السويني يقارب التحدّي المغربي لإنجاح المصالحة مع المستقبل عبر خلق الثروة

قال المنتصر السويني، باحث في المالية العامة والعلوم السياسية، إن المصالحة مع المستقبل تتطلب مصالحة المغاربة مع الثروة والمقاولة والربح، وهي مرتبطة بشكل كبير بالمصالحة مع العولمة، وبمصالحة العقل الجمعي المغربي مع المقاولة، مؤكدا في الوقت ذاته على أن “المصالحة مع المستقبل والمصالحة مع الثروة ستعمل على إدماج الفقراء في استراتيجية خلق الثروة”.

وأكد السويني، في مقال له بعنوان “المغرب وتحدي إنجاح المصالحة مع المستقبل”، على أن “استراتيجية الاستيقاظ الجيوسياسي والجيواقتصادي تتطلب المصالحة مع المستقبل، مع ما يتطلبه ذلك من ضرورة الخروج من مربع العقل الفرنكفوني إلى مربعات التجارب الدولية الناجحة والمتنوعة”.

نص المقال: عمل المغرب على شرعنة أولوية المصالحة مع الزمن الماضي، باعتبارها محطة أساسية لترسيخ أسس بناء دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات (التجربة المرتبطة بهيئة الانصاف والمصالحة).

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} مع العلم أن المصالحة مع الزمن الماضي لا تعني أن الزمن المهيمن للدولة سيكون هو الزمن الماضي بل إن المصالحة مع الزمن الماضي سيتم توظيفها من أجل خدمة الزمن المهيمن بالنسبة لعقل الدولة والذي يتمثل في الزمن الحاضر والزمن المستقبلي.

اختيار العقل المركزي المغربي تبني استراتيجية الاستيقاظ الجيوسياسي والجيواقتصادي، كان تأكيدا منه على أن المصالحة مع الماضي ورغم أهميتها الكبيرة إلا أنها في نظره جهاد أصغر يفتح الطريق لترسيخ الورش الكبير أو ما يطلق عليه الجهاد الأكبر، المرتبط بالجهد والإرادة التي يتطلبها إنجاح تحدي المصالحة مع المستقبل.

ووجب التوضيح هنا، أن المصالحة مع المستقبل نعني بها المصالحة مع خلق الثروة والمصالحة مع الثروة والمصالحة مع السوق والمصالحة مع حرية المبادرة والمصالحة مع المنافسة والمصالحة مع العولمة والمصالحة مع المقاولة.

أهمية مسألة المصالحة مع الثروة ومع خلق الثروة تكمن في كونها تعتبر الطريق الوحيد الذي تمكن من الرفع من الاستثمار ومن تحريك عجلة خلق وتطوير المقاولات مع ما يعنيه ذلك من العمل على الفعل والخلق والابتكار والاختراع وتدمير القديم وخلق الجديد وبالتالي التنمية ومن خلالهما خلق فرص الشغل، لهذا تعتبر مسالة المصالحة مع المستقبل مسالة أساسية في عملية بناء المغرب الجديد.

المصالحة مع المستقبل تتطلب مصالحة المغاربة مع الثروة والمقاولة والربح تأثر العقل الجمعي المغربي بشكل كبير بثقافة العقل الجمعي الفرنسي، وهنا وجب التأكيد على أن فكر الحركة الوطنية المغربية بعد الاستقلال كان فكرا متأثرا بشكل كبير بالتجربة الفرنسية بشكل عام وببرنامج المجلس الوطني للمقاومة بفرنسا بشكل خاص (خصوصا النخب التي تكونت في المدارس الفرنسية سواء نخب المغرب الرسمي أو نخب المغرب السياسي المعارض) والذي كان يتوخى في مجمله وضع الاقتصاد الوطني تحت المراقبة العمومية وتطوير كبير للحماية الاجتماعية من خلال القانون والعمل على خلق تنظيم نقابي مستقل وقوي.

ولكن الانتقاد الكبير الذي وجه لبرنامج المجلس الوطني للمقاومة الفرنسية الذي بصم فكر الحركة الوطنية المغربية بعد الاستقلال، كان يتمثل في كون هذا الأخير لم يحدد أية مساحة بداخله لمفهوم الحوار ولا للعقد ولا للمعاهدات ولا للاتفاقات، مما ولد إقصاء للمقاولة والربح والمقاولين لدى الرأي العام الوطني الفرنسي ورسخ الحضور القوي في العقل الجمعي الفرنسي للدولة والقانون والقرار الإداري والعقد الإداري ومنح للفرنسيين الدولة التي تمشي برجل واحدة (النخب المغربية المعجبة بالتجربة الفرنسية، عملت على نسخ التجربة الفرنسية بعلاتها، داخل الواقع المغربي).

