"واقعة الكوفية" تثير تحذيرات من تفشي الكراهية والعنف عبر المواقع الاجتماعية

مقطع فيديو لا تتجاوز مدته دقيقة ونصف الدقيقة كان كافيا ليجد عميد كلية العلوم بن مسيك بالدار البيضاء نفسه وسط حملة رقمية واسعة، استهدفته نظير ما قال الواقفون وراءها إنه “خروجٌ عن شبه إجماع مغربي حول ما يحدث بغزة”.

ومنذ بثِّ الفيديو لأول مرة، جرى تداولُ صورٍ شخصية للعميد من قبل أفراد وضعوا أنفسهم في مقام “المدافعين عن القضية الفلسطينية”، عامدين بذلك إلى نشر تدوينات تتضمن خطابا وُصف بـ”التحريضي والمستهدف للأكاديمي ذاته”، في حين إن آخرين زعموا أنه “يرتبط أكاديميا بمعاهد عبرية”.

ولفت متحدثون لهسبريس إلى أن “هذه الحملات في حد ذاتها قاسية ولا تسمح بالتأسيس لثقافة الاختلاف والتعايش داخل المجتمع المغربي، ومرفوضة لكونها تشجع على استهداف الأفراد بطريقة مادية نظير أفكارهم ومعتقداتهم”، موردين أن “التهجم على الأفراد واستعمال معطياتهم الشخصية يحدان من حريتهم في التعبير التي تضمنها القوانين الوطنية والمبادئ الإنسانية”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} كما أبرزوا أن “الإحساس بسلطة مطلقة وغير مقيدة وبغياب الجزاء، هو ما يدفع كثيرين إلى التطبيع مع التجريح والتهجم والاستهداف الشخصي للأفراد على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي”، خالصين إلى أن “الحكماء في التعامل مع المواقف قليلون ونسبة من مستخدمي الإنترنت غير واعية، مما يستبعِد نجاعة المقاربة الأمنية لوحدها”.

الموساوي: سلطة رقمية واسعة بداية بسط جوانب هذه الإشكالية كانت مع إدريس الموساوي، أخصائي نفسي، الذي أكد أن “هذه الحملات العنيفة تعود إلى أن الأفراد على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي يعتبرون أنفسهم ذوي سلطة مطلقة تمكنهم من القيام بعدد من الأمور وإن كانت غير سليمة، بما فيها التعرض لأشخاص نظير ما ينشرونه ونظير أفكارهم الخاصة، وذلك في وقت يحسون فيه بأن العقاب أو الجزاء غير وارد”.

مصرحاً لهسبريس، ذكر الموساوي أن “الأفراد بالمواقع الرقمية عادة ما يعتبرون أنفسهم كذلك متملكين لقوةٍ خارقة وسلطة غير محدودة يمكن أن ينالوا بتوظيفها من حرية الأفراد الآخرين في التعبير وتهديد سلامتهم المادية والمعنوية”، مسجلا أن “هذه الظاهرة عالمية في الأساس وبدأت فيما سبق وستصاحبنا كذلك في المستقبل”.

كما بيّن أن “الأفراد الذين يتصرفون بحكمة في المواقف قليلون جدا، ولا يمكن أن يؤدي منح سلطة لأفراد غير واعين إلى جني نتائج إيجابية؛ فالسبب المتحكم في هذه المسألة هو غياب الجزاء في بعض الأحيان الذي يجعل الناس يُطبّعون مع العنف الرقمي، مما يؤكد الحاجة إلى سلطة رادعة ويلفت إلى أهمية مكافحة الأفكار ومناقشتها، وليس مكافحة واستهداف الأفراد”.

بولمقوس: عدم إيمان بالاختلاف أشرف بولمقوس، باحث في العلوم السياسية، أفاد بأن “هذا النوع من الحملات دائما ما نكون أمامه عندما نناقش قضايا تتعلق بحرية التعبير والفكر، أو عندما نتحدث عن بعض القضايا، بما فيها القضية الفلسطينية التي وإن كانت إنسانية بالدرجة الأولى إلا أن الدفاع عنها لا يعني إفساح المجال أمام خطاب تحريضي وعنيف يعصف بأبناء هذا البلد؛ فكل هذه الأمور تُبرز غياب ثقافة الاختلاف على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي تحديدا”.

وأكد بولمقوس، مصرحاً لهسبريس، أن “هذه الحملات تُستعمل فيها تقنيات مختلفة، بما فيها توظيف المعطيات ذات الطابع الشخصي والتأسيس لخطاب العنف والتحريض ضد فرد في حد ذاته، وهو ما يتنافى مع القوانين الوطنية الجاري بها العمل وقوانين حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي كذلك”، موردا أن “مواقع التواصل الاجتماعي وإن كانت توفر فرصة الانضمام للجميع إلا أنها في الآن ذاته، مع الأسف، أتاحت الفرصة لمتطرفين للترصد لشخصٍ نظير ما يعبر عنه أو ينشره”.

وجوابا على سؤال يتعلق بوسائل اجتثاث هذا النوع من الحملات، قال المتحدث إن “تحرك العناصر الأمنية المكلفة بالجريمة الرقمية لا يمكنه أن يكون الحل الرئيسي دائما؛ لأننا في بعض الأحيان نكون أمام حسابات وهمية تشكل ما يعتقد أنه رأي عام، بينما حلُّ هذه الإشكالية مرتبط بجوانب قانونية وتربوية واجتماعية وأساسية كذلك”، مؤكدا “عدم نجاعة القانون لوحده أمام شريحة واسعة لا تؤمن بثقافة الاختلاف”.

بوهدوز: خطابات خطيرة رشيد بوهدوز، ناشط مدني وسياسي، رأى أن “ما جرى مؤخرا هو فقط بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس؛ لكون الأمر يبقى واقعا يفرض نفسه ويؤسس لشيوعية فكرية، حيث إن رد الفعل كان خطيرا وعنيفا جدا وينطوي على خطاب الكراهية والتحريض على العنف والاستهداف المادي للأفراد، وهو ما لا يتناسب مع تيمة التعايش التي يُعرف بها المجتمع المغربي”.

بوهدوز الذي تحدث لهسبريس أورد أن “هذه الحملات الرقمية تضرب حرية الأفراد في التعبير على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكن لأي حملة منها أن تتحول إلى حادث مادي على أرض الواقع ضد فرد بعينه بعدما عبر عن رأيه بخصوص واقعة معينة”، مبرزا أن “تنظيمات متطرفة تستغل هذا النوع من الحملات من أجل تقوية أجندتها”.

وأشار المتحدث إلى أن “الخطاب التحريضي والاستهدافي بناء على الرأي أو الموقف، مرفوضٌ ومدان ولا مكان له لا على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي ولا على أرض الواقع كذلك، إذ إننا اليوم أمام عدد من الأطراف المجتمعية، من بينها سياسيون، لا يستطيعون التعبير عن رأيهم مخافة إجماع رقمي يترصدهم”، مؤكدا أن “الأمن من المفروض أن يتابع كل هذه التطورات”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 1 أشهر | 5 قراءة)
.