في ذكرى 30 يونيو| مصطفى بكري يرصد أسرارَ أخطر عشرة أيام في تاريخ مصر (5).. لحظات الحسم

في ذكرى 30 يونيو| مصطفى بكري يرصد أسرارَ أخطر عشرة أيام في تاريخ مصر (5).. لحظات الحسم

أحد عشر عامًا مرت على ذكرى ثورة الثلاثين من يونيو، هذه الثورة العظيمة التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان الإرهابية، وكانت بدايةً لتحرير البلاد وإنقاذها من أتون الحرب الأهلية التي كادت تعصف بكل شيء.

أحداث جسام، تطورات خطيرة، وقائع عديدة، عاشتها مصر، منذ وصول جماعة الإخوان الإرهابية إلى سدة الحكم في البلاد، حالة من الفوضى والانقسام، والأزمات المتتالية التي باتت تهدد وجود الدولة من الأساس.

.

حتى وصف المصريون هذه الفترة بأنها من أشد فترات التاريخ الحديث «ظلامية وسوادًا».

عمَّتِ التظاهرات البلاد رافضةً حكم الإخوان، منذ البدايات الأولى لوصولهم إلى السلطة وممارساتهم المعادية للجميع، وسعي الإخوان في المقابل إلى فرض سطوتهم وجبروتهم بهدف كسر إرادة الجماهير وتركيع مؤسسات الدولة لتصبح تابعة لمكتب الإرشاد، تأتمر بأوامره، وتنفذ تعليماته.

وقد كان انحياز الجيش المصري للثورة هو العامل الرئيسي في تحقيق أهدافها، وإعادة بناء الدولة على أسس دستورية وقانونية، حيث التزم القائد العام للجيش في هذا الوقت الفريق أول عبد الفتاح السيسي بتنفيذ خارطة الطريق التي أعلن عنها في الثالث من يوليو وجرى بمقتضاها تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور رئيسًا مؤقتًا للبلاد، ثم جرى وضع دستور والاستفتاء عليه، ثم انتخاب حر لرئاسة الجمهورية، ثم انتخابات مجلس النواب، ثم بدء مشروع النهضة والبناء الذي تحقق على يد القيادة السياسية، في الفترة من 2014 إلى 2024، وبالرغم من التحديات الجسام التي عاشتها مصر ولا تزال، فإن وحدة الشعب المصري خلف القيادة كانت من أهم عوامل النجاح، حيث تكاتفتِ الجهود الشعبية والتنفيذية لإنجاز آلاف المشروعات التي ستظل شاهدًا على إرادة المصريين وعزمهم.

وقد تحمَّل الكاتب والبرلماني المصري، مصطفى بكري، مسئوليةَ التأريخ لهذه الفترة بكل أمانة وموضوعية، فأصدر العديدَ من الكتب المهمة التي رصدت أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير وما بعدها، فأصدر كتب: «الجيش والثورة»، و«الجيش والإخوان»، و«سقوط الإخوان»، و«الصندوق الأسود لعمر سليمان»، وغيرها.

وفي ذكرى الثلاثين من يونيو، تنشر «الأسبوع»، بعضَ ما رصده الكاتب الصحفي مصطفى بكري، في كتابه الصادر عن دار «سما» للطباعة والنشر بعنوان «ثورة 30 يونيو - الطريق إلى استعادة الدولة».

كتاب «ثورة 30 يونيو - الطريق إلى استعادة الدولة»5 - لحظات الحسمكانتِ الإدارة الأمريكية تتابع الموقف عن «كثب»، وكانتِ السفيرة «آن باترسون» ترسل بتقاريرها إلى وزارة الخارجية، ترصد فيها الأحداث، وتطلب من إدارتها ضرورة التدخل السريع لإنقاذ حليفهم «محمد مرسي» وجماعته من الانهيار.

وفي ضوء تطورات الأحداث، ونُذُرِ الحرب التي بدأت تدق على الأبواب، أصدرتِ الخارجية الأمريكية في هذا الوقت بيانًا مهمًّا أعربت فيه عن قلقها البالغ إزاء الأحداث في مصر، وقالتِ المتحدثة باسم الوزارة «جنيفر ساكي»: «إننا قلقون للغاية إزاء ما نراه على أرض الواقع في مصر، وندرك أن هذا وضع متوتر للغاية ويتحرك بسرعة».

