السويني يقرأ رسائل المجلس الوزاري بشأن الخروج من الوصاية إلى المساهمة

قال المنتصر السويني، باحث في العلوم السياسية والمالية العامة أن “المؤسسة الملكية أرادت، من خلال الاجتماع الأخير للمجلس الوزاري الذي خصص للمصادقة على التوجهات الإستراتيجية للسياسة المساهماتية للدولة، التأكيد على أن ساعة نقل المؤسسات والمقاولات العمومية إلى المربع الإستراتيجي دقت”.

وحاول السويني، في مقال له، “توضيح الانتقال من دولة الوصاية إلى دولة المساهمة”، من خلال التركيز على خمس رسائل مهمة يمكن استخلاصها من اجتماع المجلس الوزاري الأخير، خاصة ما يرتبك بـ”ضرورة الانتقال من التدبير التقليدي إلى التدبير الحديث المعتمد على الفعالية والنتائج”.

نص المقال: الاجتماع الأخير للمجلس الوزاري، الذي خصص للمصادقة على التوجهات الإستراتيجية للسياسة المساهماتية للدولة، أرادت من خلاله المؤسسة الملكية، التي ترأسته، التأكيد على أن ساعة نقل المؤسسات والمقاولات العمومية إلى المربع الإستراتيجي قد دقت، والتأكيد كذلك على أن المربع الإستراتيجي يتطلب وجوبا انتقال الدولة في حكامتها للمؤسسات والمقاولات العمومية من مربع الإشراف والوصاية إلى مربع المساهمة، بكل ما يعنيه ذلك من نقلها من المربع الدستوري والقانوني إلى المربع الاقتصادي .

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} المصادقة على التوجهات الإستراتيجية للسياسة المساهماتية للدولة أراد من خلالها العقل المركزي للدولة التأكيد على أن الأجندة الإستراتيجية اليوم تركز على السياسة باعتبارها فعلا عموميا، وبالتالي فإن الزمن السياسي المغربي اليوم مشغول بتعقيدات الفعل العمومي وبالعمل على تحديث هذا الفعل، وخصوصا الفعل العمومي الإستراتيجي.

وفي المجمل أراد العقل الإستراتيجي للدولة التأكيد على ما سبق وقاله الفنان جورج بيرنارد شو: “ليس هناك تقدم دون تغيير، والذين لا يستطيعون تغيير طريقة تفكيرهم لا يستطيعون تغيير أي شيء”.

والعقل المركزي للدولة أراد التأكيد أن هناك تحديثا وتغييرا جوهريا في منظومة الأفكار التي تؤطر الفعل العمومي المرتبط بحكامة المؤسسات الإستراتيجية، وأراد التأكيد كذلك أن علوم الفعل اليوم هي مرتبطة بقدرتها على حكامة التعقيد واللايقين والمجهول، وبالتالي فإن الحكامة اليوم ليست هي المراقبة والوصاية كما يؤكد السوسيولوجي الأمريكي اميتاي اتزيوني.

ومن أجل توضيح التغيير من خلال الانتقال من دولة الوصاية إلى دولة المساهمة سنحاول أن نركز على الرسائل المهمة التي يمكن استخلاصها من اجتماع المجلس الوزاري الأخير الرسالة الأولى والأهم التي يمكن استخلاصها من اجتماع المجلس الوزاري الأخير مرتبطة بالتأكيد على أن الدولة اليوم صار لها دور خاص يتمثل في الدولة المساهمة (وهي الخلاصة التي ركز عليها الباحث اندري دليون في مقاله المهم حول -من الدولة الوصية إلى الدولة المساهمة-).

هذا الدور مرتبط بخلق القيمة الاقتصادية، وبالتالي يختلف عن الدور المرتبط بالمهام المرتبطة بالسلطات العامة، خصوصا في مجال الإستراتيجية والتنظيم.

أما السبب الثاني فيبقى مرتبطا بكون الدول اليوم هي في غالب الحالات مساهمة في مؤسسات القطاع العام.

والسبب الثالث مرتبط بكون هذه المؤسسات تحولت اليوم في الغالب إلى شركات بالمفهوم المرتبط بالقانون التجاري، وبالتالي على الدولة أن تساهم في قيادة هذه الشركات دون أن تكون لها بالضرورة أغلبية الرأسمال، وبالتالي يبرز معطى التأثير المرتبط بنوعية المساهم.

ما يؤكد أن الدولة في المغرب اليوم انتقلت في ما يتعلق بحكامة المؤسسات الاستراتيجية من مربع الدولة الوصية (الفصل 89 من الدستور الذي يؤكد على ……تمارس الحكومة الإشراف والوصاية والمقاولات العمومية)، إلى مربع الدولة المساهمة.