لم تقف النخب الفرنسية المتصالحة مع الثروة موقف المتفرج من جمود العقل التقليدي الفرنسي أمام العقل الأنغلوسكسوني وخصوصا العقل الإنجليزي، وفي هذا السياق وجب التذكير بالمقارنة التي قام بها فولتير ما بين العقل المقاول الإنجليزي والعقل الفرنسي الجامد الذي مازال يحن للعصر الفيودالي، الذي يعتقد أن المناصب الشريفة وذات القيمة المجتمعية هي المناصب المرتبطة بالدولة (الموظفين وخدام الدولة بالأساس).

الاشتراكي والسياسي ورجل الدولة الفرنسي جون جوريس سينشر بتاريخ 28/05/1890، كتب مقالا يحمل عنوان “أيها المقاولون الفرنسيون، كونوا فخورين بعملكم” وقد جاء هذا المقال في عز الهجوم على عالم المقاولين من طرف عالم العمال، مما يوضح الخوف الكبير لدى جزء من رجال الدولة الفرنسيين المتصالحين مع خلق الثروة ومع الثروة، من تأثير الهجمات المستمرة على مهنة المقاولة على مستقبل واقتصاد فرنسا.

وأكدت مجريات الأحداث وتطورها أن هؤلاء المفكرين كانوا على صواب في تحذيراتهم أمام ما نشهده من تراجع مهول للعقل المقاول الفرنسي أمام العقل المقاول الأمريكي والبريطاني والألماني وحتى العقل الآسيوي (وتأثير هذا التراجع على الاقتصاد الفرنسي).

العدوى انتقلت كذلك إلى العقل الجمعي المغربي من خلال تفضيل العمل في الوظيفة العمومية، مع العلم أنه وبخلاف النخب الفرنسية المنتقدة لجمود العقل الفرنسي فإن غالبية النخب المغربية لم تملك شجاعة انتقاد العقل الجمعي المغربي في ما يخص عدم مصالحته مع الثروة، كما أن العقل الجمعي المغربي تأثر كثيرا بالحضور القوي للأيديولوجية الماركسية واليسارية التي تكره أصحاب الرأسمال (حيث يقول ماركس -إذا جاء المال إلى العالم ببقعة دم خلقية (Augier) على خذ واحد، فإن رأس المال يأتي يقطر من الرأس إلى أخمص القدمين، ومن كل مسام، بالدم والأوساخ).

ما يشهده العالم اليوم يؤكد عكس ما ذهب اليه ماركس، حيث يلاحظ الاعتماد على السياسات المهتمة باستقطاب رؤوس الأموال أو ما أطلق عليها الشيوعي السابق ألان مينك الاعتماد على قانون الجاذبية (السياسات المهتمة بجذب الرأسمال، صار يطلق عليها قانون الجاذبية، أي متفق عليها عالميا) ويعني به جاذبية الدول للرأسمال والذي يعتبر أولوية للاقتصادات الناجحة.

العالم اليوم يرد على مقولة ماركس على الشكل التالي (رأس المال يأتي يقطر من الرأس إلى أخمص القدمين بخلق الثروة والربح وارتفاع الناتج الداخلي الخام ويمنح اللون الأخضر لميزان الأداءات والميزان التجاري ويحفز على الابتكار ويعمل على تشجيع الاختراع وتطوير العقل المقاول).

ماركس سيؤكد كذلك على أن، ليس هناك إلا طريقة واحدة لقتل الرأسمال، الضرائب ثم الضرائب، ودائما المزيد من الضرائب، ولكن العالم اليوم يتنافس في تبني استراتيجية جذب رؤوس الأموال، من خلال إحياء وتطوير الرأسمال من خلال إغرائه بالمزيد من التخفيضات الضريبية وبالمزيد من التنافس في إنشاء ما يطلق عليه الملاذات الضريبية، من أجل استقطاب رؤوس الأموال (وبالتالي يرفع غالبية الدول شعار: شجعوا الرأسمال من خلال القليل من الضرائب ثم القليل من الضرائب حتى لا تهرب إلى الملاذات الضريبية).

في افتتاحيتها بمجلة “لوبوان” المخصصة (للنقاشات الاقتصاديات الكبرى الصادرة سنة 2019) ستؤكد الكاتبة كاترين كوليو على أن رد ماركس اليوم على التغييرات التي يشهدها العالم كان سيتمحور حول المطالبة بضرورة تصور نموذج جديد للمجتمع مختلف عن النموذج الذي تصوره سابقا.