وقالتِ المتحدثة «إننا نراقب الموقف عن كثب شديد، وما زلنا نعتقد أنه بطبيعة الحال فإن الشعب المصري يستحق حلاًّ سياسيًّا للأزمة الحالية، وإن الخطاب الذي ألقاه مرسي الليلة الماضية خلا إلى حد كبير من خطوات محددة، وقد قلنا إنه يجب أن يفعل أكثر من ذلك ليكون حقًّا مستجيبًا ومعبِّرًا عن دواعي القلق المبرَّرة التي أعرب عنها الشعب المصري، ومما يؤسف أن ذلك لم يكن جزءًا مما تحدث عنه الخطاب».

وأكدتِ المتحدثة الأمريكية «أن الرئيس «أوباما» ووزير الخارجية «جون كيرى» وآخرين، قد نقلوا لنظرائهم أنه من المهم للرئيس مرسي الاستماع إلى الشعب المصري واتخاذ خطوات للتعامل مع جميع الأطراف».

كانتِ الاتصالات السرية تتواصل بين السفيرة الأمريكية وقادة مكتب إرشاد الجماعة للوصول إلى حل يقطع الطريق على الثورة الشعبية المتوقعة في 30 يونيو، وكان لدى السفيرة «آن باترسون» معلومات تقول إن الجيش لن يقف مكتوف الأيدي.

كانتِ المعلومات التي بعثت بها آن باترسون إلى الخارجية الأمريكية تؤكد أن مرسي قرر اتخاذ إجراءات استثنائية ضد جميع معارضيه، وأن ذلك من شأنه أن يزيد الأوضاع اشتعالاً ويعجِّل بالصدام مع الشعب ومؤسسات الدولة المختلفة، وأنه قرر تحدي الجيش، وعدم الاستجابة للتحذير الذي وجهه الفريق أول عبد الفتاح السيسي والذي أعطى مهلة السبعة أيام، لإنهاء الأزمة والاستجابة لمطالب الشعب.

كان مكتب الإرشاد قد عقد اجتماعًا بعد الخطاب بساعات قليلة، تم فيه مناقشة السيناريوهات المتوقعة في الثلاثين من يونيو، وقد أجمع كافة الحاضرين، على أن المظاهرات ستكون محدودة، وأن الجيش سيظل على حياده، وأن على الجماعة أن تتحمل كافة الاستفزازات دون صدام لحين حلول شهر رمضان، الذي سيأتي بعد أيام قليلة، ومن ثم سينصرف كلٌّ إلى حال سبيله، وبعدها تبدأ تصفية الحسابات مع الجميع.

في السابع والعشرين من يونيو استقبل الرئيس مرسي وزير العدل المستشار أحمد سليمان ومعه المستشار حاتم بجاتو (وزير الدولة لشئون المجالس النيابية)، حيث نقلا غضب القضاة وثورتهم، ورفضهم للاتهامات التي وُجهت إليهم.

وكان من رأي المستشار حاتم بجاتو محاولة استيعاب الموقف، والتوقف عن أي إجراءات انتقامية ضد القضاة.

السفيرة الأمريكية آن باترسونأما وزير العدل أحمد سليمان، فقد قال لـ مرسي: «أرجو أن تُصدر توضيحًا تؤكد فيه على احترام القضاء»، وقدم له صيغة بيان، تحمل توضيحًا أكثر من كونه يحمل اعتذارًا.

كان د.

أحمد عبد العاطي (مدير مكتب مرسي) حاضرًا هذا اللقاء، فأمسك بالورقة المُعَدة، وقام بتمزيقها أمام الحاضرين، ووجَّه كلامه لـ مرسي بالقول «لا تقدم أي توضيح يا ريس، ومَن يرِد أن يضرب رأسه في الحائط فليفعل».

لم يعلِّق مرسي على الأمر، وكان وزير العدل مذهولاً من هذا التصرف، واضطر للانسحاب ومعه المستشار حاتم بجاتو، واكتفى بأن قدم لـ مرسي أسماء المرشحين للنيابة العامة وهيئة قضايا الدولة لإصدار قراره في ذلك.

وجاء يوم الجمعة، الثامن والعشرين من يونيو 2012، حيث بدأتِ الجماهير تزحف إلى ميدان التحرير وقصر الاتحادية ووزارة الدفاع والعديد من المواقع بالمحافظات الأخرى.

لقد احتشد مئات الآلاف، الذين راحوا يطالبون بعزل مرسي عن الحكم وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وكان المشهد في ميدان التحرير ينذر بثورة كبرى، لقد امتلأ الميدان عن آخره بالمصريين الغاضبين من حكم الإخوان، رفعوا صور الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام وطالبوه بالتحرك السريع وحسم الأمر.

