السفير البصري: الثقافة تخدم العمل الثنائي .. وهولندا تدعم الحكم الذاتي بالصحراء

قال محمد البصري، سفير الرباط المعتمد لدى مملكة الأراضي المنخفضة، إن الخروج من مرحلة الأزمة الصامتة مع مملكة بلاد الطواحين، عقب توقيع خطة عمل مشتركة تشدد على أهمية تعزيز الحوار السياسي في يوليوز 2021، بين أن العلاقات بين الدول تعرف مدّا وجزرا، وأنه في العلاقات بين الدول هناك دائما مجهود جماعي منتصب على أسس واضحة: الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وكذلك التوفر على خارطة طريق للتعاون وعلى قواعد تحكم هذه العلاقة.

ولفت البصري، في هذا الحوار الذي تجريه معه هسبريس، في مقر إقامته الدبلوماسية بمدينة لاهاي الهولندية، إلى أن دعم مملكة الأراضي المنخفضة مقترح الحكم الذاتي، من أجل إيجاد حلّ نهائي وسياسي لنزاع الصحراء المغربية المفتعل، يكشف بوضوح أن أمستردام تعتبر المبادرة المغربية حلا سياسيا واقعيا وعمليا وذا مصداقية من أجل إنهاء هذا الملف تحت مظلة السيادة المغربية؛ والنتيجة متحققة في الأقاليم الجنوبية.

وبدد ضيف هسبريس المخاوف التي ارتفعت لدى الجالية المغربية بعد صعود “حزب الحرية” اليميني المتطرف والمعروف بعدائه الشديد لمغاربة هولندا، مشدداً على أن “التخوفات وإن كانت مشروعة من الناحية الإنسانية فإنه يجب عدم التسرع”، ووضّح أن “الجالية المغربية المقيمة في مختلف المدن هي جالية مندمجة وناجحة وحقوقها تصونها القوانين المعمول بها؛ وبالتالي عندما نكون في نظام ديموقراطي فهناك مبدئيا حقوق وواجبات، ولا يمكن لأي كان أن يتصرف كما يشاء”، في إشارة إلى الحزب اليميني.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} نص الحوار: – يأتي عرض “موضة” (أقوال الموضة المغربية) في سياق التعاون المغربي الهولندي.

هلاّ تقاسمت معنا كيف تنظر كسفير للرباط لدى أمستردام لهذا التعاون ومساهمة السفارة فيه؟ التعاون الثقافي الثنائي بين المملكة المغربية ومملكة الأراضي المنخفضة يندرج في إطار تعاون أوسع بينهما، ويشكل جزءاً من العلاقة بين البلدين.

وأنت تعرف أن هذه العلاقة تاريخيا تعدّ جد عريقة مرّ عليها اليوم ما يربو عن أربعة قرون؛ إذ بدأت العلاقة الديبلوماسية بين المغرب وهولندا سنة 1610.

والروابط في الوقت الحالي تنسحب على جميع المجالات: السياسي والدبلوماسي وأيضا التعاون في المجال التجاري والتبادل الاقتصادي؛ ثمّ على مستوى قطاعات ذات أهمية إستراتيجية كذلك، مثل تدبير الماء والطاقات المتجددة.

وفي هذا الباب يجب ألاّ ننسى الدور الذي تلعبه الثقافة، ومن ثَمّ التعاون في هذا الجانب.

هذا التعاون يعتبر أحد أعمدة العلاقات الدولية عموماً لأنه يقرب بين الشعوب والمجتمعات المتباعدة، ويجعل كلا منها يفهم الآخر ويكتشف ويتعرف أكثر على تاريخه وثقافته وفنه، ما يسهل التواصل والسعي المشترك إلى إيجاد حلول، وكذلك العمل سوية في مجالات أخرى.

وبخصوص مساهمتنا فهي تكون دائما عن طريق تشجيعنا أي نشاط يخلق جسراً آمناً للتواصل بين المواطنين؛ وهذا يشكل مصدر افتخار بالنسبة للجالية المغربية المقيمة بهولندا، لأنه يعرف أولاً بعمق هذه الثقافة وبغناها وتميزها، ويقرب بين مواطني البلدين.

