تجديد الثقة في ولد الغزواني يضمن استدامة العلاقات بين المغرب وموريتانيا

أعيد انتخاب محمد ولد الغزواني لفترة رئاسية ثانية في موريتانيا إثر حصوله على أزيد من 56 في المائة من الأصوات، حسب النتائج التي أفرجت عنها اللجنة المكلفة بالانتخابات في هذا البلد، ليتفوق بذلك وبفارق كبير على أقرب منافسيه، الناشط الحقوقي المعارض بيرام الداه ولد اعبيد الذي حصد 22 في المائة من الأصوات، والمرشح الإسلامي حمادي ولد سيدي مختار الذي حل ثالثا.

وتنتظر الغزواني في عهدته الثانية مجموعة من الملفات والتحديات الكبرى، أبرزها التحدي الداخلي المرتبط بالارتقاء بالوضع الاقتصادي والتنموي للبلاد، خاصة أنه في برنامجه الانتخابي شدد على ثنائية الشباب والتنمية، إضافة إلى تحديات خارجية مرتبطة بتدبير علاقات بلاده مع محيطها الإقليمي في ظل التحديات الجيو-سياسية التي تواجهها المنطقة، ما بات يفرض، حسب مراقبين، على جميع الدول تعديل خيارات سياساتها الخارجية لتتناسب مع التغيرات التي يشهدها السياق الإقليمي والدولي.

في هذا السياق تبرز علاقات نواكشوط والرباط اللتين تجمعهما الجغرافيا والتاريخ ووحدة المصير، إضافة إلى الانتماء إلى مجموعة من المنظمات الإقليمية والدولية، على غرار الاتحاد الإفريقي واتحاد المغرب الكبير، إذ يمثل المغرب عمقا إستراتيجيا لموريتانيا، وهو ما يضمن حسب مهتمين استدامة العلاقات بين البلدين خلال الولاية الثانية للغزواني وتشبث بلاده بمواقفها تجاه القضايا المصيرية بالنسبة للمملكة، مع العمل على إدماج البُعد التنموي المشترك في هذه العلاقات.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} في هذا الإطار قال إدريس قسيم، أستاذ العلاقات الدولية بالكلية متعددة التخصصات بتازة، إن “العلاقة مع موريتانيا ظلت تنتمي باستمرار إلى دائرة الرهانات والأولويات المحورية في السياسة الخارجية للمغرب، فهي تشكل عمقا إستراتيجيا حيويا تفرضه حتمية الجوار الجغرافي ووجود منظومة من المصالح المشتركة؛ غير أن الحرص المغربي على الحفاظ على علاقات جيدة وإستراتيجية مع الجار الجنوبي لم يكن يقابله التوجه نفسه من قبل النظام الموريتاني”.

وأوضح قسيم أن “نواكشوط كانت تنزع نحو توظيف النزاع حول الصحراء المغربية وحالة الاستقطاب بين المغرب والجزائر من أجل تحقيق منافع كانت في كثير من الأحيان تبتعد عن دائرة المصالح المشتركة مع المغرب”، وزاد: “نشير في هذا السياق إلى الاعتراف بجبهة البوليساريو، وتبني ما سمي ‘الحياد الإيجابي’ في ملف الصحراء، واستقبال وفود الجبهة بشكل رسمي ومستمر”.

وشدد المتحدث ذاته على أن “هذه التوجهات الموريتانية لا يُتوقع أن تخضع لمراجعة بعد التجديد للرئيس ولد الغزواني، إلا أنه وجب التأكيد أن المملكة المغربية استطاعت أن تؤسس لبنية من العلاقات ومن المصالح الحيوية المشتركة المتسمة بالديمومة والاستمرار مع موريتانيا، إذ أضحى المغرب اليوم عاملا رئيسيا في تحقيق الأمن الغذائي للدولة الموريتانية، وهو بصدد إدماجها التدريجي والناعم في رؤيته وسياساته الإقليمية التي تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الجيوسياسية للدولة الموريتانية، مثل المبادرة الأطلسية”.

وخلص الأستاذ الجامعي ذاته، في ختام حديثه مع جريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن “كل هذه القضايا يتوقع أن ترتقي في سلم أولويات الرئيس الموريتاني وأجندته الخارجية في ولايته الجديدة، على اعتبار أنها باتت مرتبطة بمنظومة المصالح الحيوية للدولة الموريتانية أكثر من أي وقت مضى”.

تفاعلا مع الموضوع ذاته أورد إسماعيل أكنكو، باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية، أن “الانتخابات الرئاسية الموريتانية لم يكن يتوقع جل المتتبعين للأحداث السياسية بالمنطقة أن تأتي بجديد، على اعتبار أن الرئيس ولد الغزواني توغل في دواليب الدولة الموريتانية وخبر السياسة وفهم لعبتها في بلاده، ما أهله ليكون مرشحا قويا للظفر بكرسي الرئاسة للمرة الثانية، فضلا عن المتاعب القضائية التي واجهها منافسوه البارزون”.

وبخصوص العلاقات المغربية الموريتانية أكد أكنكو أنها “لا تخضع أبدا لمنطق تغير الزعامات السياسية بموريتانيا بقدر ما تنبني على المصلحة الفضلى لهذا البلد، التي أثبتت التجارب أنها تكون أكثر مع المغرب مقارنة مع دول أخرى، بالنظر إلى الجوار المشترك والمصالح الاقتصادية والأمنية والتحديات التي تواجه موريتانيا، وتساهم الرباط إلى جانب نواكشوط في ربح رهاناتها”.

ولفت المتحدث ذاته إلى أن “قضية الصحراء المغربية ظلت دوما في مقدمة القضايا التي تحظى باهتمام القوى الدولية الكبرى والإقليمية على حد سواء، ومن ضمنها موريتانيا التي بدأ موقفها يخرج من المنطقة الرمادية، إذ عبرت غير ما من مرة عن مناصرتها الشرعية الدولية في معالجة هذا الموضوع، ولو أن بعض الحوادث المعزولة عكرت صفو هذا الموقف، خاصة مع استقبال بعض المسؤولين في التنظيم الانفصالي؛ غير أن ذلك لن يعيق مسار تطوير موقف موريتانيا في اتجاه الإقرار الصريح بجدية ومصداقية مقترح الحكم الذاتي كحل لهذه القضية”.

كما بين المتحدث لهسبريس أن “منطق المصلحة هو الذي يحكم الخلفيات التي تنطلق منها مواقف موريتانيا، وهو توجه سائد في نظرية العلاقات الدولية، والمؤكد في حالة نواكشوط أنها لن تساير الأهواء الجزائرية، خاصة في موضوع التكتل المغاربي المُقزم الذي ولد ميتا، ولن تتوانى لحظة واحدة في الدفاع عن مصلحتها التي تكمن في النظر إلى الواقع وعدم القفز عليه مع استخلاص الدروس والعبر من المراحل الماضية”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أيام | 8 قراءة)
.