في هذا الوقت كنت أتنقل بين أماكن التجمعات، وفي المساء كنت أطل من شاشات الفضائية لأضم صوتي لأصوات آخرين تدعو للحشد في يوم الثلاثين من يونيو.

لقد أثار مشهد الثامن والعشرين من يونيو قلقَ جماعة الإخوان وحلفائها، لذلك دعا خيرت الشاطر إلى اجتماع عاجل لمكتب الإرشاد في ذات اليوم، واستمر الاجتماع لفترة طويلة، حيث تمت إعادة دراسة الموقف من جديد، وتقرر دعوة قيادات كافة الأحزاب والقوى الإسلامية إلى اجتماع مع الرئيس مرسي فى التاسع والعشرين من يونيو، أي قبل انطلاق المظاهرات الكبرى بيوم واحد.

خيرت الشاطركان محمد مرسي قد أوقف عمله في قصر الاتحادية ابتداء من 26 يونيو، وقرر الانتقال هو وأسرته إلى قصر القبة في هذا الوقت، واستمر في قصر القبة حتى الثلاثين من يونيو، ثم نصحه الحرس الجمهوري بالانتقال إلى دار الحرس الجمهوري والبقاء فيها.

وقبلها، كانت قد اندلعت معارك ضخمة في الشرقية بين الإخوان والأهالي، قُتل فيها طالب إخواني وأصيب العشرات، وامتدتِ المعارك إلى المحلة والمنصورة، وتم خلالها حرق العديد من منازل الإخوان الذين راحوا يشعلون نار الفتنة ويحرِّضون ضد المتظاهرين من أبناء الشعب المصري.

وفي نفس الوقت، كنت على قناة «العربية» في تمام الساعة السابعة مساء، وهناك التقاني عمرو زكي (القيادي الإخواني وعضو مجلس الشعب السابق)، وراح يسألني.

.

لماذا التجني على الإخوان؟، وبعد نقاش طويل، راح يقول «فعلاً مرسي وقع في أخطاء كبيرة، ولكن هذه الهوجة ستنتهي، وسنصحح الأخطاء»!!وفي هذا اليوم أصدر النائب العام قرارًا بالقبض على الإعلامي توفيق عكاشة، وتم تكليف الشرطة لتنفيذ القرار، إلا أن أحد ضباط الشرطة أبلغ عكاشة بأن يخرج من مدينة الإنتاج الإعلامي سريعًا لأن هناك أمرًا بالقبض عليه، ويجب ألا يضعهم في حرج شديد.

.

وبالفعل، دخلتِ القوة إلى مقر قناة الفراعين، بينما كان توفيق عكاشة يمضي بسيارته خارجًا من مقر القناة، دون أن يعترضه أحد، بينما تم قطع الإرسال بشكل نهائي من القناة وتوقف البث.

وفي ظهيرة الثامن والعشرين من يونيو، كانتِ المظاهرات والاشتباكات تتزايد، وتنتقل من مكان إلى آخر، بسرعة مذهلة، أسفرت عن قتلى وجرحى، وحرق لمقرات حزب الحرية والعدالة في الإسكندرية والمنصورة والمحلة، وقد اقتحمت قوات الشرطة في هذا اليوم مقر حزب الحرية والعدالة في منطقة سيدي جابر بالإسكندرية وألقتِ القبض على عدد من عناصر جماعة الإخوان، وكان بحوزتهم أسلحة آلية، مما أثار غضب مرسي وجماعته ضد الشرطة وضد وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم.

توفيق عكاشةوفي هذا الوقت ذهب أيمن هدهد (المستشار الأمني للرئيس ومسئول الاتصال بين الرئاسة والداخلية) إلى مقر الوزارة، وراح يهدد ويتوعد متهمًا الشرطة بتجاوز القانون والتواطؤ مع المتظاهرين.

وكتبت في هذا اليوم مقالاً في جريدة الوطن حمل عنوان «أكاذيب خطاب الوداع» وتنبأت فيه بسقوط مرسي ورحيل الإخوان.

وفي المساء كان لي لقاءات مع جمال عنايت في قناة أوربت وقناة الحياة وغيرهما من القنوات، طالبت فيها بالخروج للتظاهر وإسقاط حكم الإخوان في الثلاثين من يونيو.

