رندة قسيس: "الفيدرالية العلمانية" مفتاح استقرار سوريا.. ومصر تلعب دورًا محوريًا في الحل السياسي (حوار)
تشهد سوريا بعد سقوط نظام الأسد، حالة من الإنقسام بين المعارضة، فيما تعددت الرؤى حول مستقبل البلاد، و يبرز الحديث عن دور القوى الإقليمية والدولية في دعم عملية السلام وإعادة الإعمار.
وفي هذا السياق، أجرت الدستور حوارًا مع الكاتبة والسياسية السورية رندة قسيس، و تناولت أبرز التحديات التي تواجه المعارضة السورية، وسبل تحقيق الاستقرار، والدور المحوري لمصر في تعزيز الحلول السياسية.
وتطرقت قسيس إلى رؤيتها بشأن ضرورة تبني نظام فيدرالي علماني كحل يضمن وحدة سوريا، ومعالجة التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه البلاد، إلى جانب الحديث عن دور الفاعلين الدوليين، مثل روسيا والصين، في إعادة الإعمار، كما أكدت على أهمية إشراك جميع الأطراف في بناء مستقبل سوريا، بعيدًا عن استحواذ فصيل أو طرف واحد على السلطة.
وفيما يلي نص الحوار الكامل:◄دعوتي قوى المعارضة لعقد اجتماعًا عامًا لصياغة رؤية موحدة لمستقبل سوريا.
.
ماهى هذه الرؤية؟الى الآن، لم تتفق القوى السياسية المعارضة على رؤية موحدة لشكل المستقبل، حيث لكل منها تصوره الخاص، ومع ذلك، يبقى من الضروري العمل على وضع خطوط عريضة مشتركة لشكل الدولة و القادم، كأساس لتحقيق توافق سياسي ومجتمعي شامل.
في هذا الإطار، تقترح منصة أستانا السياسية وحركة المجتمع التعددي، اللتان أرأسهما، تبني نظام فيدرالي علماني كحل يضمن وحدة سوريا وسلامتها، مع معالجة التنوع الكبير الذي تتميز به البلاد.
فالفيدرالية التي تقترحها والتي تسميها بعض القوى السياسية الأخرى باللامركزية، لا تهدف إلى تقسيم سوريا، بل إلى توزيع الصلاحيات بشكل عادل بين الحكومة المركزية والمحافظات، بما يعزز الحكم المحلي ويمنع عودة الحكم الاستبدادي، كما أن هذا النموذج يضمن أن تبقى القضايا السيادية مثل السياسة الخارجية والدفاع والاقتصاد الوطني تحت إدارة الحكومة المركزية، مع منح المحافظات صلاحيات لإدارة شؤونها الداخلية بما يتناسب مع خصوصياتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
أما العلمانية التي ندافع عنها هى حيادية الدولة تجاه الأديان والمعتقدات، بحيث تكون جميع المكونات والمواطنين متساوين أمام القانون دون تمييز على أساس ديني أو مذهبي، هذا المفهوم يتيح الحريات الدينية والفكرية لجميع أفراد المجتمع، وبمنع استغلال الدين في السياسة، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر عدلًا واستقرارًا.
◄ ما أبرز التحديات أمام السلطة الجديدة؟ وهل الحكومة الانتقالية قادرة للتعامل مع هذه التحديات؟إذا كنتم تشيرون إلى حكومة أحمد الشرع القائد العام للإدارة السورية، فإن التحديات التي تواجهها ستكون أكبر بكثير من تلك التي قد تواجهها حكومة موسعة تضم جميع القوى السياسية والعسكرية الموجودة حاليًا.
هناك أسباب عديدة تجعل هذه الحكومة غير قادرة على تلبية تطلعات المجتمع السوري:1- حكومة تتألف من “الشرع” ورجاله والفصائل العسكرية المرتبطة به لا يمكن اعتبارها حكومة شرعية تمثل أطياف المجتمع السوري بمكوناته المتنوعة، وهذا النقص في التمثيل سيؤدي إلى استمرار عزلة هذه الحكومة على الصعيد الدولي.
2- نتيجة لذلك، فإن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا ستظل قائمة، كما أن عملية إعادة الإعمار ستبقى معطلة.
3- في ظل هذه الظروف، ستعاني حكومة “الشرع” من ذات المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت موجودة في عهد بشار الأسد، حيث ستفتقر إلى الدعم الدولي والشرعية اللازمة لقيادة عملية الانتقال السياسي أو تحقيق التنمية الاقتصادية.
