مركز تفكير أمريكي يرصد العزلة الجزائرية و"براغماتية" الدبلوماسية المغربية

أكد تقرير حديث نشره مركز “Wilson Center”، مركز تفكير أمريكي أنشأه الكونغرس لتقديم المشورة لصناع السياسات في الولايات المتحدة، تحت عنوان “التفكك المغاربي: استراتيجيات المغرب والجزائر المتباينة في تشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية المستقبلية”، أن “المغرب يقوم ببناء العلاقات والاستثمار في بلدان الساحل، بينما تركز الجزائر على استبعاد الرباط من اتحاد المغرب العربي، إذ تُظهر المملكة في هذا الإطار نهجا جديدا بينما تعمل الجزائر على تعميق عزلتها”.

في هذا السياق، سجل التقرير ذاته أن “المملكة المغربية تواصل تعزيز التكامل الاقتصادي من خلال مبادرتها الأخيرة لربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي كجزء من استراتيجية استباقية شاملة لتوسيع نفوذها الإقليمي.

وعلى العكس من ذلك، أعلنت الجزائر عن كتلة استشارية جديدة مع تونس وليبيا في الفضاء المغاربي، وهي خطوة تستبعد المغرب وموريتانيا، وتوضح موقف الجزائر الانعزالي والدفاعي مدفوعا بالمنافسات السياسية بدلا من الفرص التعاونية”.

وشدد المصدر ذاته على أن هذا التباين في الاستراتيجيات ما بين البلدين، يعزز موقف الرباط وموقعها في مشهد التنافس الإقليمي، مشيرا في هذا الصدد إلى أن المبادرة الأطلسية التي أطلقها العاهل المغربي هي تتويج لتحول استراتيجي في السياسية المغربية تجاه إفريقيا، وتحول من العزلة إلى المشاركة الاستباقية في الشؤون الأفريقية، مسجلا أن “هذا التحول حفزته عودة الرباط إلى شغل مقعدها في الاتحاد الأفريقي في عام 2017”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} مشاريع كبرى منذ هذه العودة التي أنهت مع سياسة الكرسي الشاغر، وسع المغرب نفوذه في القارة من خلال توسيع نشاط شركاته ومبادراته الدبلوماسية وتعاقداته الأمنية، يؤكد مركز التفكير سالف الذكر، الذي أوضح أن “المغرب أصبح مستثمرا أفريقيا رائدا في مجال الخدمات المصرفية والاتصالات والبناء، كما أصبح لاعبا رئيسيا في مكافحة الإرهاب والأمن، حيث يوفر التدريب العسكري والدعم الاستخباراتي لدول الساحل.

بالإضافة إلى ذلك، استفادت المملكة من تراثها الديني لمواجهة الإيديولوجيات المتطرفة من خلال تدريب الأئمة وتعزيز التعليم الديني في أفريقيا”.

وسجل التقرير أن دخول المغرب مؤخرا إلى قطاع الطاقة، الذي كانت تهيمن عليه الجزائر تقليديا، من خلال خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي، شكل تحولا مهما آخر، إذ تسعى الرباط من خلال هذه الخطوة إلى إعادة تشكيل مكانتها الجيو-سياسية وتوسيع نفوذها عبر أسواق الطاقة الإقليمية والعالمية.

كما عملت المملكة المغربية على تجاوز مجالها الجيو-استراتيجي التقليدي، من خلال اقتحام مجموعة من المناطق، خاصة شرق وجنوب القارة، بمشاريع اقتصادية كبيرة، على غرار مصانع الأسمدة في كل من نيجيريا وإثيوبيا، وكذا تعزيز العلاقات مع كينيا وزامبيا.

وأكد التقرير أن “المغرب يهدف من خلال هذه المبادرات إلى تحويل الولاءات الإقليمية والتأثير بمهارة في التصورات لحشد الدعم لأجندته الدبلوماسية”.

عزلة جزائرية أشار المصدر ذاته إلى اللقاء الذي جمع رئيس الجزائر، في أبريل الماضي، بكل من نظيره التونسي ورئيس المجلس الرئاسي الليبي، من أجل “تنشيط اتحاد المغرب العربي باستثناء المغرب وموريتانيا”، إذ يُقدم ظهور هذا التحالف الجديد لمحة كاشفة عن حالة الشؤون الجيو-سياسية في منطقة شمال أفريقيا، ويعكس حالة التقارب بين الجزائر وتونس، الذي عجلته التحديات الاقتصادية في هذه الأخيرة، مما أدى إلى تبعيتها للجزائر في وقت تعيش فيه ليبيا وضعا داخلي معقدا بسياسة خارجية مزدوجة.