وبالنسبة لنا نشاط أو حدث مثل هذا الذي أشرفت صاحبة الجلالة الملكة ماكسيما على افتتاحه في أوتريخت الأربعاء يعتبر محطة أخرى من محطات التعاون والعمل المشترك.

نعتبر المبادرة التي قامت بها زينب السغروشني للتعريف بهذا الإرث الثقافي والفني المغربي، في حلة جديدة تزاوج بين الحداثه والأصالة وتفسح المجال بالنسبة للمبدعين والمبدعات أن يقدموا أعمالهم للجمهور، خطوة تستحقّ الثناء؛ فذلك يشكل صلة وصل متينة وحلقة منيعة للتنوع الثقافي في المجتمع الهولندي.

وبالنسبة لمواطنينا، وخصوصا الشباب، فهذا يعمق ويقوي علاقتهم مع الوطن.

– هل يمكنك أن تقدم لنا أمثلة أخرى عن الجهود المبذولة لتسويق الثقافة المغربية هنا في لاهاي ومختلف المدن؟ دعني أشدد على نقطة صغيرة لكنها محورية، وهي أن التعريف بالثقافة المغربية يمثل بالنسبة إلينا رهانا يوميا تتمخض عنه جهود مكثفة.

وهذا الجهد مشترك حقّا، تقوم به مصالح السفارة ومصالح القنصليات المغربية الأربع، وكذلك النسيج الجمعوي المغربي.

علينا أن نعرف أن المواطنين المغاربة فاعلون في هذا المجتمع الهولندي، ليس فقط من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وإنّما كذلك في المجال الثقافي، عبر مساهماتهم وأنشطتهم وإبداعاتهم.

ومن أجل تمتين هذه الجهود تنظم البعثة الدبلوماسية، تحت غطاء السفارة، أنشطة ثقافية إما في مناسبات وطنية أو دينية أو غيرها.

ولا أخفيك سرّا أن همّنا ونحن ننسّق مع فاعلين آخرين هو التعريف بهذا التراث النفيس وبكل مكونات الحضارة المغربية.

وعلى سبيل التوضيح فقد كانت لنا فرص كثيرة للترويج للمشترك بيننا كمغاربة ضمن فعاليات “مهرجان السفارات” (Embassy Festival)؛ وهو مهرجان ثقافي سنوي للسفارات المعتمدة بلاهاي.

والأكثر من ذلك أننا ننظم في عدة مناسبات أنشطة تعرف بالموروث الثقافي المغربي والفني، وتجعل الجمهور الهولندي وكذلك المقيمين في هذا البلد الأوروبي على اختلاف أصولهم يتعرفون على الفن والثقافة المغربية في أبهى صورها وأقوى عناصر غناها وتنوعها.

المغرب كان دائما أرضاً لتلاقح الثقافات والحضارات، والمنتج الثقافي الوطني يعكس عمق بلدنا وأصالته.

نحن لسنا بلداً رأى النور حديثا أو بعد الاستقلال، بل مملكتنا عريقة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، وكانت دائما ملتقى للتنقلات البشرية، وهذا ما أكسبنا هذه المناعة التي تسمح للبلاد أن تستوعب وتتلاقح عوض أن تنفر أو ترفض.

إنّ ما يبدو لي أيضاً جعل الثقافة المغربية بهذه الأصالة والتميز هو الحاجة الملحة التي تفرض علينا أن نعرِفها ونعرّف بها بالشكل المطلوب.

ولذلك، خلال أبريل 2022، كان هناك معرض للفن المعاصر المغربي بمتحف كوبرا حول “التاريخ الآخر، الحداثة المغربية”، وكانت تلك فرصة للجمهور الهولندي ولشباب الجالية المغربية لاكتشاف الفن المغربي والاطلاع عليه عن كثب.

وتضمن المعرض صورا ولوحات لعدد كبير من أشهر الفنانين المغاربة، بمن فيهم الشعيبية طلال.

وبلا أي شك منح المعرض لمحة عن تطور المغرب فنيّا.

وأنت تعرف أن الفن ما هو إلا واجهة لكل ما يعرفه المجتمع من تقدم.

