهدم الاوطان !
الثورات تبقى دائمًا الحدث الفاصل الذى يعيد مسار التاريخ وصياغة مستقبل الشعوب، وفى تاريخنا، تظل ثورتا 23 يوليو 1952 و30 يونيو 2013 من أبرز الأحداث التى غيّرت مسار الأمة وأسست لحقب جديدة.
فثورة 23 يوليو نجحت فى إنهاء النظام الملكى وإعلان قيام الجمهورية، واضعة حدًا لحقبة الاستعمار، وهى الثورة التى مكنت المصريين من حكم بلادهم لأول مرة فى التاريخ الحديث، وأثمرت جهودها عن طرد آخر جندى بريطانى من بورسعيد عام 1956، الحدث الذى نحتفل به اليوم باعتباره «عيد النصر» الـ68.
أما ثورة 30 يونيو، فقد وقفت سدًا منيعًا أمام أخطر مؤامرة استهدفت مصر والمنطقة العربية بأكملها، فأجهضت 30 يونيو مخططًا كان يهدف إلى تحويل مصر إلى ولاية يحكمها مرتزقة من شتى أنحاء العالم تحت راية إرهابية عميلة ضمن مشروع يسعى إلى تقسيم المنطقة العربية وإضعافها لصالح الهيمنة- الإسرائيلية– المطلقة على الشرق الأوسط تمهيدًا لإعلان ما يسمى- إسرائيل الكبرى.
كان هذا المخطط يعتمد على استغلال التيارات الإرهابية لضرب استقرار الدول العربية، عبر تفكيك الجيوش الوطنية وإضعاف مؤسسات الدولة، إلا أن وعى الشعب المصرى وإرادته الصلبة حالا دون تنفيذ هذا المشروع الخبيث، ليظل التصدى لهذه المخططات مرهونًا باليقظة الشعبية وقدرة الشعب على تمييز الحقيقة من الزيف.
فلم تعد الحروب التقليدية هى السلاح الرئيسى للأعداء، اليوم تعتمد المؤامرات على زعزعة استقرار الدول من الداخل عبر استغلال الطائفية، وإثارة النزاعات العرقية، وإشعال الفتن المذهبية، ومن خلال الأكاذيب والشائعات، تُبنى أكاذيب وتتحول مع كثرة تكرارها إلى حقائق تضرب القيم الأخلاقية والاجتماعية، وتهدد وحدة المجتمعات.
إن مواجهة هذه المخططات تتطلب وعيًا مجتمعيًا عميقًا، وتحليلًا واعيًا للأحداث بعيدًا عن الانقياد للأخبار المضللة، فوعى الشعوب هو السلاح الأقوى ضد محاولات تمزيق الأوطان وضرب استقرارها.
الثورات قد تُكتب فى لحظة تاريخية، لكنها تحتاج إلى يقظة مستمرة للحفاظ على مكتسباتها، ومصر التى نعرفها ستظل قوية بشعبها وجيشها ومؤسساتها، قادرة على مواجهة التحديات، والسير نحو مستقبل أفضل كما وعد الرئيس بالأمس.
على الجانب الآخر، ومن خلال ما سُمى بالثورة السورية، تظهر شخصية غامضة تحمل أبعادًا أخطر هى شخصية الإرهابى أبومحمد الجولاني، الذى عُرف بدمويته وانتمائه لتنظيم داعش الإرهابي، ويحاول الآن إعادة تقديم نفسه تحت اسم «أحمد الشرع»، فى محاولة لمحو تاريخه الملىء بالقتل، ويظهر بتصريحات وتصرفات وشكل يكشف دورًا مخابراتيًا خلفه، حيث أعلن منذ البداية عن نواياه لضرب عمق الدولة السورية بنيته تسريح الجيش السورى، واستبداله بالميليشيات المسلحة، بما يحمل رسالة واضحة للكيان الصهيونى وقادة الميليشيات الإرهابية بأنهم باقون، ورسالة طمأنة للكيان الصهيونى، وهذا غاية ما كانوا يتمنونه لبلد كبير ومؤثر مثل سوريا.
وبكل جرأة ادّعى الجولانى نسبًا لعائلة الشرع السورية العريقة، وهو ادعاء فندته العائلة نفسها، فقد أوضح الدكتور مؤنس الشرع المقيم فى السويد، شقيق الدكتور حسين الشرع المنسوب أبًا للجولاني، أن عائلة الشرع الحقيقية لم تُنجب شخصًا يحمل هذا الاسم فى هذه الفترة، مؤكدًا استحالة صحة نسب الجولانى للعائلة، حيث أكد إصابة شقيقه حسين الشرع بمرض السرطان، وأجرى عملية فى الخصية عام 1978 يستحيل بعدها أن ينجب، فكيف يأتى بابن عام 1982 كما يدّعى الجولانى.
وعلى الرغم أن كثيرًا من الأخبار الواردة من سوريا غير دقيقة، فإن حقيقة الجولانى كإرهابى لا لبس فيها، الذى يحمل سيرة مليئة بالدموية ممتدة من انتمائه لـ«داعش»، إلى تأسيس «جبهة تحرير الشام»، لظهوره مؤخرًا على رأس الجبهة كقائد لها.
الغريب أن التحرير الذى يقوده الجولانى منذ 8 ديسمبر لم يكن لتحرير الشام من المحتلين، بل لتفريغها من أهلها، فى مشهد يعكس بشاعة المؤامرة التى تحاك ضد الدولة السورية بيد من يدّعون أنهم من أهلها.
والحقيقة المؤكدة هى أن الإرهاب يغير جلده، ولا يتغير، وأن عمليات التجميل لا تخدع العارفين بحقيقته، ولا المؤمنين ببلدهم، وتبقى الحقيقة أن الأوطان لا تُبنى إلا بإرادة شعوبها، والمؤامرة لا يهزمها ولا يوقفها إلا الوعى والإيمان بالأوطان.
.
حمى الله مصر.