الاستجمام ينعش "قوارب أبي رقراق" .. قطع خشبية تحمل آمال 72 أسرة

قف على ناصية وادي “بورقراق” في الشتاء وفي الصيف وسيبدو لك هذا المشهد الذي تراه هسبريس، وهو أن هذه القوارب الصغيرة لا تتوقّف حركتها.

هذه الفترة بالذات هي أكثر أوقات السنة ذروة؛ إنها العطلة التي كانت دوماً مصعداً لجرعة “تجريب” العاصمة كوجهة صيفيّة، فترتفع بالتبع أعداد الراكبين في “فلوكات مارينا”.

قاربٌ تلو الآخر يغادر النقطة نفسها تباعاً، إما عبوراً للوادي أو جولةً في مياهه؛ زقزقة الطيور وأصوات الصغار والصراخ: “خويا غاتقطع”؛ “ختي قاطعين”، “شي ضويرة”… عبارات تؤثث معجم هذا الفضاء المائي حصراً، وتخلق مشهداً “لا يألفه” المهنيون سوى في الصيف.

لا يشبه هذا الفصل الحار فصل الخريف أو الربيع في هذه الرقعة من الرباط.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} تنزل هسبريس إلى الوادي، فتراقب المهنيين وهم يصرخون لتدبير فرص تحرّك كل منهم: “شكون لي فيه النوبة؟ زيد نتا”.

يتحدثون إلى بعضهم أمام الناس بأريحيّة.

كيف لا وهم يؤكدون في تصريحاتهم أنهم “يملكون شيئاً نفيساً صار في بعض الثقافات مهملاً: الفلوكة؟”.

إنهم يعتبرون أنفسهم “عنصراً محوريّا في تدوين حكاية السياحة الشاطئية بالعاصمة”.

72 قاربا في المجموع، ما يعني “قوت 72 عائلة” كما يقول المهنيّون، تتوزع إلى أربع مجموعات، كلّ 18 قارباً يتحرّك في نقط حيويّة، ولا يتعدّى الحدود المبدئية التي جرى تحديدها بين المهنيين.

لا تشتغل كل القوارب دفعة واحدةً، ولذلك تنقسم إلى قسمين: 36 قارباً في اليوم والـ36 الأخرى في اليوم الموالي.

هكذا نظّم هؤلاء أنفسهم.

وبخصوص الأثمنة، فالمهنيون يعتبرونها “معقولة” و”زهيدة”.

عبور الوادي يتطلب دفع درهمين ونصف درهم لكلّ شخص، فيما تحتاج الجولة القصيرة 50 درهماً، حيث يتمّ اكتراء القارب بشكل فردي أو عائلي.

وأما الجولة ذات المسافة المتوسطة، فمقابلها هو 80 درهماً، بينما تحتاج الجولة “الأطول” مسافةً داخل المياه ذهاباً وعودةً 120 درهماً، وفق ما تم توضيحه لهسبريس.

“فترة حيوية” محمد محان، أمين إحدى المجموعات الأربع، قال إن “هذه الفترة من السنة هي كلّ ما يرجوه العاملون في هذه القوارب؛ فهي التي توفّر ما يمكن أن يعتبر فائضاً ماديا يدبّر شهور الكساد التي تنطلق بعد نهاية الصيف”، موضحاً أن “المهنة تعرف صعوبات كبيرة، خصوصاً وأن بقيّة فصول السنة تكون راكدة بشكل معروف”.

وانتهز “أمين الحْنطة” الفرصة لكي يدعو إلى معاينة هذه الطفرة التي تعرفها حركة القوارب والقيام بالتالي بتوفير كافة التجهيزات التي تليق بهذه الخدمة التي ترسم مشهد الرباط في عيون أبنائها وساكنيها، لاسيما الإنارة وتعزيز تواجد رجال الأمن على مستوى هذه النقطة، خصوصا ليلاً”، مبرزاً أن “الأمر سيساعد في مقاومة حالات السقوط داخل الماء التي نسجلها ليلاً”.

من جهته، قال سعيد، وهو أحد أرباب القوارب الذين يؤمنون العبور بين ضفتي نهر أبي رقراق، إن “تدخل الملك محمد السادس وتوفير قوارب جديدة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ساهم في تأهيل هذه الخدمة التي صارت معروفة على الصعيد العالمي وتلقى إقبالاً كبيراً من طرف المغاربة والأجانب وأبناء الجالية كلّما قدموا للرباط”.

وأضاف “الفلايْكي” ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “العرض متنوع بين العبور والجولات”، و”الأثمنة مناسبة”، لافتاً إلى وجود إقبال كبير في الصيف على القوارب لكون شعبية العبور على متنها كتجربة تعد مثيرة وشيقة، معتبراً في هذا السياق “القوارب من تراث المدينة، وكل من جاء إلى العاصمة أو جارتها سلا ولم يركبها، فرحلته يمكن أن تكون أقلّ إغراءً”.

“تحديات مطروحة” مصطفى القدوري، بحري سابق، قال إن “تهيئة ضفتي أبي رقراق وفرت للفلايكية جوا مناسباً للعمل”، مسجلاً أن الأمور انتقلت الآن من فضاء مؤهل بالكامل للقيام بهذه المهمة التي تخص تأمين العبور إلى ضرورة أن يكون هذا الدور معززاً بالضمان الاجتماعي وصندوق يخصّ المهنيين ليضمن لهم الاستدامة ويحميهم في أواخر عمرهم”.

وشدد المتحدث على أن توفير تصور اجتماعي عمومي يساهم أيضاً في التصدي لبقية أشهر السنة “الصامتة” حيث لا يُسمع صوت المجاديف وسط النهر، معتبراً أن “الحماية أيضاً لا بد أن تتوفر لهذه الخدمة، فأبو رقراق صارت لديه سمعة وطنية، ولكنه يحتاج الأمن وخلق نقط للشرطة وتكثيف دوريات الأمن، لكوننا في فصل الصيف ويجب أن يشعر كل من يقصد الشاطئ بأنه آمن”.

وقبل مغادرة الفضاء، التقت هسبريس نور الدين صبري، وهو أمين إحدى المجموعات الأربع، الذي سجل بدوره أن يونيو ويوليوز وغشت وأوائل شتنبر “مرحلة ذهبية”، مشددا على الدينامية التي تعرفها مياه النهر بكثرة عمليات التجديف التي لا تتوقف، خصوصاً بعد السادسة مساء من كل يوم، تحديداً حين يبدأ الناس بالخروج من منازلهم.

ولفت المتحدث إلى أن “القطاع مازال مهمّشاً ويحتاج المزيد من العناية، لاسيما من خلال ضمان تدبير أفضل عبر خلق قاعة لبقاء المهنيين في هذه النقطة، وهي قاعة يمكن أن تساعدهم في عقد اجتماعاتهم اليومية قبل انطلاق العمل وتجعل التنظيم المهني مهيكلا، فضلاً عن كون المهنيين يحتاجون بدلة موحدة ليكون اللباس متسقا”.

ونادى المهنيّ في ختام كلمته بـ”العناية من طرف السلطات بهذه القوارب”، التي تعدّ، بحسبه، الوسيلة الوحيدة لعبور الراجلين إلى الضفة الأخرى من الوادي، سواء من الرباط أو سلا، خاتماً بأن هذه “الفلوكا” وجودها تعدى قرونا عديدة وصارت تدخل بالفعل ضمن التراث الثّقافي المحلي للمدينتين معاً.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 1 أشهر | 12 قراءة)
.