والثقافة بطبيعتها تتوفر لها تلك القدرة على كشف التحولات والتطورات التي تطرأ داخل أي مجموعة اجتماعية؛ وهذا ينطبق على المغرب الذي ظلّ منفتحاً على محيطه، وكان دوماً فاعلاً أساسيّا من أجل تعزيز ثقافة السلم والأمن وعنصرا محوريا في استقرار ونماء المنطقة.

والمجهودات التي تبذل تبتغي تمتين ثقافة وقيم العيش المشترك، وكذلك تخلق آليات للتواصل لتعزيز الثقة من جهة، ومن جهة أخرى حتى نتمكن من الاقتراب من بعضنا البعض ونكشف عما يمتلكه البلد الأصلي للعديد من المواطنين المغاربة المقيمين في هولندا.

– أنت تتذكر أن العلاقات بين المملكة المغربية ومملكة هولندا عرفت لسنوات توتراً حادا على خلفية ملفات “حراك الريف” وسعيد شعو، البرلماني السابق المقيم بهولندا والحامل للجنسية الهولندية، وملفات ارتبطت بزمن الجائحة.

كيف عاشت البعثة الدبلوماسية المغربية هنا في لاهاي “حلقة الفتور” وسعت إلى إنهائها، ربما، بلا رجعة؟ المهم أنه تم تجاوزها.

وما أود التأكيد عليه أنه في العلاقات بين الدول هناك دائما مجهود جماعي منتصب على أسس واضحة؛ هي الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وكذلك التوفر على خارطة طريق للتعاون وعلى قواعد تحكم هذه العلاقة.

ثمّة إطارات قانونية معروفة على مستوى تعدد الأطراف، وكذلك على المستوى الثنائي.

المملكة المغربية ومملكة هولندا اتفقتا على خارطة طريق تم توقيعها في شهر يوليوز 2021 من أجل تخطي المرحلة العصيبة والمضي قدماً واستشراف المستقبل.

لقد فعلتا ذلك انطلاقاً من مرجعيّات شفافة؛ أولها احترام سياده الدولتين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والتنسيق على مستوى المشاورات السياسية، وكذلك تعزيز التعاون في جميع المجالات.

لقد طوينا تلك الصفحة ودخلنا مرحلةً أخرى نتطلّع من خلالها إلى مستقبل أفضل لنا معاً.

واليوم لا يخفى على أحد أن العلاقات المغربية الهولندية تعرف دينامية جد إيجابية، وخير دليل على ذلك الزيارات المتبادلة التي تمت بين البلدين في محطات كثيرة.

هذه اللقاءات وهذه المشاورات السياسية، بالإضافة إلى ما نقوم به بصفة دورية كبعثة دبلوماسية، دليل كاف على أن الوضع بات يراعي المصالح المشتركة أكثر من أي شيء آخر.

الجميع يصرّ على الدفع بهذه العلاقات الودية إلى الأمام وإغنائها وتوسيعها.

المغرب وهولندا ليسا فقط بلدين صديقين أو شريكين إستراتيجيين؛ هما جاران أيضاً.

وأمستردام تعدّ المغرب متميزاً بمكانته وموقعه الجغرافي واستقراره، وبشرعيته ومشروعيته السياسية وبدوره الذي لا غنى عنه في استتباب الأمن والاستقرار في القارة الإفريقية وفي بقاع أخرى.

الأمور حسنة، ونحاول في الوقت الحالي الاشتغال سوية في قطاعات جد مهمة، منها الطاقة.

وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي وقعت على هامش قمة الهيدروجين في ماي المنصرم في روتردام على اتفاقية خطة عمل مخصصة للطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر للفترة 2024-2025، مع روب جيتن، وزير المناخ وسياسة الطاقة بالأراضي المنخفضة.

ومن الضروري التذكير بأن مجال الماء كذلك هو من القضايا الحيوية في هذه العلاقه الثنائية.

نحن نعرف أن بلدنا يعرف جفافاً منذ سنوات، ويعيش حاليا مرحلة انتقالية في ما يخصّ تدبير الموارد المائية.