ظلت أعداد المتظاهرين تتزايد، وصمم الكثيرون على النوم في الشوارع والميادين، كانتِ التوقعات تتزايد بقرب سقوط النظام ورحيل مرسي، وكان الكل يعُد أنفاسه انتظارًا للحظة الفاصلة، وفي تمام الثانية عشرة من مساء ذات اليوم، جاءني المخرج خالد يوسف لمقابلتي بالقرب من مسكني في مدينة أكتوبر، حيث التقينا بفندق نوفتيل، وقد جاء خالد يوسف مبعوثًا إليَّ من قيادات جبهة الإنقاذ لأخذ رأيي في تشكيل لجنة للتفاوض حول مطالب الشعب المصري، وقال إنه يحمل إليَّ رسالة من البرادعي وحمدين صباحي في هذا الشأن.

وقال خالد يوسف «إنه تم الاتفاق على تشكيل لجنة من البرادعي واللواء أحمد رجائي أحد القادة العسكريين السابقين، ود.

محمد أبو الغار»، وقد طلبت في هذا الوقت من خالد يوسف أن يبلغ رأيي الذي يطالب بضم المستشارة تهاني الجبالي ومحمود بدر (مؤسس حركة تمرد) إلى اللجنة، وقد تحدثنا أنا وحمدين صباحي هاتفيًّا، فاعترض على «محمود بدر» ووافق على ضم المستشارة تهاني الجبالي إلى اللجنة، باعتبار أن ضم محمود بدر يمكن أن يثير خلافًا بين بعض الشباب، وقال لي إن مهمة هذه اللجنة هي فقط التفاوض شريطة ألا يُرشَّح أعضاؤها للرئاسة أو مجلس الشعب.

وتحدثنا سويًا أنا وخالد يوسف في سيناريو أحداث الثلاثين من يونيو، وكان لدينا تفاؤل كبير بنجاح الثورة وإزاحة حكم الإخوان.

• • •في التاسع والعشرين من يونيو، عقد (الرئيس) مرسي اجتماعًا مع قادة وممثلي الأحزاب الإسلامية المختلفة في قصر القبة وهي: الحرية والعدالة، النور، البناء، التنمية، الراية، الوسط، الوطن، العمل الجديد، الحزب الإسلامي، الأصالة والفضيلة، التوحيد العربي، وحزب الإصلاح السلفي.

كان محمد مرسي يبدو قلقًا في هذا الاجتماع من الأحداث المتوقعة في الثلاثين من يونيو، خاصة أن كثافة المظاهرات الحالية في الشارع لا تعطي أي مؤشرات إيجابية على أن الأمور ستمضي في طريقها الطبيعي، ومع ذلك حاول التماسك أمام الحاضرين، مؤكدًا أن المظاهرات المنتظرة حتمًا ستفشل.

وعندما طالبه بعض الحاضرين بضرورة اتخاذ عدد من الإجراءات التي يمكن أن تهدئ من غضبة الشارع المصري، وتُفشل المخطط، قال لهم بكل ثقة «لا تخافوا، سيلقون هزيمة شنعاء على أيدينا جميعًا إن شاء الله».

كان مطلب محمد مرسي من خلال الدعوة لهذا الاجتماع، هو مطالبة هذه القوى بالحشد دفاعًا عن الشرعية ورفضًا لما أسماه بالفوضى.

وقد قام مرسي خلال هذا الاجتماع بتحريض القيادات الإسلامية ضد الجيش، حيث قام بإخراج ورقة من جيبه، وقال لهم «هذه هي مبادرة الجيش التي أرسلها الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وراح يقرأ ما تضمنته» وكان أبرزها تغيير الحكومة وتعيين نائب عام جديد، وإجراء انتخابات برلمانية نزيهة، وتجاهل عن عمد مطلب الاستفتاء على شرعية الرئيس.

وعندما سأل محمد مرسي الحاضرين عن رأيهم في هذه المبادرة، قالوا «إن الشعب معنا، وإن خطاب الرئيس كان له أثر كبير في إقناع القواعد الشعبية وتعاطفها معنا، وإن يوم 30 يونيو لن يكون أكثر من زوبعة في فنجان».

وقد أعلن سعد الكتاتني (رئيس حزب الحرية والعدالة) في الاجتماع عن رفضه لهذه المبادرة، واتفق معه في ذلك المهندس أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط، رافضًا تدخل الجيش في الحياة السياسية، وقال «إذا تمتِ الموافقة على المبادرة، فستفتح الباب لتنازلات أخرى عديدة لن تنتهي».

