تشبث المغاربة بالاحتفال بعيد الأضحى يعكس مناعة القيم في وجه التغيرات

على الرغم من التحولات الاجتماعية والقيمية التي لحقت المجتمع المغربي، إلا أن المغاربة ظلوا حريصين على الاحتفال بعيد الأضحى وفق طقوس وتقاليد تشكل جزءا من هوية وكينونة المجتمع المتعلقة بهذه المناسبة الدينية التي يعد الاحتفال بها من القيم الثابتة لديهم بغض النظر عن الظروف المحيطة بها؛ فلا مجال في المجتمع المغربي لعدم الاحتفال بالأعياد الدينية بالنظر لما تكرسه من عادات وتقاليد تنطوي على مجموعة من القيم على غرار التضامن، والتآزر والتماسك الاجتماعي.

في هذا الإطار، قال محسن بنزاكور، دكتور في علم النفس الاجتماعي، إن “حفاظ وحرص جزء كبير من المغاربة على الاحتفال بعيد الأضحى وفق الطقوس والتقاليد السائدة في المجتمع، يجد تفسيره في كون القيم المرتبطة بالدين والعقيدة في أي مجتمع من الصعب أن يلحقها التغيير مقارنة بغيرها من القيم الأخرى”، مسجلا أن “عيد الأضحى في المغرب يحمل أبعادا دينية هامة، ويكرس مجموعة من القيم على غرار صلة الرحم والتضامن والاجتماع العائلي”.

وأضاف بنزاكور، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المغاربة المقيمين بالخارج بدورهم يحرصون على الاحتفال بعيد الأضحى مع الأحباب”، مشددا على أن “الأجواء الاستثنائية التي تمر فيها هذه المناسبة الدينية داخل المجتمع وفي أوساط الأسر، تجعل من الصعوبة بمكان أن تندثر القيم والعادات والتقاليد وكذا الطقوس المرتبطة بها على الرغم من اكتساب المغاربة قيما جديدة”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} على صعيد آخر، أشار المتحدث إلى الأرقام الأخيرة التي أفرجت عنها المندوبية السامية للتخطيط بخصوص نسبة الأسر التي لا تمارس هذه الشعيرة الدينية، مؤكدا أن “هذه الأرقام، أضف إلى ذلك صعود جيل جديد يسعى إلى الثورة على القيم التقليدية في المجتمع، تطرح العديد من التساؤلات بشأن إمكانية اندثار القيم المتعلقة بعيد الأضحى في المجتمع إذا ما تولى الجيل الصاعد مسؤولية الأسر”.

من جانبه، أورد خالد التوزاني، رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، أن “عيد الأضحى يحظى بمكانة هامة بالنسبة للمغاربة، إذ يشارك في طقوسه كل أفراد العائلة، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، ولا تكتمل الفرحة به إلا بصلة الرحم، وخاصة الأصول، الآباء والأجداد، كما يمثل بالنسبة لأغلب الحرفيين والتجار المغاربة عطلتهم السنوية، حيث يعد مناسبة للسفر لزيارة العائلة وصلة الرحم والاستجمام والراحة”.

وسجل المصرح لهسبريس أن “حرص المغاربة على الاحتفال بهذا العيد يعود إلى أسباب دينية بالأساس؛ فعلى الرغم من أنه سُنّة مؤكدة، وليس ركناً من أركان الإسلام، إلا أن المغاربة يحرصون على الاحتفال به كل عام، ما يدل على تشبثهم بالسُّنة واقتفائهم أثر الأنبياء عليهم السلام”، مضيفا أن “التعليم العتيق في المغرب ساهم في تطور الوعي الديني عند المغاربة، فكانوا من أكثر الشعوب العربية تشبثاً بالشريعة الإسلامية، وإلى اليوم بقي هذا الحرص على أداء الشعائر الدينية وتعظيمها متجسداً في عدد من المناسبات الدينية، مثل رمضان وأداء الحج والعمرة والاحتفال بعيد الأضحى”.

وتابع بأن “الاحتفال بالأعياد الدينية يعد من القيم الثابتة في المجتمع المغربي رغم التحولات المجتمعية والثقافية والاقتصادية التي شهدها”، موردا أن إحياء عيد الأضحى “يحقق عدداً من المقاصد الدينية والاجتماعية، ويُسهم في تماسك المجتمع من خلال قيم التضامن التي تبرز بقوة في هذه المناسبة، حيث يحرص كل المغاربة على أن يكون العيد للجميع، ولذلك عادة ما يبادر كثير من الأغنياء بتوزيع أضاحي العيد على الفقراء واليتامى، ويتعاون الجيران في اقتناء خروف العيد لجارهم الفقير، وغير ذلك من مظاهر التضامن التي جعلت من الاحتفال بالأعياد من القيم الثابتة التي تكشف عن روح الجماعة وعن وحدة المغاربة الذين يتشبثون بإحيائها على الرغم من كل الظروف الاقتصادية الصعبة التي قد تقف أمامهم”.

وخلص التوزاني إلى أن “محافظة الأسرة المغربية على الظاهرة الاحتفالية بالأعياد والإصرار عليها مرتبطة في أبعادها الاجتماعية والثقافية بمرجعية دينية بالأساس، وذلك لما يصاحب هذه الممارسة من أعمال خيرية اجتماعية جماعية تأخذ طابعاً مقدساً، فالاحتفالية فرصة للقاء والتقارب والتماسك الاجتماعي من جهة، ومن جهة أخرى فرصة لإثبات الذات الجماعية وإثبات الهوية الثقافية والقيم التي تُميز الأسرة المغربية، وأيضاً فرصة للتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة.

وهكذا، فإن منظومة القيم تتعدى السياق اللفظي إلى واقع اجتماعي تختزل الكثير من الحقائق التي تتطلب إظهارها”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 1 أسابيع | 5 قراءة)
.