وطبعاً ندرة المياه ظاهرة عامة نظرا لتطرف التغيرات المناخية، لكن المغرب يتمسّك بالتعاون في هذا المجال لأنه مرتبط ليس فقط بالأمن المائي وإنما بالضرورة بالأمن الغذائي للمغاربة.

– من الجانب الهولندي هل توقفت مسببات تلك “الأزمة الصامتة” التي نستحضرها الآن في نقاشنا؛ أقصد التعاطي مع ملف “حراك الريف” إعلاميا وسياسيا بالشكل الذي كان يزعج الرباط؟ ما يهمنا هي المواقف التي تعبر عنها الحكومة وكذلك القرارات التي تتخذها السلطة التنفيذية.

في العلاقات الدبلوماسية هذا هو المحور المهم.

وما يمكنني أن أقول هو أننا نستمر في الاشتغال سويةً وسنواصل تمتين هذه العلاقات.

وما خلقناه من ميكانيزمات ثنائية يمكننا من تدبير جميع الوضعيات والمراحل ويمكننا من السير قدما لخلق جسور إضافية للعمل.

نحن الآن في مرحلة جدّ إيجابية، غير أننا لا نكتفي بما هو محقّق وموجود، بل نسعى إلى وضع اليد على نطاقات أخرى لنتعاون فيها، خصوصا التبادل التجاري.

نحتاج تمتين التبادل على جميع المستويات وخلق المزيد من المشاريع الثنائية.

– لاحظت بالطبع أن الخلاف بين الرباط وأمستردام لم يكن ناجماً عن ملف الصحراء المغربية، مثلما هو الأمر بالنسبة لما جرى مع ألمانيا وإسبانيا وفرنسا.

ما هي قراءتك لموقف مملكة الأراضي المنخفضة الداعم لخطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لحل النزاع المفتعل بشأن الصحراء؛ وقد جددت تأكيد ذلك قبل أسبوع بنيويورك على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ دعم مملكة الأراضي المنخفضة لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به المملكة المغربية سنة 2007 من أجل الوصول إلى حل نهائي وسياسي لقضية الصحراء المغربية، التي يعرف الجميع أنها نزاع مفتعل، يبين بوضوح أن المبادرة المغربية تحظى بكل التقدير والمصداقية كحل واقعي وسياسي وعملي من أجل إنهاء هذا الملف تحت مظلة السيادة المغربية.

وقد رأينا النتيجة على الأرض في أقاليمنا الجنوبية.

والثقة في مقترح المغرب من طرف كبريات الدول المؤثرة في القرار الدولي تكشف المكانة الخاصة التي يحظى بها البلد لدى الدول الصديقة، كفاعل أساسي في أمن واستقرار المنطقة، وكذلك كفاعل في مجال التنمية وكشريك موثوق به ولديه مصداقية ويمكن الاعتماد عليه في كل الظروف وفي كل المحطات.

الرباط تفي بالتزاماتها دائماً وتحمل معها في عملها الدبلوماسي رسالة دائمة ومهمّة: توفير الأمن والسلم والنماء والرخاء للجميع.

وبالنسبة لهولندا فإن الدعم واضح، ويرمي إلى إيجاد حلول لوضعيات طال أمدها ووجب إيجاد مخارج سياسية لها.

وأنت تتابع الوضع على المستوى الدولي وآن الأوان من أجل التفرغ كلية للجوانب الاقتصادية والجوانب الأخرى المهمة وطي هذه الصفحة.

والمغرب عندما تقدم بالمخطط فقد تقدم به من أجل حل نهائي؛ ونحن نحقق ذلك على الأرض.

المغرب لن يسمح بأي شكل من الأشكال بالمساس بوحدته الترابية أو استقراره.

ونحن نرى الأوضاع كيف هي الآن في العالم ونتابع التوترات الموجودة.

الدبلوماسية المغربية لم تتساهل قطّ مع تجاوز الحدود.

نحن الآن في مرحلة أخرى، نسعى فيها إلى تحقيق تطور اقتصادي وتمكين المواطنين على كافة جهات التراب الوطني من العيش في ظروف مزدهرة.