أما رئيس حزب النور «جلال المُرَّة»، فقد كان من رأيه أن يوافق الرئيس على المبادرة وتقديم بعض التنازلات محذرًا من سياسة العناد، خاصة أن هناك سخطًا شعبيًّا عارمًا يتوجب احتواؤه وضرورة الاتفاق على عدد من النقاط لتمثل مخرجًا من الأزمة، وعندما تعرَّض أحد الحاضرين لما تقوم به حركة تمرد، رد ممثل جماعة الإخوان بالقول «إن الحركة لم يوقع لها سوى 150 ألفًا فقط، وإنه لن يخرج منهم في 30 يونيو أكثر من 5٪».

جلال المُرَّةوفوجئت قيادات الدعوة السلفية برد حاسم من جماعة الإخوان ومعهم محمد مرسي بالقول «لا تشغلوا بالكم، فنحن لم نأتِ من أجل 30 يونيو، وإنما من أجل التواصل فقط»، وهنا أصيبتِ القيادات السلفية بالإحباط الشديد، وأدركت أن الأمور ماضية إلى حائط مسدود.

وبعد أن انتهى الاجتماع، قام المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بإعلان بيان يتضمن محتوى الاجتماع بطريقة لا تعكس الواقع الحقيقي والمناقشات الحادة التي شهدها الاجتماع.

لقد قال المتحدث الرسمي «إن اجتماع الرئيس محمد مرسي مع قيادات وممثلي الأحزاب والقوى السياسية تناول الموقف الراهن، وبحث سبل التعامل معه»، وقال: «إن مرسي شدد على ضرورة الحفاظ على السلمية والالتزام بها وضبط النفس».

وقال «إن الحاضرين شددوا على نبذ العنف والتمسك بالسلمية ودعوة جميع الأطراف الداعية للتظاهر للوفاء بمسئوليتها تجاه المظاهرات التي يدعون إليها والحفاظ على سلميتها».

• • •كان هناك انقسام واضح بين بعض التيارات والأحزاب الإسلامية وبين جماعة الإخوان في كيفية التعامل مع الأزمة وآلياتها.

وقد قال الشيخ مرجان سالم (أحد قيادات السلفية الجهادية) إنه يرى أن الصدام وارد في مظاهرات 30 يونيو، وقال إن ذلك سوف يجرى من خلال مَن أسماهم بفاقدي الشرعية (أعداء مرسي) الذين سيسعون إلى استفزاز الناس، خاصة المنتمين للتيار الإسلامي بهدف رغبة البعض في الحصول على لقب شهيد في الثورة الثانية كما يطلقون عليها.

وقال مرجان «إن هذه السيناريوهات من المتوقع أن تبدأ يوم 29 يونيو بحشد مكثف من كل القوى ثم النزول إلى الميادين والهتاف ضد الرئيس وجماعته، وسرعان ما يدفع الإخوان بمؤيديهم في أماكن أخرى لدعم مرسي».

وقال «إن السلفية الجهادية لن تشارك في 30 يونيو، لأننا نرى أن الدستور والديمقراطية كفر ويتناقضان مع الشريعة الإسلامية».

وقال «إن نزول السلفية الجهادية إلى الميادين وارد لدعم مرسي في حال تعهده بتطبيق الشريعة الإسلامية».

أما الشيخ محمد حجازي (رئيس الحزب الإسلامي، الجناح السياسي لجماعة الجهاد) فقد قال «إن هناك شرائح إسلامية تختلف مع الإخوان في الأداء السياسي، لكنها تتفق معهم في أهمية وجود محمد مرسي باعتباره رئيسًا منتخبًا وشرعيًّا».

وقال «نحن نؤيد الشرعية وسنتصدى لأي محاولة للعنف».

وأضاف «إذا شعر الإخوان بنجاح تمرد سننزل للشارع، وسيكون الصدام داميًا حال اقتراب المتظاهرين من مقار الحرية والعدالة أو قصر الاتحادية».

وقال محمد أبو سمرة، (الأمين العام للحزب): «إن الحزب الإسلامي ينسق مع أعضائه بالمحافظات لوضع خطة للتحرك ضد ما اعتبره محاولة للانقلاب على الشرعية».

.

محذرًا من عواقب وخيمة إذا نزلتِ التيارات الإسلامية في هذا اليوم».

أما المفكر الإسلامي والقيادي الإخواني السابق د.

ثروت الخرباوي، فقد قال إن الجماعة ستضحي بـ مرسي في 30 يونيو لصالح خيرت الشاطر، وإن أمريكا ستتخلى عن الإخوان الذين وصفهم بأنهم يعيشون حالة رعب من تظاهرات 30 يونيو.