وبين مركز “Wilson Center” أن “المحور الجزائري الداخلي يحاول إعادة تنظيم التحالفات الإقليمية ومواجهة نفوذ المغرب المتزايد في منطقة الساحل، لا سيما من خلال مبادرته الأخيرة للوصول إلى المحيط الأطلسي التي تعتبرها الجزائر مناورة لتطويقها إقليميا، حيث تسعى من خلال اقتراح اتحاد مغاربي جديد إلى إعادة تأكيد نفوذها وموازنة التواصل الدبلوماسي والاقتصادي الموسع للمغرب”، مشيرا في السياق نفسه إلى إعلان الحكومة الجزائرية تعليق القروض المقدمة للدول التي تشارك في مبادرة الساحل المغربية، في محاولة للتأثير على هذه الديناميات المتغيرة.

وشدد مركز التفكير الأمريكي ذاته على أن دور الجزائر طويل الأمد كلاعب إقليمي يتم اختباره بالفعل من خلال التغييرات الجيو-استراتيجية التي تشهدها المنطقة، والتي ليست في صالح الدولة الجزائرية، مؤكدا أن “إعادة تشكيل التحالفات الأمنية الجديدة من قبل النيجر وبوركينا فاسو ينذر بتحول كبير قد يقلل من نفوذ الجزائر ودورها في الجهود الإقليمية، حيث أدى إنهاء اتفاق الجزائر لعام 2015 من قبل مالي بسبب مزاعم التدخل الجزائري إلى جانب الانفصاليين الطوارق، وتصاعد التوترات مع النيجر، إلى توتر العلاقات وتعقيد جهود الجزائر لإدارة أمن الحدود والاستقرار في منطقة الساحل”.

براغماتية وتعنت التقرير اعتبر أنه لفهم الاستراتيجيات المتناقضة للجزائر والمغرب، من الضروري فهم الدوافع والمبادئ المتحكمة في سياستهما الخارجية، مشددا في هذا الإطار على أن “العقيدة العسكرية التي تسيطر على الجزائر تعطي الأولوية للمصالح الجيو-سياسية الضيقة على التعاون الاقتصادي”، حيث “أدى الدعم الجزائري الثابت لجبهة البوليساريو، باعتباره أحد المبادئ الأساسية لسياستها الخارجية، إلى تعقيد تحالفات الجزائر وعرقلة التعاون الإقليمي والتكامل الاقتصادي”.

وأورد المصدر ذاته مثالا آخر على السياسة الجزائرية التي تحاول إقصاء المغرب، هو قرار النظام الحاكم في الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط وإغلاق مجال بلاده الجوي في وجه الطائرات المدينة المغربية بمبرر التطبيع مع إسرائيل، معتبرا أن “هذا المبرر غير مقنع ولا متسق، نظرا لعلاقات الجزائر الودية مع البحرين، وهي دولة أخرى قامت بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل”.

وعلى العكس من ذلك، أكد مركز التفكير الأمريكي أن “المغرب تبنى نهجا عمليا وموجها نحو الإصلاح، مركزا على التحرير الاقتصادي التدريجي والتحديث والتكامل العالمي، بحيث امتد هذا النهج إلى سياسته الخارجية من خلال سعيه إلى بناء التحالفات وتعزيز التجارة والاستقرار الإقليمي”، مشيرا إلى أن “مشاركة المغرب الشاملة في المبادرات الإقليمية والدعوات العديدة للمصالحة مع الجزائر، تؤكد أولوية الوحدة والتنمية الإقليميتين في سياسة المملكة الخارجية”.

وفي نظرته الاستشرافية تجاه المستقبل، أكد التقرير سالف الذكر أنه “بينما تتحرك القارة الأفريقية نحو مزيد من البراغماتية الاقتصادية وتتخلص من الآثار الأيديولوجية للماضي، تسير الجزائر على طريق مزيد من العزلة، مما يجعلها غير قادرة على تعزيز التكامل الإقليمي أو الاستفادة منه”، مشددا في الوقت ذاته على أن “دور المغرب كمحفز للتنمية والاستقرار يشكل فرصة لضمان مستقبل أكثر ازدهارا وأمانا للمنطقة والقارة بأكملها”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أيام | 5 قراءة)
.