إضافة إلى ذلك، يمكن لقطر أن تمول هذه الحكومة لفترة معينة، ولكنها لا تستطيع بمفردها تحمل تكاليف إعادة إعمار سوريا، عملية إعادة الإعمار تتطلب موارد مالية ضخمة لا يمكن لدولة واحدة توفيرها، بل تحتاج إلى مساهمات من العديد من الدول والمنظمات الدولية، ومع غياب الاعتراف الدولي والشرعية لهذه الحكومة، فإن إمكانية الحصول على مثل هذا التمويل من الأطراف العالمية تصبح شبه مستحيلة.
بالتالي، فإن حكومة من هذا النوع لن تكون فقط عاجزة عن تمثيل المجتمع السوري، لكنها أيضًا ستواجه تحديات مالية وسياسية لا يمكن تجاوزها، مما يجعلها غير قادرة على تحقيق تطلعات الشعب السوري نحو الاستقرار والازدهار.
◄كيف ستتم عملية الانتقال السلس للسلطة؟لا شك أن هناك مراحل متعددة تسبق هذا الانتقال، تبدأ أولًا، كما ذكرت، باجتماع موسع يضم جميع القوى السياسية، بهدف الاتفاق على النقاط الأساسية التي يمكن أن تشكل حجر الأساس للمرحلة الانتقالية.
بعد ذلك، يأتي الدور على مدى ذكاء وبراغماتية “الشرع”، بالإضافة إلى وطنيته وقدرته على إدراك حقيقة أن تشكيل حكومة بشكل منفرد أو الاستئثار بالسلطة لن يؤدي إلى استقرار سوريا أو نجاح ما يطمح اليه.
فهل سيدرك أن الحل الوحيد والمفيد لسوريا يكمن في تشكيل حكومة قائمة على مشاركة فعّالة بين جميع الأطراف كخطوة تالية وضرورية نحو تحقيق الانتقال السياسي.
أما في حالة رفض الجولاني هذا النهج، والإصرار على استبعاد الآخرين وعدم إشراكهم في عملية بناء الدولة، فمعنى ذلك أنه يرغب بإطالة الصراع.
ومع ذلك، من المؤكد أن المسار لن يتوقف عند الجولاني، فإرادة التغيير واستعادة سوريا كدولة تمثل جميع أبنائها ستبقى مستمرة، مهما بلغت التحديات.
◄كيف ستتعامل السلطة الجديدة مع العلويين والدروز؟يستند الجولاني إلى مرجعية دينية متزمتة وراديكالية، وتاريخه كعضو سابق في تنظيم داعش ومن ثم القاعدة لا يوحي بحدوث أي تغيير جوهري في أيديولوجيته، هذه الخلفية تجعل من الصعب تصور تحوله إلى شخصية قادرة على قيادة مشروع وطني شامل يمثل كافة أطياف المجتمع السوري، أو تبني نهج سياسي براغماتي يتجاوز الإطار الأيديولوجي المتشدد الذي لطالما ارتبط به.
إلى جانب ذلك، المشكلة لا تكمن فقط في الجولاني نفسه، بل تمتد أيضًا إلى رجاله والمسلحين التابعين له، خاصة مع وجود جهاديين غير سوريين ضمن صفوف تنظيمه.
هذا الأمر لا يبشر بالخير لا للأقليات الدينية أو الإثنية، ولا حتى للسنة العلمانيين، وبالأخص النساء.
لقد شهدنا في إدلب كيف يتم التعامل مع النساء، حيث تُفرض عليهن قيود صارمة تحد من حرياتهن، في ظل رقابة بوليسية خانقة.
هذا النهج يزرع الخوف وعدم الثقة بين مكونات المجتمع، ويؤكد أن أيديولوجية الجولاني وتنظيمه تتعارض مع قيم الحرية والمساواة الضرورية لبناء دولة سورية حديثة ومستقرة.
◄ كيف يخرج الاقتصاد السوري من كبوته، وكم وقت يحتاج؟كل هذا يعتمد على مدى إدراك “الشرع” للحالة السورية وتعقيداتها، وكذلك على فهم الدول، سواء في المنطقة العربية أو على الساحة الدولية، لطبيعة المشهد السوري ومستقبل الحل السياسي، من الضروري مواصلة الضغط على الشرع وتنظيمه، دون الانجرار وراء وعود قد يقدمها، فقد رأينا في السابق كيف أطلقت حركة طالبان وعودًا كثيرة عقب استيلائها على السلطة، لكنها سرعان ما تنصلت منها، مما أدى إلى تفاقم أوضاع النساء بشكل مأساوي، حيث فرضت عليهن قيودًا صارمة طالت جميع جوانب حياتهن.