وقال إن الجماعة لن تجرؤ على النزول أمام قصر الاتحادية لأنهم لن يستطيعوا مواجهة شعب سينزل مطالبًا بحريته.

.

وأشار الخرباوي إلى أن أحد السيناريوهات المطروحة هو أن يستقيل مرسي ويعهد بالبلاد إلى الجيش عبر صفقة تتم مقابل حماية الإخوان من الملاحقات القضائية، بشرط السماح لهم بالترشح في الانتخابات الرئاسية مرة أخرى ليتم الدفع بخيرت الشاطر بديلاً عن محمد مرسي.

الدكتور ثروت الخرباويفي هذا الوقت تلقى مكتب الإرشاد تقارير من المكاتب الإدارية بالمحافظات ووحدة التحليل والرصد بالمركز الإعلامي لحزب الحرية والعدالة تحذر من ارتفاع حدة الغضب في الشارع ضد مرسي وجماعته، خاصة بعد أزمة سد النهضة والسيناريو المسرحي الذي أعده لعدد من الأحزاب والشخصيات المناصرة له.

وتوقع التقرير أن يشهد يوم 30 يونيو مظاهرات كثيفة قد تؤدي إلى حدوث فوضى عارمة في البلاد.

وقد أدلى د.

أحمد عارف (المتحدث الإعلامى للإخوان) بتصريح في هذا الوقت، قال فيه «إن الجماعة لم تتخذ أي قرار نهائي حتى الآن في تنظيم مظاهرات يوم 30 يونيو».

بينما قال الشيخ ياسر برهامي (نائب رئيس الدعوة السلفية): «إذا خرج الملايين يوم 30 يونيو سأطالب الرئيس مرسي بالاستقالة».

كانتِ الأجواء تنذر بنهاية الإخوان، وكان الناس قد أكملوا استعداداتهم لاقتلاع محمد مرسي عن الحكم، لقد تجاهلوا أي إمكانية لإجراء استفتاء على الانتخابات الرئاسية المبكرة، وأصبح مطلبهم الوحيد هو رحيل مرسي وجماعته عن الحكم تمامًا.

في التاسع والعشرين من يونيو، طلب قائد الحرس الجمهوري اللواء محمد زكي من محمد مرسي، ضرورة الانتقال إلى دار الحرس الجمهوري لتأمينه من أي محاولات للهجوم على قصور الرئاسة، حال تصاعد المظاهرات الشعبية المتوقعة غدًا.

لم تكن تلك هى المرة الأولى، لقد انتقل محمد مرسي في الرابع من ديسمبر 2012، بعد أحداث الاتحادية، إلى دار الحرس الجمهوري أيضًا، خوفًا من اقتحام المتظاهرين لقصر الاتحادية.

خاصة وأنه يوجد داخل دار الحرس الجمهوري مكتب خاص برئيس الجمهورية وفيلا للإقامة فيها، وغير ذلك من المتطلبات الضرورية.

وبالفعل، في مساء التاسع والعشرين من يونيو 2013، كان محمد مرسي ينتقل هو ورئيس الديوان محمد رفاعة الطهطاوي ومساعده عصام الحداد ومدير مكتبه أحمد عبد العاطي ونائب رئيس الديوان أسعد الشيخة وبعض أفراد أسرته وآخرين إلى دار الحرس الجمهوري.

أمضى محمد مرسي ليلته الأولى في دار الحرس، وزاره في هذا المساء العديد من القيادات الإخوانية الذين راحوا يعرضون عليه الموقف من كافة أبعاده.

كانتِ التقارير المقدمة إليه من الجماعة تطالبه بالتماسك ورفض تقديم أي تنازلات، خاصة أن المعلومات المتوافرة تشير إلى أن المظاهرات ستكون محدودة، وأن الجيش سيلتزم الحياد، وأن التوقعات تشير إلى أن المتظاهرين لن يستطيعوا الصمود أكثر من يوم واحد.

قرأ محمد مرسي التقارير المقدمة إليه أكثر من مرة، لم يبدِ قلقًا كبيرًا، لكنه قال لمحدثيه: «خلينا نشوف ماذا سيحدث غدًا، وفي ضوء ذلك نستطيع أن نقيِّم الموقف ونتخذ القرارات المناسبة».

مصر      |      المصدر: بوابة الأسبوع    (منذ: 2 أيام | 2 قراءة)
.