استهداف شبكة القطارات الفرنسية.. إجماع على التعمد وتبرير للثغرات الأمنية

باريس- يبدو أن حفل افتتاح لم يبدأ بصورة مشرقة اليوم الجمعة، إذ استهدفت أعمال تخريبية منسقة خطوطا متعددة للقطارات الفائقة السرعة "تي جي في" (TGV) منذ الساعة الرابعة صباحا، أدت إلى تعطيل حركة المرور بين والمناطق المحيطة بها، وفقا لبيان .

ويأتي هذا الشلل الواسع النطاق نتيجة لحرائق "متعمدة" و"أعمال خبيثة منسقة"، وفق وصف وزير النقل الفرنسي باتريس فيرغريت الذي أشار إلى وجود مؤشرات "تظهر أن الأمر متعمد بالفعل".

ومن غير المتوقع أن تستأنف القطارات حركتها الطبيعية قبل بداية الأسبوع المقبل، الأمر الذي سيؤثر على انطلاقة الألعاب الأولمبية وتنقل 800 ألف مسافر، بحسب تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة السكك الحديد "إس إن سي إف" (SNCF) جان بيير فاراندو.

هجوم متعمد تتفق جميع تصريحات المسؤولين الفرنسيين على أن هذا الفعل التخريبي "متعمّد ومنسق ومحسوب"، فقد أدانت وزيرة الرياضة أميلي أوديا كاستيرا "الأعمال الخبيثة" التي تهدف إلى "تخريب ألعاب الرياضيين" قبل ساعات من الإطلاق الرسمي للمسابقة، بينما رأت رئيسة المجلس الإقليمي إيل دو فرانس فاليري بيكريس أن هذا التخريب "ليس من قبيل المصادفة".

من جانبه، أكد الجنرال السابق في الجيش الفرنسي فرانسوا شوفانسي، في حديثه للجزيرة نت، أن الهجوم "منسق ومنظم، ويهدف بشكل كبير إلى جلب الفوضى إلى جزء من فرنسا وإظهار الضعف الأمني، لذا تم التركيز على تخريب شبكة السكك الحديد في فرنسا لأنها ضخمة جدا لدرجة أنه لا يمكن تغطيتها أمنيا ومراقبة جميع الخطوط".

ورغم أن الجنرال الفرنسي السابق ما زال يرى أن الوضع الأمني جيد حتى الآن، فإنه يعتقد أن المشكلة الوحيدة تتمثل في حقيقة أنه من الصعب التعامل مع كل شيء وتغطية كل المناطق في البلاد، "إننا لسنا في مأمن من أي هجوم، حتى لو كان إرهابيا، فنحن لسنا محصنين بالكامل، وهي ثغرة أمنية جيدة استغلها مفتعلو الحرائق بإتقان في عطلة نهاية الأسبوع إذ يكون الإقبال كثيفا على القطارات".

أما المستشار السابق بالخارجية الفرنسي مناف كيلاني فيرى أن استهداف اليوم يعكس الفشل الدائم في إدارة الدولة، وتوزيع المناصب الوزارية وفق المحسوبية وعلاقات المصالح، "إنها كارثة للمستخدمين بالطبع لكن الحكومة هي المسؤولة الأولى عما يحدث، في دلالة واضحة على تراجع فرنسا المتسارع".

وأشار كيلاني، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن الألعاب الأولمبية كانت سيئة التنظيم منذ البداية، وتزامنت مع ظروف سياسية متعثرة، مشددا على أن "باريس ليست المدينة الأمثل لاستضافة حدث رياضي بهذه الأهمية".

جنرال فرنسي سابق يرى أن المشكلة الوحيدة تتمثل في صعوبة تغطية كل المناطق أمنيا (الأناضول) تعزيز اليقظة والأمن وبعد عملية التخريب التي عطلت بشكل خطير شبكة القطار الفائق السرعة، قال مدير الشركة الوطنية فاراندو لوسائل إعلام محلية إن هناك كثيرا من العمل والتعبئة العامة اللازمين للقيام بالإصلاحات في أسرع وقت ممكن، للحدّ من تداعيات الاستهداف على حركة المسافرين.

وأضاف أنه "علينا إصلاح الكابلات واحدا تلو الآخر، ثم إعادة اختبارها من أجل السلامة".