العقل الجمعي المغربي تأثر كذلك بثقافة قرن المساواة مما جعله في مجمله يكره المال وأصحاب المال والمقاولين ويعشق المساواة والمجانية والدعم والتحويلات والمحرومين والفقراء والحماية والأنظمة الأساسية والقطاع العام والدولة، ويتأكد ذلك من خلال الشعار الرسمي الذي يرفع في غالبية الاحتجاجات والذي يتغنى بالفقر (الله يبليك بحب الشعب حتى تلبس الدربالة، دربالة الكادحين ما يلبسها من ولى).

الخطير في تأثر العقل الجمعي المغربي بثقافة قرن المساواة يتمثل في ردة فعل العقل الجمعي المغربي المتشبع بثقافة قرن المساواة في تركيز اهتمامه على استراتيجية تقليص ثروة الغني بدل التركيز على استراتيجية إغناء الفقير مما يخلق ما يطلق عليه -هستيريا اقتسام ثروة الأغنياء-(وهنا سيؤكد المدير العام السابق لشركة “طوطال كريستوفر دوماركوري”، أن شعار اقتسام ثروة الأغنياء، هو شعار كاذب لأن الحقيقة المرة، هي أن اقتسام ثروة الأغنياء لن تمكن من ضمان العيش الكريم للجميع بل تعمل فقط على إفقار الجميع).

السياسي الفرنسي ميشيل روكار في الافتتاحية التي مهد بها لكتاب “فرنسا الأخبار السارة” سيؤكد أن الفرنسيين يرفضون المقاولة والمقاولين ولا يرون تحسينا لأوضاعهم إلا من خلال القانون وليس من خلال الاتفاقات أو العقود، ونظرا لهذا الرفض وهذا الكره فإن الخلافات الاجتماعية والخلافات التي عرفتها المقاولات الفرنسية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كانت عنيفة، وهذا الكره وهذا الرفض لم يمكن فرنسا من إنجاز المصالحة مع الثروة، كما لم يمكنها من تحديث فن الحوارات الاجتماعية وحرمها من تعزيز موقعها العالمي في استقطاب رؤوس الأموال.

في كتابه الاستعجال الفرنسي جاك أطالي (وهو صاحب الكتاب الذي يحمل عنوان، ماركس أو عقل العالم الصادر سنة 2005) الاقتصادي ومستشار الشؤون الاقتصادية لدى الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران سيؤكد أن قرن المساواة والأيديولوجية الماركسية رسخت الثنائية المعتمدة على المساواة والفقر، والاثنين عملا على شرعنة أيديولوجية الريع.

أيديولوجية الريع رسخت الكره والحقد على كل من يكسبون أموالهم من خلال المقاولات المبدعة من داخل مربع استراتيجية المنافسة والسوق.

ثقافة الريع عملت على شرعنة المصالحة مع الثروة الموروثة، أي القادمة من عالم الريع والمحمية بشكل جيد من الضرائب، كما أن ثقافة الريع رسخت كذلك الكره الكبير للعمل الفعلي والجدي وشرعنة المعارك الموجهة لتقليص ساعات العمل وسنوات العمل (دائما حسب جاك أطالي) لدى بعض الحضارات المتشبعة بثقافة الريع.

مما يعني أن العقل الجمعي المغربي يلزمه الكثير من الوقت والجهد والإرادة من أجل التخلص من الإرث الفكري الفرنكفوني، حتى يتسنى له تعبيد الطريق للمصالحة مع عالم الثروة وعالم المقاولة وعالم الربح.

المصالحة مع المستقبل مرتبطة بشكل كبير كذلك بالمصالحة مع العولمة غالبية المغاربة بعد مجيء العولمة وجهوا فوهات مدافعهم إليها متناسيين أنهم يعيشون داخل جغرافية منفتحة على واجهة أطلسية وواجهة متوسطية، مما يفرض عليهم التعايش الحتمي مع العولمة والانخراط فيها وتحسين موقعهم وبالتالي العمل على حجز مكان لهم في الخريطة العالمية.

الاقتصاديين على المستوى العالمي يؤكدون على أن الجغرافية تلعب دورا مهما في خلق الثروة أو العكس، وعملوا على التفريق بين الدول التي تملك واجهات بحرية والدول التي لا تملك واجهات بحرية، وأكدوا على أن الدول التي ليست لها واجهات بحرية تستفيد من دخل يمثل ثلث دخل الدول التي لها واجهات بحرية، خصوصا إذا كانت دول صغيرة، مما يعني أن الطريق مازال طويلا أمام المغرب من أجل الاستفادة من موقعه الجغرافي بشكل جيد.

