هل هناك "منافسة" بين مهرجان العلمين في مصر وموسم الرياض في السعودية؟

صدر الصورة، Elalamein Festival 2024 عندما تشاهد الحملة الترويجية لمهرجان العلمين في مصر، سواء على الموقع الرسمي للمهرجان، أو على غالبية القنوات المحلية المصرية، سيلفتُ انتباهك حتماً أحدُ الشعارات الذي يصف المهرجان بأنه "أكبر حدث ترفيهي في الشرق الأوسط".

ويقام مهرجان العلمين في مدينة العلمين الجديدة على ساحل البحر المتوسط شمال غربي مصر، بعد أن تحولت المدينة من أحد أكبر حقول الألغام في العالم إلى مدينة سياحية جديدة.

وقد بدأت الدورة الثانية لهذا المهرجان في 11 يوليو/تموز الجاري، ويستمر حتى 30 أغسطس/آب، ويتضمن أنشطة فنية وترفيهية ورياضية، تحت رعاية وتنظيم الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التابعة للدولة المصرية، والتي توصف بأنها تهيمن على الفضاء الإعلامي والفني في مصر حاليا.

وبثت وسائل إعلام مصرية دعاية هائلة لهذا المهرجان، وحرصت العديد من الوزارات والهيئات الرسمية على الترويج له باعتباره "مهرجانا تنمويا" وليس مجرد مهرجان ترفيهي، بالإضافة إلى تقديمه كرمز لنجاح المشروعات التنموية في مصر وما يتعلق بها من استثمارات وفرص عمل في قطاعات مختلفة.

كما أبدى منظمو الدورة الثانية للمهرجان اهتماماً واضحا بالقضية الفلسطينية في ظل الحرب الدائرة في قطاع غزة، من خلال الإعلان عن تخصيص 60 في المئة من أرباح المهرجان "لصالح أهلنا في فلسطين"، وكتابة ذلك أسفل الشعار الرئيسي للمهرجان.

كما انطلق المهرجان بالرقصة الفلسطينية الشعبية الشهيرة، والإعلان عن إنتاج أغنية مخصصة لـ "دعم فلسطين"، وفقا لإدارة المهرجان.

قصص مقترحة نهاية وفي خضم الاحتفاء الكبير بهذا الحدث الضخم، يطرح البعض تساؤلات حول الهدف من المهرجان، وهل هو محاولة مصرية لاستعادة "الريادة" في مجال الثقافة والفن والترفيه، في ظل حديث غير مباشر يتردد على ألسنة البعض، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي عن وجود "منافسة" بين هذا المهرجان وموسم الرياض الذي تنظمه هيئة الترفيه في المملكة العربية السعودية والذي يحرص على جذب أشهر نجوم المنطقة العربية والعالم، في المجالات الفنية والرياضية.

صدر الصورة، Getty Images شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك الحلقات يستحق الانتباه نهاية يستمد المهرجان اسمه من مدينة العلمين التي كانت ساحة لإحدى أهم معارك الحرب العالمية الثانية، وأسهمت في حسم الحرب لصالح الحلفاء بعد هزيمة الألمان بقيادة روميل.

ويوجد بها متحف عسكري ومقابر ضخمة لرفات آلاف الجنود من جنسيات كثيرة قتلوا في هذه المعركة.

وكانت المنطقة، التي تتبع محافظة مطروح، تضم أحد أكبر حقول الألغام في العالم، والذي أقامه الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية لمنع تقدم الألمان واحتلال مصر، وظلت لعقود منطقة مهجورة، إّلا من مدينة صغيرة يسكنها عدد محدود من السكان.

وقررت الحكومة قبل عدة سنوات تطهير حقل الألغام واستغلال هذا الموقع المميز للمنطقة على ساحل البحر المتوسط، وإنشاء واحدة من أحدث المدن الجديدة، والتي أعلن عن افتتاحها رسميا في عام 2018.

وتبلغ المساحة الإجمالية للمدينة الجديدة حوالي 48,130 ألف فدان، وتنقسم إلى ثلاثة قطاعات، قطاع تاريخي، وآخر سكني، وثالث سياحي، ويبلغ عدد السكان المستهدف للمدينة حوالي 2 مليون نسمة، بحسب بيانات رسمية.

وقال محمد مندور، المستشار السابق لوزارة الثقافة المصرية والباحث في التاريخ، لبي بي سي عربي: "منطقة العلمين لها شهرة عالمية وتاريخية، وتُدرس في كل المناهج التعليمية في العالم، كونها شهدت بداية النهاية للحرب العالمية الثانية، لذلك كان على مصر استغلال هذه الشهرة في بناء المدينة الجديدة".

