التغيرات الإقليمية ودبلوماسية المملكة تدفع إسبانيا إلى التشبث بصداقة المغرب

في اجتماع له مع الحكومة المحلية في مدينة مليلية، أمس الأربعاء، للاستماع إلى مطالبها بخصوص إعادة فتح الحدود الجمركية مع المغرب، دعا أنخيل فيكتور توريس، وزير السياسة الترابية والذاكرة الديمقراطية في الحكومة المركزية في مدريد، إلى إقامة أفضل العلاقات مع المملكة المغربية، مؤكدا في الوقت ذاته على أهمية الحفاظ على علاقات جيدة مع دول الجوار.

وأضاف المسؤول الحكومي الإسباني ذاته، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية، أن “تحسين العلاقات مع الجيران أمر أساسي بالنسبة للمناطق الحدودية”، مشيرا إلى الضغوط التي واجهتها بلاده ارتباطا بملف الهجرة إبان الأزمة الدبلوماسية مع المغرب على خلفية استقبال زعيم الانفصاليين فوق التراب الإسباني.

وبدا لافتا تأكيد مجموعة من المسؤولين السياسيين والأمنيين الإسبان، ومنذ اللقاء الذي جمع الملك محمد السادس ورئيس الوزراء بيدرو سانشيز في أبريل من العام 2022، على أهمية العلاقات مع الرباط في تدبير مجموعة من القضايا ذات الاهتمام المشترك والحفاظ على المصالح القومية لكلا البلدين، في وقت يؤكد فيه مهتمون أن المواقف البراغماتية التي تعبر عنها مدريد تجاه المغرب تجد لها تفسيرا في مجموعة من العوامل المرتبطة بتغير الخريطة السياسية في المنطقة وطبيعة المقاربات البناءة التي طرحها المغرب لحل مختلف القضايا الأمنية والسياسية الشائكة في هذه المنطقة.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} في تفسيره لطبيعة المواقف الإسبانية تجاه المغرب، قال سعيد بركنان، محلل سياسي، إن “إسبانيا تتجه، الآن، إلى خلق نوع من التوازنات الجيوستراتيجية مع دول الجوار في ظل تغيرات الخريطة السياسية التي تعرفها المنطقة الإقليمية”، مضيفا أن “مدريد، التي نجحت بصعوبة في امتحان انتخاباتها التشريعية الأخيرة، ترى في المغرب الاستثناء الوحيد الآن في المنطقة الإقليمية الذي يعرف نوعا من الوضوح السياسي على عكس باقي دول المنطقة الإقليمية أوروبا وإفريقيا التي تشهد تدافعا سياسيا؛ على غرار فرنسا وبريطانيا وبعض الدول المجاورة للمغرب”.

وأوضح المصرح لـ هسبريس أن “إسبانيا تعرف أن الخريطة الأمنية في شمال إفريقيا قد تتغير في أية لحظة، كما قد تتغير تبعا لها الخريطة السياسية في أوروبا؛ وبالتالي فإن حكومة هذا البلد على وعي سياسي واستراتيجي بأن ما وصلت إليه فرنسا الآن هو تبعا للنكسة الأمنية التي وقعت في دول الساحل- جنوب الصحراء وخروج باريس من مجالها الجغرافي التقليدي، وأن هذه الخريطة تتغير العديد من دول الجوار تبعا لتغير الفاعلين في أمن المنطقة الإقليمية”.

وخلص إلى أن “توجه مدريد إلى الحفاظ علاقتها بالمغرب له محدد يتمثل في امتلاك الرباط لمجموعة من أوراق القوة المتمثلة بدورها في الرؤية الاستراتيجية التي يضعها المغرب كحل لمشاكل المنطقة الإقليمية بطرح الحل الاقتصادي في المبادرة الأطلسية التي تشمل دول الساحل والصحراء، وكذلك مشروع أنبوب الغاز النيجيري المغربي المتجه لأوروبا؛ وهي مبادرات تعكس قوة المغرب وهو ما تستشعره إسبانيا التي تعتبر المملكة مدخلا سياسيا وأمنيا للقارة الإفريقية والمنطقة الاقليمية بحكم الحلول الاقتصادية التي طرحها للمشاكل الأمنية والسياسية والتي يسعى إلى تطبيقها على أرض الواقع”.

جواد القسمي، باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية، أورد أن “الموقف الذي عبر عنه الوزير الإسباني هو موقف براغماتي يعبر عن توجه عام للحكومة الإسبانية التي أدركت أن علاقات متوترة مع المغرب لا تثمر إلا الخسائر؛ فالمملكة المغربية بلد جار مباشر على خط ساخن، وهو بمثابة بوابة حيوية لأوروبا، وشريك لا محيد عنه في مكافحة الإرهاب، وأرض واعدة للاستثمار”.

وأشار القسمي إلى “طغيان العاملين الأمني والاقتصادي على باقي العوامل الأخرى المحددة لطبيعة التوجه الإسباني وحرص مدريد على الحفاظ على علاقات دافئة مع المغرب”، مضيفا أن “موقع هذا الأخير على الضفة الجنوبية لمضيق جبل طارق، وعلى مرمى حجر من الأراضي الإسبانية، يعد بلا شك عنصرا مهما وتحديا حقيقيا لإسبانيا وأوروبا في مسألة الهجرة ومكافحة الإرهاب، خاصة في ظل الدور الكبير والرائد للمغرب كدرع قوي في وجه التطرف والإرهاب دون أن نغفل الجانب الاقتصادي المتمثل في تموقع إسبانيا ضمن خارطة أهم المستثمرين في المغرب”.

وبين الباحث ذاته، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المغرب، في علاقته مع إسبانيا، استطاع، بفضل أوراق القوة التي يملكها، أن يجعل من نفسه شريكا لا محيد عنه، وتمكن من توظيفها بذكاء وفعالية وحنكة مراعيا مصالح كل الأطراف الأخرى، تحقيقا للمصالح والأهداف العليا للبلد، مؤكدا في الوقت ذاته على موقعه المتميز ضمن خارطة الدول المؤثرة في المنطقة والتي لا يمكن تجاوزها في أي ترتيب أمني أو سياسي أو اقتصادي يهم المنطقة”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 3 أيام | 4 قراءة)
.