الاستفادة من الموقع الجغرافي المهم للمغرب مشروط بشكل أساسي بالمصالحة مع العولمة باعتبارها جزء من المصالحة مع المستقبل.

ووجب التأكيد هنا أن المصالحة مع العولمة من المفروض كذلك أن تفتح الطريق للمصالحة مع السوق ومع المقاولة.

3- المصالحة مع المستقبل مرتبطة بشكل كبير بمصالحة العقل الجمعي المغربي مع المقاولة استراتيجية المصالحة مع المستقبل تعتمد بالأساس على المصالحة مع المقاولة، ولكنها ليست فقط المقاولة التي نظر لها في القرن الماضي باعتبارها حامية المصلحة العامة (غلبة التعريف القانوني للمقاولة)، مقاولة القرن الواحد والعشرين تحدد باعتبارها شبكة من العقود الصريحة والضمنية مع شركائها أصحاب رؤوس الأموال والمدبرين والأجراء والزبناء والممولين، وبالتالي يجب عدم الاكتفاء بالتعريف الضيق الذي يربط المقاولة بالمصلحة العامة، من خلال التركيز فقط على المقاولة باعتبارها مؤسسة مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية وتعمل على ترسيخ توافق معين بين المصلحة العامة واحترام المصلحة الاجتماعية للمقاولة، بل يجب التركيز كذلك على المميزات التي من المفروض أن تتمتع بها مقاولة القرن الواحد والعشرين.

الباحث أوليفيي كلين سيؤكد أن مقاولة القرن الواحد والعشرين ليست هي مقاولة الرأسمالية العائلية التي ميزت بداية القرن العشرين ولا المقاولة التي ميزت الرأسمالية التدبيرية، بل ان مقاولة القرن الواحد والعشرين من المفروض ان ترسخ عصر الرأسمالية التشاركية والتي تمكن من الاخذ بعين الاعتبار مصالح المساهمين والزبناء والأجراء والمجتمع بشكل كامل.

ويضيف الباحث أوليفيي كلين على أن ثنائية المقاولة وحرية المبادرة تعني أن هذا الثنائي هو في حركية دائمة من أجل الإقناع والهجوم والإبداع والاختراع، من خلال سيرورة من البحث عن الجديد والبحث عن الشيء المتنوع والبحث عن الشيء المعقد، مع القيام بذلك من داخل مربع المخاطرة والمغامرة، مما يفرض على المقاولة جذب الكفاءات والبحث الدائم عن النتائج ويفرض عليها كذلك التميز من خلال البحث عن المغامرة من المربع المحلي إلى المربع الإقليمي إلى المربع الجهوي إلى المربع الوطني إلى المربع العالمي.

وفي الخلاصة فإن مقاولة اليوم تجد نفسها ملزمة بتبني استراتيجية الأكبر والأعلى، حتى تكون مؤهلة للمساهمة في ترسيخ الاقتصاد الجديد والإبداع الجديد والتقنيات الجديدة والقيم الجديدة والمجتمع الجديد.

مقاولة القرن الواحد والعشرين من المفروض أن تلعب دورا أساسيا في استراتيجية الاستيقاظ الجيوسياسي والجيواقتصادي وبالتالي تعتبر الفاعل الأساسي في خلق الثروة مستقبلا من خلال الابتكار والاختراع والبحث عن الموارد وتحقيق الفائض، كما أن المقاولة هي المكان الطبيعي الذي يحمل في طياته بلورة الاستراتيجيات الفائزة للدول من خلال ثنائية (المقاولة-الانفتاح).

 المصالحة مع المستقبل والمصالحة مع الثروة ستعمل على إدماج الفقراء في استراتيجية خلق الثروة التجربة الأنغلوسكسونية وبخلاف التجربة الفرنكوفونية عملت على النظر إلى الفقراء بمنظور إيجابي باعتبارهم مبدعين وخلاقين وقادرين على الابتكار والاختراع والمساهمة كذلك في استراتيجية خلق الثروة، الباحث الأمريكي جون ستانيبيك سيؤكد “أن الفقراء في الولايات المتحدة يعتبرون مليارديرات في مرحلة حيرة”، وبالتالي من المفروض الاهتمام بهم ومساعدتهم من أجل خلق مقاولاتهم.

