"وعد تكناويت" يتحقق بالصويرة.. والطبول "تعاند" النوارس في "موكادور"

لا، ما هذه الحشود الغفيرة التي قررتْ أن تمنح قطعة من أرواحها لكناوة بالصويرة اليوم بـ”المسحورة”، لأن شيئاً ما يبدأ في “موكادور” ليدشّن عملية التنقيب المعروفة عن طقس يشبه “وعداً” يتحقّق في المدينة سنويّا: مهرجان كناوة وموسيقى العالم.

حتى الانطلاقة “الملتهبة” بحماس الجماهير لا تختلف عن سابقاتها.

“الوعد” هو نفسه، و”التّوق السّنوي” هو نفسه.

نعم، إن جزءاً غير يسير من هؤلاء الزوار يقولون إنهم لا يعدّونَ هذه التظاهرة “موعداً” بقدر ما يعتبرونه “وعداً” يعيد “تهذيب” العلاقة مع كناوة.

فها هي الطبول تُقرع للسنة الخامسة والعشرين (الدورة)، بالحدّة نفسها، في هذه الدروب، وها هي “القراقب” تصطدم ببعضها لتعزز صوت ذلك “الهجهوج” فوق المنصة؛ والناس يرقصون بجنون وكأنها المرّة الأولى.

كأن لا شيء حدث السنة الماضية في هذه المدينة.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} البركة والنوارس حين وُضعت المبخرة قبل انطلاق الكرنفال الذي تشارك فيه كناوة تنغير لأول مرة وضع فيها أحد “المعلميّة” اللوبان، معتبراً أن في انتشاره “تصفية وتطهير للمكان”، مثلما وضع آخر “عود القماري” لـ”بعث الروائح الزكيّة في دروب الصويرة”، فيما وضع آخر “الجاوي” بحثاً عن بركة ما، وقال لهسبريس: “البركة فيد الله؛ وحنا كلّنا فقراء إلى الله وكنتجمعو فالصويرة”.

وفي استعارة بليغة أضاف “معلّم” أحد الفرق القادمة من مراكش: “إن هذه المدينة الساحليّة الصغيرة في معظم أوقات السنة تتسّيد فيها أصوات ‘عوا’ الأجواء، لكن هذا المهرجان الذي نشهد انطلاقته الآن، وهذه الطّبول كلها تعاند نعيق النّوارس في استفرادها وسطوتها على مجال سمع الناس من ساكنة وزوار المدينة”، وزاد: “الكلّ جاء يبحث عن ‘البركة’ التي هي عند الله”.

وهكذا بدأت المسيرة من باب دكالة نحو المدخل الخلفي لمنصّة مولاي الحسن.

وهو مشهد سنوي يُظهر مجدداً الآلات الفوتوغرافيّة الكثيفة كشاهد على قدرة الناس على “تدبير أنفسهم” وهم يفسحون الطريق لموكب “القراقب” و”الطبول” و”الغيّاطة” ليمرّ بسلاسة وبلا أيّ تشويش؛ تحت تشديد أمني، ومواكبة تنظيميّة.

تسير المجموعات تباعاً، فتسمع سيدةً من الجانب الآخر تقول لصحافي: “نأتي هنا لنفرح”؛ غير أن قولها “العفوي” لم يخرج عن مشهد تعاينه هسبريس ويتضح فيه “إخفاق” الأجساد في ضبط درجة “الحياد”.

الأجساد تتحرك وترقص بدون شعور، تتحرّك تماشيّا مع ما تمليه الأهازيج والصراخات غير المفهومة والأصوات المرتعشة؛ وتغدو الجماهير “ذواتاً حرّة” يرعاها صخب يمتدّ في كل أرجاء المدينة.

مدينة ثقافية حين انتهى العرض واتجه الجميع نحو المنصّة لترتيب أنفسهم تناول محمد المهدي بنسعيد، وزير الثقافة والشباب والتواصل، الكلمة بعد نائلة التازي، وسجل أن مهرجان الصويرة وموسيقى العالم “منح دينامية إيجابية للمدينة؛ فاليوم كلّما زرنا الصويرة نجد حدثاً ثقافيا ما، وهذا يعود أساساً لقوّة هذا المهرجان الذي نحضره اليوم”، مؤكداً أن هذه الفعالية عززت حظوة الصويرة، فـ”بعدما كانت مدينة سياحية صارت الآن أيضاً محطّة ثقافية”.

وتابع وزير الثقافة: “إننا (بهذا المعنى) حين نستثمر في الثقافة نستثمر في الإنسان”، وزاد وهو يتحدث منشرحاً: “اليوم نحن منخرطون (كوزارة الثقافة) في مسار هذا المهرجان مثلما نفعل الأمر مع جملة من المهرجانات، ومنطلقنا الأول في الحكاية أن الثقافة هي الإنسان، والإنسان هو السلام؛ ومن ثمّ سنواصل دعم هذا المهرجان”.

وفي تصريح لهسبريس قال المسؤول الحكومي ذاته إن ما يميز هذا المهرجان هو أنه “معاصر ولكنه في الوقت نفسه أصيل وعريق”، سواء من خلال روحه النوعية أو من خلال اعتراف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونيسكو” بثقافة كناوة كتراث ثقافي غير المادي للإنسانية (2019)، مسجلا أثره الاقتصادي المهم بالنسبة لتنشيط حركية مدينة الصويرة وأيضاً الجهة عبر المدينة.

أما نائلة التازي، مديرة ومنتجة المهرجان، فاعتبرت أن الفعالية أصبحت “حدثاً تاريخيا يشهد على استثنائية وتنوع ثقافتنا في المشهد الفني العالمي”، مضيفة أنه أصبح كذلك “مدرسة حية للإشعاع الفني والتعايش بين الثقافات، وبفضل مجهودات الجميع، وخاصة ساكنة الصويرة، نجح المهرجان في إبراز ثقافة وفن كناوة من خلال جذب الفنانين والجمهور من جميع أنحاء العالم”.

التازي قالت في حوار مع هسبريس إن “إدراج موسيقى كناوة في قائمة اليونسكو ليس نهاية المطاف، بل هو خطوة مهمة في مسار طويل”، لكنها جددت في كلمتها فوق المنصة التعبير عن مشاعر اللحظة الأولى، مستحضرةً أن تسجيله يعدّ “اعترافاً دوليّا بقيمته الفنية والثقافية في بلد أصبحت فيه الصناعة الثقافية رافعة للنمو الاقتصادي تماشيا مع توجيهات الملك محمد السادس”.

وعادت المتحدثة للتشديد على أن هذا المهرجان أثبت أن “الثقافة ليست مجرد ترف، بل هي قوة حقيقية ورافعة أساسية للتنمية”، وأوردت: “الصويرة أصبحت اليوم نموذجا على الصعيدين الوطني والدولي، كما باتت منارة للثقافة والانفتاح والتعايش والتضامن.

ومن قلب الصويرة نرسل اليوم رسالة تضامن كامل إلى فلسطين وإلى الشعب الفلسطيني، ورسالة سلام إلى العالم”.

وبعد كلمات المسؤولين يبدأ صراخ الجمهور وهو يستقبل العرض الأول فوق المنصة الرئيسية؛ وهو عبارة عن حفل مزج بين “المعلم” حسن بوصو و”المعلم” مولاي الطيب الذهبي، مع مجموعة ديمانلي ونينيو دي لوس رييس وسيرخيو مارتينيز وإيلي آيي؛ وقد كان بمثابة بداية “الوفاء بالوعد”، الذي لم يخضع لأيّ تشويش يذكر هذه السنة.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أيام | 8 قراءة)
.