وبالتالي كان العقل الاستراتيجي المغربي يعطي إشارات قوية بضرورة نقل المؤسسات والمقاولات العمومية من مربع الإشراف والوصاية إلى مربع أرحب وأوسع مرتبط بالفعالية والسياسة المساهماتية، وبالتالي إلى مربع القانون التنظيمي الذي من المفروض أن يتم الإسراع في تعديله وتحيينه (دمج المؤسسات والمقاولات العمومية) ليكون قادرا على مواكبة حكامة التنزيل الفعلي للدولة المساهمة.

وبالتالي على القطار التشريعي التنظيمي أن يرفع من سرعته للحاق بالقطار السريع الذي يركبه المجلس الوزاري.

الرسالة الثانية التي أراد العقل المركزي للدولة ترسيخها تتعلق بأن الدولة المساهمة هي دولة تنتظر من مساهماتها أهداف ونتائج، ومن المفروض عليها تدبير محفظتها من خلال أخذ الاحتياطات اللازمة، وأن نجاح هذا النوع من التدبير مرتبط بقدرته على خلق قيمة اقتصادية مضافة قابلة للمقارنة مع المساهم الخاص، وبالتالي يحضر معطى الفعالية والنتائج والكلفة.

لهذا كان العقل المركزي للدولة من خلال اجتماع المجلس الوزاري الأخير يؤكد أن تدبير الدولة المساهمة هو تدبير حديث ولا يندرج فقط في إطار الحلول التنظيمية والحلول التقنية التدبيرية التي ميزت الموجة الأولى من الإصلاحات المسماة التدبير العمومي الجديد (إنشاء الوكالات-استقلالية المدبرين-التعاقد-الشراكة-الفعالية)، بل إن إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية الإستراتيجية يندرج كذلك في ما أطلق عليه الباحث فيليب بيز الموجة الثانية من الإصلاحات التي ميزت التدبير العمومي الجديد، والمعتمدة على صيغة من الإصلاحات تخص (الاندماج- تجميع التنظيمات في قمة الهرم- وكذلك في القاعدة عبر الدمج حذف التنظيمات المتشابهة أو المتداخلة -التركيز على الفعالية والكلفة – …).

وبالتالي كانت المؤسسة الملكية من خلال اجتماع المجلس الوزاري الأخير تعطي إشارات قوية إلى أن ترسيخ دولة المساهمة يتطلب الانخراط القوي في أجندة الإصلاح المعتمدة على التدبير العمومي الجديد وما بعد التدبير العمومي الجديد، وإلى أن هذه الإصلاحات ستنطلق اليوم من قمة الهرم، أي من المستوى الإستراتيجي، ما يصنف الرسالة ضمن الرسائل التدبيرية القوية.

الرسالة الثالثة التي أراد العقل المركزي تمريرها من خلال اجتماع المجلس الوزاري تتعلق بالتأكيد على أن نخب دولة الوصاية ليسوا بالتأكيد هم نخب دولة المساهمة، وبالتالي لدولة الوصاية نخبها التقليديون ولدولة المساهمة نخبها الحداثيون.

وبالتالي عمل اجتماع المجلس الوزاري الأخير على التأكيد على ضرورة خلق نوع جديد من المدبرين الإستراتيجيين القادرين على نقل المؤسسات والمقاولات العمومية إلى مصاف المؤسسات والمقاولات المتميزة على الصعيد الوطني وعلى الصعيد القاري.

والنخب الإستراتيجية هي النخب التي قال عنها الفيلسوف هيدغر نخب الأفكار ونخب الحساب.

ويؤكد الفيلسوف كذلك أن الحساب يبقى دائما مرتبطا بالأهداف، كما ينتظر النتائج، وأن عقل الحساب يتميز بالتخطيط ويتميز كذلك بأنه عقل لا يعرف الراحة، لأنه يدفعنا من حل مسألة إلى حل المسألة التالية.

ووجب التذكير أن اجتماع المجلس الوزاري الأخير كان إعلانا رسميا من العقل الإستراتيجي المغربي على أن المؤسسات الإستراتيجية المغربية مطلوب منها أن ترقى اليوم إلى الدور الدستوري والتنظيمي المنوط بها، وأن مدراء المؤسسات الإستراتيجية من المفروض أن يكونوا قادرين على لعب الدور المنوط بهم كنخب التدبير الإستراتيجي أو نخب الصف الأول.

النخب الإستراتيجية ونخب الصف الأول اليوم لا يجب تصنيفها فقط من خلال سلطة التعيين وشكل التعيين (الظهير-المؤسسة الملكية)، بل يجب أن ترقى إلى مستوى النخب المسؤولة عن التدبير الإستراتيجي، والنخب المسؤولة عن الحكامة الإستراتيجية.