وكان الناقد الفني طارق الشناوي، وهو عضو مجلس أمناء مهرجان العلمين، قال في تصريحات سابقة لبعض القنوات المحلية، إن هذا المهرجان يبرز "التنوع الثقافي الذي يعد مصدراً لقوة مصر الناعمة"، كما أنه "يعيد تقديم هذا التنوع بشكل جديد وأكثر جذبا".

كما يرى مندور أن مهرجان العلمين يعد محاولة مصرية "لإعادة اكتشاف الذات، والتأكيد على الريادة السياحية والثقافية لمصر بوصفها قبلة للفن والثقافة في الشرق الأوسط".

وهناك أهداف أخرى استراتيجية لمصر من إقامة هذا المهرجان في مدينة العلمين، كما يقول محمد مندور، المستشار السابق لوزارة الثقافة المصرية، في حديثه لبي بي سي، تشمل المنافسة في مجال السياحة الترفيهية، وخاصة "أمام منتجعات أوروبية شهيرة، مثل سردينيا في إيطاليا، ونيس والريفيرا في فرنسا، وكذلك منتجعات اليونان".

ويضيف مندور أن مصر "يمكنها أن تكون وجهة جذب سياحي كبيرة انطلاقا من هذه المنطقة لتستقطب هواة الترفيه والسياحة الفاخرة، مثل سياح اليخوت من أثرياء أوروبا".

صدر الصورة، Getty Images لكن حتى مع وجود هذه الأهداف الاستراتيجية لمهرجان العلمين، ومع الأنشطة الترويجية الضخمة لهذا المهرجان، لا يمكن إغفال وجود نوع من المنافسة على تحقيق ريادة فنية وترفيهية في المنطقة، وخاصة في ظل الترويج الضخم لموسم الرياض أيضا في المملكة العربية السعودية، والذي يحرص على استضافة أبرز مشاهير الفن والغناء والترفيه، عربيا وعالميا.

وعن حقيقة هذه "المنافسة" المصرية-السعودية في مجال الفن والترفيه، يقول محمد مندور إن التنافس الفني والثقافي "أمر وارد وإيجابي في أحيان كثيرة"، ويؤكد أن السعودية تدرك أهمية مصر كسوق مهم في صناعة الترفية، وتسويق ما سوف تنتجه من أفلام ومسلسلات ومسرحيات، كما أنها تدرك قيمة وأهمية الفنانين والمثقفين المصريين في كل المجالات، وأشار إلى مشاركة موسم الرياض في رعاية مهرجان العلمين.

وأضاف مندور أن الهيئة العامة للترفيه تسعى للدخول بقوة إلى السوق المصري، سواء في السينما أو الغناء أو الدراما والفن بصورة عامة.

ويأتي مهرجان العلمين قبل نحو شهرين من انطلاق موسم الرياض الذي تنظمه هيئة الترفيه في المملكة العربية السعودية، والتي تسعى إلى تحويل المملكة إلى قبلة للسياحة والترفيه وصناعة الفن والثقافة، من خلال الأنشطة التي ستشهدها النسخة الجديدة للموسم في أكتوبر/تشرين الأول 2024.

وتأسست الهيئة العامة للترفيه في عام 2016، برئاسة المستشار تركي آل الشيخ، وهو مُستشار في الديوان الملكي بمرتبة وزير، ومقرب من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

ومنذ ذلك الوقت، أصبحت المملكة أكثر اهتماما بتنظيم الحفلات والمهرجانات والعروض المسرحية ضمن "موسم الرياض"، الذي يقيم مئات الفعاليات الترفيهية على مدى شهور، بالإضافة إلى الأحداث الرياضية وسباقات "الفورمولا 1" والمصارعة الحرة، والجولف وغيرها.

وترصد السعودية ميزانية ضخمة لاستمرار هذا النشاط المكثف والمفتوح أغلب شهور العام.

وقد أنشات السعودية منذ سنوات قنوات أفلام ومنوعات متخصصة، مثل مجموعة قنوات روتانا، وقنوات إم بي سي، لتعزيز موقعها في صناعة الإعلام والفن، وإن كانت هذه القنوات تعتمد على كثير من الأفلام والأغاني المصرية، وحتى البرامج السياسية والحوارية التي يقدمها مذيعون مصريون، مثل عمرو أديب، وشريف عامر.

