جريمة تكفير مواطن مغربي

لا يوجد في القانون الجنائي المغربي ما يجرّم الكفر إذا كان شأنا شخصيا بين المغربي و”دواخله”، لا يذيعه ولا يشيعه بين الناس، ولا يدعو إليه عبر الكتابة أو وسائل الإعلام أو غير ذلك.

كما أن على المواطن احترام الآخرين وعدم التشويش على عقيدتهم أو الدعوة إلى الإلحاد والكفر أو التشكيك في الثوابت الدينية.

غير أن الغموض لا يزال يلف كيفية التعامل مع النص القرآني، الذي يأمر بقتل المرتد عن دينه، بقراءة السياق لا الإسقاط.

(حصر الردة في زمن ما) غموض يجعل المغربي المتطرف يجد ذريعة دينية لتغيير المنكر بيده، ونحن هنا نتكلم عن أنصاف أو أرباع المُلمْلِمين بجوهر مصادر التشريع.

حين تفتي بكفر مواطن مغربي فأنت تهدر دمه عمدا أو بغير عمد، وتعرضه لاجتهادات الجاهلين بحقيقة الإسلام ومبادئه ومقاصده، وقد تتعمد التحريض على الانتقام منه إن لم ينل منه القتل، بحشد شعب واسع من الأعداء، من أسرته ثم أصدقائه أو زملائه في العمل ثم طلبته أو تلامذته إن كان مدرسا.

فيصبح منبوذا لا يجد من يرد عليه السلام أو يتعامل معه في بيع أو شراء.

ثم إن الإفتاء المزاجي لا يجوز عقلا ومنطقا، لأن الإفتاء الجماعي فيه اتفاق حول الرأي الصائب ودرء للغل الشخصي أو الخطأ في التقدير أو الشطط في اعتبار المخالف لموقفك أو اعتقادك.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} أذكر هنا فيلما سينمائيا بعنوان “إثنا عشر رجلا غاضبا” للمخرج سيدني لومي، حيث كلفت المحكمة مجموعة من المحلفين بالبث في إعدام متهم بالقتل.

وبعد الاختلاء وحدهم، اتفقوا على إعدامه إلا محلفا واحد (دور يقوم به هنري فوندا) ثم طال النقاش بين المحلفين حتى بدأ التراجع يمس مواقفهم، التي كانت متأثرة بهول الجريمة وبميولهم الشخصي، ديني أو عنصري أو غير ذلك.

فوصل الغضب إلى حد العمى عن الحقيقة، أي، هوية المجرم الحقيقي.

وبعد هدوء غضبهم تبين لهم الحق من الباطل واحدا تلو الآخر، وسلموا أخيرا ورقة حكمهم للقاضي بتبرئة المتهم.

ما الفرق إذن بين أن يكفرك مغربي واحد وأن يكفرك عشرة أو عشرون؟ فرق كبير، لأن الجماعة المتزنة لا تجتمع على ضلال، أما النفس الأمارة بالسوء فلا تعرف على أي شر تنطوي.

سنفترض أن مواطنا مغربيا كتب عن حديث صحيح أورده مسلم، يتعلق بمبطلات الصلاة، فاستنكر أن تكون المرأة التي أكرمها الله وأعزها، من هذه المبطلات، هي والكلب الأسود والحمار.

هي نصف المجتمع الإسلامي ومربية المسلمين، هي الأم التي تحت قدمها الجنة، وهي الموعودة بمباهجها إسوة بالرجل، فكيف يجعلها هذا الحديث نجسا، إذا مرت أمامك وأنت تصلي، بطلت صلاتك وعليك إعادتها من الأول؟ سيقوم مواطن مغربي آخر، “يزيد في العلم” فيكفر هذا الكاتب ويهدر دمه، لأن الكافر حكمه إقامة الحد عليه، ثم يغضب جزء كبير من الشعب المغربي، وقد يمس هذا الغضب رجلا بريئا، كل ذنبه مناقشة منطقية في أصول التشريع.

غضب يجذب كل أنواع العقاب، من القتل إلى السب والشتم إلى العزل عن الأسرة والمجتمع إلى ما لا تحمد عقباه.

نحن في مجتمع ابتُلي باجتهادات مشرقية دخيلة علينا منذ نهاية السبعينيات، حولت المجتمع من اعتدال في الدين إلى اجتهاد في المنع والتحريم والحجر على الفكر والاتهام بالعمالة للأجانب وما شاء لك أن تتخيل.

لذلك، وجب التفكير في تقنين الإفتاء، فلا يكون متاحا سوى لعلماء الدين المشهود لهم علما وسلوكا، وأن يكون الإفتاء جماعيا، من خلال الترخيص لمؤسسات محترمة، متفق على نقاء عقيدة أعضائها من كل شائبة.

وأن يُعتبر التكفير الصادر عن الأفراد تحريضا على القتل، وأن توضع له فصول جنائية واضحة.

آنذاك، تفكر الألسنة ألف مرة قبل استسهال قتل الناس.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أسابيع | 3 قراءة)
.