في بحثه الشهير المعنون -هزم الفقر من خلال المصالحة مع الربح-سيؤكد المستثمر الناجح في عالم الاعمال كوامباتور كريشنارو على نظريته المعتمدة على ما يطلق عليه الاهتمام بـ -أسفل الهرم- مما خلق مساحة جديدة في الخطابات السياسية المهتمة بمحاربة الفقر من خلال الاهتمام بمساعدة الفقراء على تحقيق مقاولاتهم الذاتية.

صاحب جائزة نوبل للسلام لسنة 2006 محمود يونس المهتم بالحقل الميكرو مالي سيؤكد على أن -الفقراء يعتبرون مقاولين بالفطرة- وهو ما أطلق عليه بعض الاقتصاديين تشجيع ولادة -الرأسماليين دون رأسمال -.

وتقدم بعض البرامج تجارب الآلاف من الفقراء اللذين تحولوا إلى مقاولين فعليين من خلال استراتيجية الاهتمام -بأسفل الهرم- والتي تدعو إلى الثقة في الأشخاص الفقراء والتعامل معهم كأصحاب إمكانيات ومواهب وأفكار غير مستغلة وغير مكتشفة أو تنقصها الإمكانات.

ويمكن في هذا الصدد العودة إلى كتابات الباحث ستيارت ريتورفود والتي تحمل العنوان نفسه “كيف يستثمر الفقراء أموالهم؟” حيث يحكي الكتاب عن آلاف التجارب الدولية الناجحة لأشخاص انتقلوا من عالم الفقراء إلى عالم المقاولين.

لهذا على العقل المغربي الاستفادة أكثر من العقل الأنغلوسكسوني والعقل الآسيوي لترسيخ المصالحة مع المستقبل والمصالحة مع الثروة والمصالحة مع المقاولة وفي الأخير المصالحة مع -أسفل الهرم-.

في التجربة الأنغلوسكسونية والتجربة الآسيوية يعملون على ترسيخ شعار (الله يبليك بحب الشعب، حتى دير مقاولة، مقاولة الكادحين ما ينجحها من ولى).

في كتابهما الذي يحمل عنوان “إعادة التفكير في الفقر” يؤكد الباحث ابهيجيت بانيرجي والباحثة إستير ديفلو (الحاصلان على جائزة نوبل في الاقتصاد 2019) استغرابهما من الانخفاض الكبير في طلب القروض المرتبطة بالمشاريع الميكرو مالية في التجربة المغربية، ويستنتجان أن ذلك يؤكد تخوف المغاربة من المخاطرة، ويؤكد كذلك ضعف ثقافة المقاولة لدى العقل الجمعي المغربي، مما يثبت أهمية القيام بالمصالحة مع الثروة والمصالحة مع المقاولة.

الباحث باسكال بريكنر سيؤكد أن الحضارة الأنغلوسكسونية تعتمد على حرية المبادرة الشخصية وحبها للنجاح واهتمامها بالحريات الفردية وتعودها على المخاطرة وبالتالي تقترح نموذجا للعقد الاجتماعي من ثلاثة أضلاع الأول يهم الدولة والمواطن والثاني يهم المواطن والقانون والضلع الثالث يهم المواطن والمال، وبالتالي يطرح السؤال ألم يحن الوقت بالنسبة للعقل الجمعي المغربي من أجل المصالحة مع المستقبل والمصالحة مع الثروة والمصالحة مع المقاولة؟ الخلاصة: استراتيجية الاستيقاظ الجيوسياسي والجيواقتصادي تتطلب المصالحة مع المستقبل من خلال المصالحة مع الثروة ومع حرية المبادرة ومع المقاولة ومع الربح ومع العولمة، مع ما يتطلبه ذلك من ضرورة الخروج من مربع العقل الفرنكفوني الى مربعات التجارب الدولية الناجحة والمتنوعة، لأن المستقبل ليس هو ما سيحدث، ولكن ما سنفعله، كما قال الفيلسوف هنري برغسون.

ورغم أن التجارب الدولية تثبت أن الانتقال من مربع تفكير قديم إلى مربع تفكير جديد ليس بالأمر السهل على العقل الجمعي لأنه يتطلب في البداية التخلص من الأفكار القديمة، ويتطلب كذلك القدرة على الإيمان بالأفكار الجديدة (الاقتصادي -جون مينارد كينز سيؤكد على أن “الصعوبة لا تتمثل في اعتناق الأفكار الجديدة ولكن في القدرة على التخلص من الأفكار القديمة”)، ولكن إرادة الشعوب لا تعرف المستحيل.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أسابيع | 6 قراءة)
.