هل تستطيع فئران التجارب التلاعب بنتائج الاختبارات العلمية؟

يسود الاعتقاد بأن فئران التجارب يمكن تدريبها لأداء مهام بسيطة مقابل الحصول على مكافأة؛ فتقديم قطعة طعام لفأر جائع أو شربة ماء لفأر عطشان يمكن أن تدفعه إلى اجتياز متاهة أو الضغط على مفتاح معين في إطار تجربة علمية.

وفي بعض الأحيان، تخفق الفئران في إتمام التجربة بنجاح، ولا تؤدي المهمة بالشكل المطلوب؛ ولكن الباحثين يرجعون عادة هذا الفشل إلى نسب الخطأ المقبولة التي تعود إلى عدم انتباه أو اهتمام الفأر بخطوات التجربة.

ولكن دراسة علمية حديثة أوردتها الدورية العلمية “Current Biology” كشفت الستار عن مفاجأة غير متوقعة، وهي أن الفئران ربما تتعمد في بعض الأحيان مخالفة شروط التجربة؛ على الرغم من أنها تفهم في حقيقة الأمر الخطوات التي يتوجب عليها القيام بها، وأن السبب في ذلك قد يكون رغبة الفئران في استكشاف فرضيات معينة أو محاولة اكتساب مزيد من الفهم للبيئة المحيطة بها في إطار التجربة.

وأشارت الدراسة إلى أن القرارات التي قد تتخذها بعض الفئران خلال الاختبارات السلوكية ربما تكون أكثر تعقيدا من مجرد إتيان الفعل مقابل الحصول على مكافأة.

وعلى الرغم من أن البشر هم الذين يضعون شروط التجربة، فإن الفئران ربما تستمر من تلقاء نفسها في استكشاف معطيات الاختبار والقيام باختباراتها الصغيرة الخاصة بها.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} وقال الباحث كيشور كوشيبهوتلا، أستاذ مساعد طب الأعصاب بجامعة جون هوبكنز الأمريكية ورئيس فريق الدراسة، إن هذه النتائج توسع إدراكنا لطريقة عمل عقول الفئران، وتشير إلى أن هذه القوارض ربما يكون لديها أفكار أكثر مما تبديه للبشر.

وأكد كوشيبهوتلا، في تصريحات للموقع الإلكتروني الأمريكي “بوبيولار ساينس” المتخصص في الأبحاث العلمية، أن هذه التجربة ربما تساعد في نهاية المطاف في تسليط الضوء على حقائق علمية في علم الأعصاب تنعكس على سلوكيات البشر كذلك.

وأشار رئيس فريق الدراسة إلى أن الفئران “لديها حياة داخلية أكثر عمقا مما نظن على الأرجح، فهي لا تعمل وفق آليات التحفيز فقط؛ بل ربما تكون لديها خطط تشبه الاستراتيجيات التي تحرص على تطبيقها”.

واستندت نتيجة هذه الدراسة إلى تجربة علمية سلوكية تتضمن درجة من التعقيد، حيث كان يتم تدريب الفأر على تحريك عجلة معينة برجليه الأماميين جهة اليمين أو اليسار اعتمادا على أصوات مختلفة يستمع إليها، وأن يحصل في المقابل على شربة ماء على أن يتم حرمان الفأر من المياه إذا ما قام بتحريك العجلة في الاتجاه الخاطئ.

وشملت التجربة 13 فأرا، حيث كان الباحثون يتابعون سلوكياتها ومدى سرعة ودقة تنفيذها لخطوات التجربة.

ومع تكرار التجربة، كانت الفئران تصل إلى مرحلة إتقان العمل المطلوب منها حتى تحصل في النهاية على المكافأة؛ ولكن تلاحظ مع استمرار التجربة أن أحد الفئران كان يتعمد ارتكاب الخطأ في تحريك العجلة، على الرغم من إتقانه وفهمه الصحيح لأهداف التجربة.

وللتيقن من هذه الفرضية، توقف الباحثون عن تقديم المكافأة للفأر المتمرد حتى عندما كان يقوم بتنفيذ التجربة على الوجه المطلوب لقياس ردة فعله حيال هذا التغير، وتبين لهم أن الفأر في هذه الحالة كان يتوقف عن محاولة الاستكشاف واتخاذ قرارات من تلقاء نفسه، وعاد إلى الالتزام بخطوات التجربة الصحيحة من أجل استعادة المكافأة التي يحصل عليها.

وقال الباحث براين سويس، الاختصاصي في طب الأعصاب وعلم النفس في مستشفى ماونت سايناي في الولايات المتحدة، إن “الهدف الرئيسي لعلماء طب الأعصاب الذين يعملون مع النماذج الحيوانية هو استنباط وسائل أكثر فعالية من أجل فهم سلوكيات الحيوانات التي لا تتخاطب بشكل لغوي”.

وأضاف سويس في تصريحات لموقع بيوبلار ساينس: “أعتقد أن هذه التجربة قامت بعمل مهم؛ لأنها أسهمت في إجراء تحليل متعمق لهذه الدراسة السلوكية”.

واستخدم الباحثون نموذجا حوسبيا لتقييم نتائج هذه التجربة وتحديد المتغيرات التي تؤثر على سلوكيات الفئران، وتوصلوا إلى أنه بالرغم من الدور المهم الذي يلعبه عنصر المكافأة، فإن هناك عوامل أخرى تؤثر على قرار الفأر أثناء تحريك العجلة الدوارة على سبيل المثال، وأن القرار بشان اتجاه تحريك العجلة قد يختلف من فأر إلى آخر.

ويرى الباحثون أن هذه الملاحظات بشكل عام رصدت وجود ميول معينة لدى فئران التجارب يمكن افتراض أنها تندرج في إطار استراتيجية قائمة على التعلم.

وقال كوشيبهوتلا إن “الأمر الذي يدعو إلى الدهشة هو أن الفئران تستخدم نهجا أعلى لتعلم المهام التي تبدو بسيطة، وقد تبدو هذه السلوكيات كما لو كانت لا تتكيف مع شروط التجربة، وقد يظهر الحيوان كما لو أنه قد ارتكب أطنانا من الأخطاء؛ ولكن من خلال هذه الأخطاء، فإن الفأر في الحقيقة يزداد ذكاء”.

وأوضح: “نحن نضع الفئران في مواقف غريبة، وهي لا تعرف أن البيئة وشروط التجربة التي تخضع لها قد تتغير، وهنا تظهر أهمية هذا النوع من الاستكشاف المستمر الذي تقوم بها الفئران”.

واستطرد أنه في حين أن البشر يعتمدون على اللغة من أجل فهم طبيعة المهام التي توكل إليهم، فإن الحيوانات التي لا تتخاطب باللغة يتعين أن تستكشف بنفسها القواعد التي تسري في كل تجربة بعينها.

من جانبه، أكد الباحث مارتن سويس أنه بالرغم من أن هذه الفرضية مازالت في طور الاستكشاف للتحقق من صحتها، فإنها تسمح لنا بالحصول على نظرة متعمقة بشأن طريقة عمل الدماغ وتوضيح ما الذي يحدث داخل العقل عندما تسير الأمور بالشكل الخاطئ.

وفي نهاية المطاف، فإن هذه الدراسة “ترسي القواعد من أجل فهم علم الأحياء بشكل أفضل قليلا”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أسابيع | 3 قراءة)
.