كما أنشأت السعودية منصات رقمية على رأسها منصة "شاهد"، التي تقدم أيضا مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية والدرامية المصرية، وبعدها أنشأت مصر منصة "ووتش إت"، التي تقدم أيضا أعمالا درامية وأفلاماً عربية عبر الإنترنت.

وكانت أنشطة تركي آل الشيخ على الساحتين الرياضية والفنية في مصر قد أثارت جدلا وتساؤلات على وسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات القليلة الماضية، وانتقد البعض ما سموه عملية "استقطاب" للمواهب الفنية والغنائية المصرية، وشمل ذلك إنتاج أفلام مثل "أولاد رزق 3"، وحتى منح الجنسية السعودية لبعض الفنانين، ومنهم الفنان الكوميدي محمد هنيدي.

صدر الصورة، Social Media ويقول محمد الزيات، المدير الإقليمي لمؤسسة اليمامة الصحفية السعودية ومركز الرياض للدراسات السياسية والاستراتيجية، لبي بي سي عربي، إنه "لا يوجد تنافس سياحي وترفيهي بين مصر والسعودية".

ويرى الزيات أنه يوجد "تكامل في الاستثمارات الفنية والثقافية، وأن السعودية تعرف قيمة مصر وقدرها الثقافي والفني وأيضا كسوق نشطة وجذابة للاستثمار السياحي والترفيهي والثقافي".

وأوضح أن هذه رؤية ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان نحو مصر، والذي قال عام 2018، "رأيت في مصر العمال يبكون في العمل على الأرض لاستعادة مصر القوية العظمى".

ويشير الزيات إلى أن النموذج الأوروبي في التكامل يمكن تحقيقه في المنطقة العربية أيضا، فالسائح في أوروبا ربما يحضر مباراة كرة قدم في العاصمة الإسبانية مدريد قبل أن ينتقل في نفس اليوم إلى لندن لحضور حفل للمغنية الإنجليزية أديل، ثم إلى إيطاليا لركوب قارب في مدينة البندقية التاريخية، حيث التكاملية والتنوع السياحي والترفيهي، وهو ما يمكن أن يحدث بين مصر والسعودية.

وأضاف الزيات أن هدف المملكة الاقتصادي من هذه الفعاليات وموسم الرياض هو تنفيذ رؤية المملكة 2030، وعدم الاعتماد على السياحة الدينية فقط، واستقطاب 100 مليون سائح إلى البلاد.

ويتوقع الزيات أن يسهم قطاع السياحة بما نسبته ستة في المئة من الناتج المحلي السعودي.

صدر الصورة، Getty Images وبحسب الموقع الرسمي لهيئة الترفيه السعودية، فإن هناك أهدافا تنموية واقتصادية من إقامة هذه الأنشطة، وموسم الرياض أحد أبرز هذه الروافد الاقتصادية.

ومنذ بدء انطلاقة هذا الموسم في عام 2019، وحتى العام الماضي 2023، ارتفع الدخل المباشر وغير المباشر الذي يدره تدريجياً من 4 مليارات ريال إلى حدود 6 مليارات ريال.

واستقبلت المملكة 109 ملايين سائح وافد ومحلي، وحصدت عوائد سياحية بلغت 250 مليار ريال في عام 2023، فضلاً عن توفير 913 ألف وظيفة بالقطاع السياحي، وفقا لموقع الهيئة.

ويؤكد مندور، المستشار السابق لوزارة الثقافة في مصر، على أن مصر "تسير بخطى ثابتة في تطوير قطاعاتها السياحية مثل السعودية"، وتعمل على استقطاب السائحين من خلال الأنشطة الثقافية، وتعزيز سياحة المهرجانات المختلفة.

ولذلك كان اللجوء لشركات متخصصة في هذا المجال من أجل الترويج الاحترافي والتنظيم الجيد، وخاصة مع إنشاء الشركة المتحدة للإعلام، من أجل إنتاج وتنظيم مثل هذه الأنشطة الثقافية والفنية التي تليق بسمعة مصر وتاريخها.

وبحسب الإحصاءات الرسمية، فقد حققت مصر أعلى معدل في أعداد السائحين الوافدين خلال النصف الأول من عام 2024، بلغ "7.

069 مليون سائح"، مما أسهم في تحقيق إيرادات قياسية بلغت "6.

6 مليار دولار"، وفقا لوزارة السياحة المصرية.

© 2024 بي بي سي.

بي بي سي ليست مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية.

الوكالات      |      المصدر: بي بي سي    (منذ: 2 أشهر | 8 قراءة)
.