– طيب، وماذا عن الجالية؟ الحكومة اليمينية الحالية التي أدت اليمين الدستورية في يوليوز تصفها وسائل الإعلام الأوروبية بكونها “الأكثر تطرفا في تاريخ هولندا”.

تعرف أن حزب الحرية لديه مواقف جد متطرفة تجاه مغاربة هولندا، هل سيشوش هذا على الجالية المغربية التي أعربت عن تخوفاتها؟ في جميع الدول تكون هناك انتخابات.

والاستحقاقات هي تعبير عن إرادة مواطني ذلك البلد في فترة معينة.

هذه هي الممارسة الديمقراطية وعلينا أن نقبل بها.

عندما تسفر الانتخابات عن خريطة محددة للهيئة السياسية التي حازت على الأغلبية أو ظفرت بثقة نسبة معينة من المواطنين تشارك في التدبير أو تقوم بتدبير الشأن العمومي خلال فترة معينة.

مواقفنا ثابتة، وهي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

لا يمكننا أن نتدخل في أمور هي اختصاص حصري للسلطات الهولندية.

ولكن ما أودّ إثارته تفاعلا معك هو أن الجالية المغربية المقيمة في مختلف مدن هولندا هي جالية مندمجة وناجحة، وهي جالية حقوقها تصونها القوانين المعمول بها.

وبالتالي فعندما نكون في نظام ديمقراطي فهناك مبدئيا حقوق وواجبات؛ ولا يمكن لأي كان أن يتصرف كما يريد.

هناك ضوابط.

وبطبيعة الحال في أي وقت تمت ملاحظة أي تجاوز في حق الجالية أو مساس بها فهناك آليات وضوابط وطنية في بلد الإقامة.

وفي إطار العلاقات الثنائية والتعاون الذي يجمع بين البلدين فالالتزامات والواجبات واضحة بالنسبة للطرفين.

وكل وضعية سنتخذ ما يلزم بخصوصها.

لكن أنا أقول دائماً إن التخوفات وإن كانت مشروعة من الناحية الإنسانية فإنه يجب عدم التسرع.

الآن هناك حكومة بدأت عملها ونحن لا يمكن إلا أن نستمر في العمل وفي احترام التزاماتنا وكل ما يربطنا بمملكة الأراضي المنخفضة الصديقة.

واللقاء الذي كان مؤخرا بين رئيس الحكومة المغربي والوزير الأول الهولندي يعكس أن هناك رغبة من الطرفين في الاستمرار في العمل وفي تعميق التعاون وتوسيعه وإغنائه.

ونحن من جهتنا لا نكفّ عن إشعار زملائنا الهولنديين بأن المغاربة في هولندا لم يأتوا فقط كمهاجرين مغاربة، بل جاؤوا إلى هذا البلد خلال الحرب العالمية الثانية من أجل تحرير هولندا، تلبية لنداء المغفور له الملك محمد الخامس للمساهمة في تحرير أوروبا، ودورهم أساسي في الوصول إلى الاستقلال.

– نوهت قبل أسابيع بالدور الفعال الذي يلعبه المجتمع المدني باعتباره حلقة وصل بين أفراد الجالية ووطنهم الأم، وذلك بالحفاظ على الهوية المغربية التي تجمع بين اللغة والتقاليد والعادات.

هلاّ قربتنا من الدعم الذي تقدمه سفارة الرباط لتمتين هذا الدور؟ نعم.

ذلك اللقاء الذي كان في روتردام حول مبادرة العفو الملكي السامي عن مزارعي القنب الهندي بمناسبة ثورة الملك والشعب، ويندرج ضمن سلسلة لقاءات مبرمجة وتتم بطريقة اعتيادية كل سنة مع الفاعلين الأساسيين الجمعويين المغاربة بهولندا، كان فرصة من أجل حثّ الفاعلين على المساهمة الفعالة في العمل والتأطير في إطاز احترام قوانين بلد الإقامة.

هذا التاطير وهذا العمل الذي تقوم به الفعاليات الحية للمجتمع المدني يعزز الدينامية الموجودة ويخلق للمواطنين إطارات للقاء وللتعاون، وكذلك التفاعل مع مجتمع البلد الأوروبي بشكل إيجابي.