وفي هذا الإطار، انتقد فرانسوا شوفانسي تراخي الشرطة والدرك وحتى الجنود الذين يتجولون في العاصمة، معتبرا أنه ابتداء من اليوم "سيعرفون أننا أمام مرحلة صعبة للغاية لا تتمثل في عمل يوم واحد فقط، وإنما على مدى شهرين يمكن توقع حدوث أي شيء خلالهما.

ولذا يجب على جميع مستويات القيادة القلق واليقظة والتعبئة العقلية والنفسية".

أما على المستوى التقني، فيرى شوفانسي أنه "لا يمكن فعل المزيد"، مبررا أنه "لم يكن باستطاعة أحد تجنب هذه الأعمال التخريبية على خطوط السكك الحديد".

بدوره، استنكر المستشار السابق كيلاني النقص الواضح في وسائل ضمان الأمن، لأنه لا يمكن حل الأمر بدورية أو اثنتين أو وجود رجال يرتدون الزي العسكري، وحتى الحواجز التي تُركّب في كل مكان تعيق حركة المرور، وتزيد من مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وتزيد من إزعاج الناس، على حد قوله.

كما يرى أن أي انتقادات أو سخرية من الألعاب الأولمبية على شاشات التلفزيون أو وسائل الإعلام الأجنبية في الأيام المقبلة فستكون دليلا قاطعا على انتكاسة الحكومة الفرنسية التي لطالما قدمت نفسها على أنها نموذجية، وعلى عدم قدرتها على ضمان أمن باريس نظرا للفوضى التي تشهدها اليوم.

أما على المستوى الوطني، فلا يعتقد كيلاني أنه سيكون من السهل خداع الفرنسيين إذا لم يظهر حفل الافتتاح بصورة جيدة، وتبرير ذلك بالهجوم على شبكة القطارات، لأن الشعب يدرك جيدا أن الدولة غير قادرة على تنظيم حدث بهذه الأهمية منذ زمن بعيد، وأنها ستلقي في آخر المطاف اللوم على جهة ما.

اتهامات داخلية وخارجية وفي الوقت الذي تتزايد فيه تنديدات المسؤولين بالتخريب الذي تكبدته شبكة القطارات الوطنية، ترتفع بعض الأصوات التي تضع روسيا في قفص الاتهام تارة، واليسار المتطرف تارة أخرى.

وفي السياق، يتساءل المستشار السابق بالخارجية: "لماذا هوجمت شبكة القطارات وليس المطارات أو الشرطة أو مراكز الكابلات الحكومية، وخاصة شركة النقل في باريس وإيل دو فرانس (RATP) التي سيكون تأثيرها أكبر بكثير لمنع حركة المرور داخل باريس؟".

ويستبعد كل من الجنرال السابق شوفانسي ومناف كيلاني اتهام نقابات العمال "سي جي تي"، والادعاءات القائلة إن لروسيا يدا في ما حدث اليوم ضمن حرب هجينة يقودها الكرملين، لكنهما يعتبران أن اليسار المتطرف يبقى ممثلا محتملا لهذا الهجوم، لأنه لا يتردد في استخدام العنف ولا حدود له.

ويرى شوفانسي أن السؤال الذي يجب طرحه هو: "هل يعيد التاريخ نفسه ونشهد ما حدث في حقبة السبعينيات مع عصابة أباديري وفصيل الجيش الأحمر في ألمانيا وفرنسا، التي كانت حركات يسارية متطرفة ومناهضة للرأسمالية، مدعومة من اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية؟".

وتابع الجنرال السابق قائلا "لا أصدق مساعدة روسيا لهؤلاء اليساريين المتطرفين على تنفيذ أعمال تخريبية قبيل حفل الافتتاح، لكن كل الاحتمالات تبقى واردة في الوقت الراهن".

وأضاف أنه يلاحظ أن التحقيقات الجارية الآن هي تحقيقات قضائية ولا تخص إدارة مكافحة الإرهاب، "وذلك يعني أن الفرضية الأولى لوجود فاعل وطني هي بالفعل أكثر ترجيحا وفقا لتحليلاتنا ولمعطيات السلطات".

الوكالات      |      المصدر: الجزيرة    (منذ: 1 أشهر | 8 قراءة)
.