التنمر و التفاهة .. صناعة مؤثرة
في قاعات المحكمة الزجرية بعين السبع الدار البيضاء، تتدفق يوميًا قضايا مثيرة للجدل ترتبط بظواهر التنمر والتفاهة على وسائل التواصل الاجتماعي، قضايا تتجاوز الجريمة التقليدية إلى مستوى أعمق، حيث يقف العديد من المؤثرين أمام الهيأت القضائية بتهم السب و الشتم و بث التفاهة و نشر الإشاعة وإعطاء القدوة السيئة لجمهور واسع من المتابعين.
ملفات تتناول جوانب محظورة في الأخلاق العامة، من التحريض على الكراهية والتمييز، إلى انتهاك الخصوصية والتشهير العلني، وأخيرًا الإخلال الصارخ بالحياء.
ملفات مثل قضية *إلياس المالكي* تفتح لنا بابًا لمناقشة الأبعاد التربوية والنفسية لهذه الظواهر، سواء عند المؤثرين أنفسهم أو الجمهور الذي يتابعهم ويقلدهم.
#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} خلف هذه الدعاوى القضائية، نجد أنفسنا أمام تساؤل محوري: ما هو مصدر هذه الميوعة والتفاهة و التنمر الذي يغزو المجتمع؟ ثقافة الاستهلاك: وقود للتنمر والتفاهة لقد أصبحت الميوعة نوعًا من التنمر المقنع، الذي يتعارض بشكل مباشر مع القيم والأخلاق الحميدة، حيث نجد في ثقافة الاستهلاك التي تغزو المجتمع دورًا كبيرًا في تعزيز هذه الظواهر.
ينمو الشعور بالتنمر عندما يشعر الأفراد بالضغوط الاجتماعية لتحقيق مستوى معين من الرفاهية، ما يجعل المظهر الخارجي والممتلكات أهم من الأخلاق و الشخصية.
هذا الضغط يؤدي إلى حالة من التنافس الشرس، حيث يتمحور التمييز بين من يملكون ومن لا يملكون.
ينجذب المؤثرون على مواقع التواصل الاجتماعي إلى هذه الثقافة، مستغلين “أمراض المجتمع الاستهلاكي” كوسيلة لزيادة عدد المشاهدات و المتابعين، فيمارسون ما يمكن تسميته بـ”التنمر الترفيهي” من خلال السخرية أو استعراض ممتلكاتهم الشخصية، مؤكدين بذلك قيمة الاستهلاك بدلًا من قيم التفاعل الإنساني والقيم الأخلاقية.
التفاهة والتشهير: الوجه الآخر للتنمر لا تتوقف ظواهر التنمر عند الاستهلاك فقط؛ بل تتغلغل في عوالم التفاهة التي تُستغل كوسيلة غير مباشرة للتقليل من شأن الآخرين.
و في هدا الإطار يستخدم بعض المؤثرين أسلوب التفاهة في خلق محتوى ساخر وتحقيري، يغري المشاهدين ويغريهم بمزيد من المشاهدة، لكنه في العمق يشجع على استهداف الأشخاص والنيل من قيمهم وأخلاقهم.
التفاهة، إذًا، ليست مجرد تسلية؛ بل هي أسلوب مدمر يعزز من ثقافة التحقير في المجتمع، حيث يصبح التنمر العلني جزءًا من الثقافة اليومية، ويصبح استهداف الآخرين بالشتم والتشهير مجرد “وسيلة ترفيهية”.
التنمر من خلال كلمات الكبار: أطفال يفضحون ما وراء الأبواب المغلقة الأطفال بطبيعتهم يميلون إلى تقليد الكبار، لذا نجدهم يتأثرون بشدة بالكلمات والسلوكيات التي يلتقطونها في منازلهم.
ما يحدث أن الطفل قد ينقل كلمات جارحة أو أفكار تحقيرية سمعها من الكبار، فيتحول إلى متنمر صغير، يمارس التنمر ويكشف بصورة لا واعية عن نمط التفكير السائد في منزله.
عندما يُترك الأطفال لينقلوا هذه الكلمات، فإنهم يكشفون عن الفجوة العميقة في التربية والأخلاق التي تنعكس عليهم بشكل مباشر، مما يخلق جيلًا قد يتعرض هو الآخر للتنمر ويمارسه على الآخرين.
ماذا بعد؟ التنمر والتفاهة تحت المجهر إن السكوت عن التنمر بكل أشكاله، سواء على منصات التواصل أو في الأسر، يعني الموافقة الضمنية على انتشاره.
يصبح المجتمع كله ضحية حينما نغفل عن هذه الظواهر التي تزداد يومًا بعد يوم.
عندما يتحول التنمر إلى ثقافة سائدة، فإننا نترك مساحة واسعة للألم والإحباط لدى الأفراد.
و لعل مسؤولية التصدي لهذه الظواهر تبدأ من الأسرة، مرورًا بالمؤسسات التعليمية، وصولًا إلى القوانين التي تحاسب كل من يحاول استغلال التفاهة أو الميوعة للنيل من الآخرين.
(*) محامي بهيأة الدار البيضاء