والعقل المركزي للدولة من خلال اجتماع المجلس الوزاري الأخير أراد أن ينقل الفكر التدبيري المرتبط بنوعية الحكامة الإستراتيجية الجديدة من الفكر التدبيري التقليدي القديم المرتبط بالمربع القانوني إلى الفكر التدبيري الحديث المعتمد على الأهداف والنتائج والفعالية.

وبالتالي كان العقل المركزي للدولة يعطي دفعة إستراتيجية قوية للتدبير من خلال النتائج، ويعطي دفعة كذلك للفلسفة التدبيرية التي جاء بها القانون التنظيمي للمالية، مع ضرورة العمل على تحديثه وتحيينه (دمج المؤسسات والمقاولات العمومية) بما يتماشى مع الخلاصات المصادق عليه في اجتماع المحلس الوزاري الأخير.

الرسالة الرابعة التي أراد العقل المركزي تمريرها عبر اجتماع المجلس الوزاري من خلال (تعيين مدراء جدد وخصوصا مدراء: للشركة الوطنية للطرق السيارة-المكتب الوطني للمطارات-الوكالة الوطنية للموانئ)، تتمثل في أن العقل الإستراتيجي المغربي، المهتم بإستراتيجية الاستيقاظ الجيو سياسي والجيو اقتصادي، كان مقتنعا بأن ذلك مشروط بضرورة تحيين وتحديث إستراتيجية الحدود من خلال نظرة جديدة للثلاثي المكون من (الحدود الأرضية-الموانئ-المطارات)، وكان مقتنعا كذلك بالأهمية الكبيرة للمؤسسات والمقاولات العمومية المرتبطة بتفعيل إستراتيجية الحدود، سواء باعتبارها مناطق للمراقبة والحماية (خصوصا بعد أحداث شتبر2001، أو إبان ازمة كوفيد 2020)، أو باعتبارها كذلك مناطق حدود تفتح الطريق نحو الاندماج العالمي وحرية تنقل الأشخاص والبضائع.

وبالتالي فإن تحسين التدبير الإستراتيجي وتحديث الحكامة الإستراتيجية للمؤسسات المرتبطة بالمفهوم الحديث للحدود سيعمل على تعزيز الاستثمار في البنية التحتية الطرقية والبنية التحية للسكة الحديدية والبنية التحتية للموانئ والبنية التحتية للمطارات، ما سيرسخ ويعزز التواصل على المستوى الداخلي والمستوى الخارجي.

وهنا كان العقل المغربي من خلال اجتماع المجلس الوزاري الأخير يؤكد أنه منخرط بقوة في إستراتيجية النيوديل على الطريقة المغربية.

سياسة النيوديل المغربية تعتمد على الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الإستراتيجية في إسناد إستراتيجية الاستيقاظ الجيو سياسي والجيو إستراتيجي.

الرسالة الخامسة التي أراد العقل المركزي للدولة تمريرها من خلال اجتماع المجلس الوزاري الأخير، الذي رسخ ضرورة الانتقال من حكامة المؤسسات والمقاولات العمومية، من مربع الإشراف والوصاية إلى مربع المساهمة، كانت تتمثل في التأكيد على أن الورش الإستراتيجي الأهم اليوم في الزمن السياسي المغربي يتمثل في تحديث العقل التدبيري للمؤسسات والمقاولات العمومية المغربية، لأن النجاح في إستراتيجية الاستيقاظ الجيو سياسي والجيو اقتصادي مرتبط بشكل كبير بما يطلق عليه -ضرورة تغيير البرمجة- وفي هذا السياق وجبت الإشارة إلى أن السياسي الفرنسي بيرنار كوشنير في تعليقه على فشل الحزب الاشتراكي الفرنسي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية سنة 2007 علق قائلا إن الأمر سببه عدم قدرة الحزب على تغيير برمجته -il fallait changer de logiciel-، العقل الإستراتيجي المغربي من خلال اجتماع المجلس الوزاري الأخير كان يعلن أنه مصمم على التغيير ومصمم كذلك على تغيير البرمجة.

كما أن الرسالة الصادرة عن المجلس الوزاري الأخير، والمرتبطة بضرورة تغيير البرمجة التدبيرية، باعتبارها رسالة صادرة عن المجلس الوزاري فهي رسالة قوية وتفرض نفسها، ليس فقط على مستوى المؤسسات الإستراتيجية بل وعلى المستوى الحكومي والمستوى الإداري ومستوى المؤسسات والمقاولات العمومية غير الإستراتيجية، تحث وتشجع على ضرورة الانتقال من التدبير التقليدي إلى التدبير الحديث المعتمد على الفعالية والنتائج.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 1 أسابيع | 3 قراءة)
.