هذا يسمح أولاً برفع أي شكل من أشكال الالتباس من جهة، ومن جهة أخرى يعزز الارتباط القائم بين المواطنين المغاربة والبلد الأم.

وكانت تلك فرصة كذلك للإنصات للمواطنين والفاعلين بعد عملية العبور لسنة 2024، لأن العلاقة والتفاعل بين السفارة والقنصليات والمواطنين الهدف منه كذلك هو أن يخصص لهم وقت وحيز للإنصات للتوصل بمقترحاتهم وملاحظاتهم وشكاياتهم إن وُجدت… المهم في هذا كله هو كيف يمكن أن نعمل سويةً من أجل تحسين الخدمات وتجويدها.

هذا يؤهل أكثر الكيفية التي يجري استقبالهم بها، ليس فقط على مستوى المراكز القنصلية ولكن أيضاً على مستوى الحدود الوطنية والإدارات الوطنية خلال مقامهم بالمملكة.

لاحقاً نضمن متابعة ما يمكن أن يكون لهم من شكايات أو من تظلمات.

ويتم القيام بذلك مع السلطات المغربية المركزية من أجل إيجاد حلول في إطار احترام القوانين وحقوق الأشخاص أيضاً.

– ثمنت أيضاً الأبعاد الإنسانية والاجتماعية والتنموية لقرار العفو الملكي الذي شمل أكثر من 4831 من مزارعي القنب الهندي بالمغرب، وهذا القرار أصبح ساريا من خلال حملة المديرية العامة للأمن الوطني لتجديد بطاقات التعريف الوطنية لفائدة المشمولين بالعفو الملكي.

ما تعليقك على هذه الجهود؟ مبدئيا أود التذكير بأن العفو الملكي السامي ليس بغريب وليس بمفاجأة، وما يمكن أن يتخذه جلالة الجلالة الملك محمد السادس من قرارات، ومنها العفو، تكتنفها دائما مسحة إنسانية وأخرى تسمح لهذه الفئة من المواطنين أن يجدوا دورهم كذلك في المجتمع، وأن يساهموا بشكل فعال في الاقتصاد؛ لكن من موقع احترام القانون.

العفو الملكي لديه مساطر ومراحل، والآن سعي وعمل جميع القطاعات والمتدخلين لتفعيله يدخل في إطار تقليد دأبت عليه الإدارات المغربية.

أهم شيء في كل هذا هو أن هؤلاء الناس يستطيعون القيام بكل الإجراءات التي لا تدع مجالاً للشك في أن وضعية المزارعين جرت تسويتها؛ وتوفير بطاقة التعريف الوطنية لهم تأكيد على مواطنتهم الكاملة وحقهم… هم جزء لا يتجزأ من هذا الوطن وأسرهم عناصر فاعلة داخل الشعب المغربي.

ونحن نثمن ما يمكن أن يسهل عليهم الأمور، وما يمكن أن يصون كرامتهم ويدفع بقوّة نحو إعادة إدماجهم في محيطهم المجتمعي والعائلي.

هذا ضروري.

والمدرية العامة للأمن الوطني وجميع القطاعات، سواء النيابة العامة أو وزارة العدل أو باقي المتدخلين، لن يدخروا أي جهد من أجل هذا التفعيل.

هو واجب مؤسساتي.

ومن جهه أخرى لا ينبغي أن ننسى التعليمات الملكية التي وجب تنفيذها والتعاطي معها والانضباط لها.

وحتى أختم فتصورنا واضح، وهو أن مزارعي القنب الهندي المتمتعين بالعفو لهم الحق في رؤية وضعيتهم تسوّى.

هذا سوف يشعرهم بالاطمئنان والسّكينة؛ وبذلك الوضع الجديد يشجّعهم على الانخراط في ورش الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي الذي حبذه كثير منهم، ويدفعهم، بمعية أفراد أسرهم ومحيطهم، نحو بذل مجهودات أخرى لتنمية مناطقهم وتأهيلها والعمل على تحسين دخلهم وعلى احترام سيادة القانون.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 3 أشهر | 0 قراءة)
.