يجب أن نتعلم من هذه التجارب، وألا نسمح بتكرار السيناريو نفسه في سوريا، حيث يمكن أن تؤدي الوعود غير الصادقة إلى تعميق المأساة، خصوصًا بالنسبة للفئات الأكثر ضعفًا مثل النساء والأقليات، بل وحتى الشرائح العلمانية داخل المجتمع السوري.
◄ جبهة إسرائيل كيف يمكن التعامل معها؟للأسف، تعرضت الترسانة العسكرية السورية لتدمير كبير على يد الاحتلال الإسرائيلي، حيث قُدّر أن 80% من السلاح السوري قد دُمّر، هذا الواقع يضع سوريا في موقف ضعيف للغاية، وغير قادرة على مواجهة أي تحدٍ عسكري، لم يتبقَ أمامها سوى التنديد الدبلوماسي ومحاولة استخدام المجتمع الدولي كوسيلة للضغط على إسرائيل لاحترام القرارات الدولية.
ولكن، وبكل صراحة، لا أرى أي إمكانية واقعية أو أدوات فعّالة في الوقت الحالي يمكنها أن تغيّر هذا الواقع أو تُعيد التوازن في المعطيات.
◄مصر دولة محورية في الشرق الأوسط وصانعة سلام.
.
ماهو ملامح الدور المصري المنتظر فيما يتعلق لإحلال السلام في سوريا؟لا شك أن لمصر دورًا فعالًا في تحقيق الاستقرار في سوريا، بدايةً من دعم القوى السياسية والعمل على تعزيز الحلول السياسية بدلًا من ترك الساحة للفصائل العسكرية التي تعمق الانقسام وتزيد من معاناة الشعب السوري.
كما لا شك أن لمصر دورًا محوريًا في المستقبل في تعزيز السلام في الشرق الأوسط ككل، فمكانتها الإقليمية وثقلها السياسي يتيحان لها أن تكون وسيطًا قويًا ومؤثرًا لدفع مسارات الحوار والتفاهم بين الأطراف المختلفة، بما يساهم في بناء بيئة إقليمية أكثر استقرارًا وازدهارًا.
◄من يتولى تكلفة إعادة الإعمار؟في حال تمكنّا من تشكيل حكومة سياسية متنوعة تمثل جميع أطياف القوى السورية، سيكون بالإمكان بناء شراكات قوية مع الدول العربية وعدد من الدول الغربية لدعم عملية إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار، بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل الدور المحوري للصين، التي تمتلك إمكانات هائلة في مجال الاستثمار والمساهمة في مشاريع التنمية وإعادة البناء.
ولاشك أن وجود حكومة تشاركية يمكنها أن تعزز ثقة المجتمع الدولي والإقليمي، مما يفتح الباب أمام استثمارات حيوية ومساعدات ضرورية لبناء سوريا جديدة تقوم على أسس الشراكة الحقيقية.
◄هل سوريا يمكن أن تتجه للتقسيم بحسب مخاوف البعض؟كما ذكرت، يعتمد هذا الأمر أولًا على موقف"الشرع" ومدى استعداده للانخراط في مسار سياسي شامل، ثم على قدرتنا كقوى سياسية على صياغة خطة مشتركة تقوم على أسس الشراكة الحقيقية، مع مراعاة المصلحة الوطنية السورية بجميع تنوعاتها بين المحافظات والمكونات الاجتماعية.
لا يعني ذلك أن تشكيل حكومة مشتركة سيحل كل التحديات بشكل سريع، لكن مثل هذه الحكومة يمكن أن تكون نقطة انطلاق لوضع أسس سليمة وثابتة لبناء سوريا جديدة، ورغم أن هذا البناء قد يستغرق سنوات عديدة، فإن البداية بخطوات مدروسة ومبنية على توافق وطني ستكون المفتاح لتحقيق مستقبل أفضل.
◄في رأيك.
.
ما مصير القواعد العسكرية الروسية في سوريا؟من الصعب تحديد مصير القواعد الروسية في سوريا بشكل دقيق في الوقت الحالي، ما هو واضح أن روسيا تسعى، على ما يبدو، إلى خفض مستوى تواجدها العسكري مقارنة بالسابق، حيث تقوم بنقل بعض السفن والطائرات، وفقًا لما أعلمه، إلى طبرق في ليبيا.
ومع ذلك، هذا لا يعني أن روسيا قد قررت الانسحاب الكامل من سوريا، بل يبدو أنها تسعى لضمان حماية أصولها العسكرية، بما في ذلك المقاتلات والسفن الحربية، خاصة في ظل الغموض المحيط بمستقبل حكومة “الشرع”، وأعتقد أن روسيا تتريث حاليًا، منتظرة تطورات الأوضاع السياسية والعسكرية في سوريا، قبل أن تتخذ قرارًا نهائيًا بشأن وجودها ومستوى انخراطها هناك.