قاعدة أميركية في الأرجنتين لتضييق الخناق على الصين!

خلال حملته الانتخابية أواخر السنة الماضية، توعّد رئيس الأرجنتين خافيير ميلي بوضع حدّ للتعاون مع الصين والبرازيل والتعويل التام على شريكين رئيسيين، هما الولايات المتحدة وإسرائيل.

لكن مع توليه رئاسة الأرجنتين في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، واصطدامه بصعوبة تنفيذ تلك الوعود، حافظت حكومته على مستوى التعاون الحاصل مع الدول المذكورة، وفتح هو باب التعاون على مصراعيه للحليف الأميركي، لاسيما في المجال العسكري.

وقد مثل الشروع في إنشاء قاعدة بحرية أميركية هذا الشهر، في أقصى جنوب الأرجنتين، لرصد حركة الملاحة العالمية في مضيق ماجلان الرابط بين المحيطين: الهادئ والأطلسي، الهدية التي لم تحلم واشنطن بتحقيقها سريعًا.

موقع متميز تتمتع الأرجنتين بقيمة جيوسياسية منفردة في القارة الأميركية، حيث تمتلك 4.

500 كم على المحيط الأطلسي، وتطلّ مع تشيلي، في أقصى جنوب القارة الأميركية، على الممر المائي الرابط بين المحيطين: الأطلسي والهادئ في القطب الجنوبي، والذي يمثل الثالث من نوعه بين المحيطَين، بعد ممر قناة بنما، والممر الشمالي الغربي الذي يعبر أرخبيل القطب الشمالي الكندي، والذي لا يستخدم في الملاحة العالمية سوى في أوقات محدودة خلال صيف القطب الشمالي.

لكن زرع قاعدة بحرية أميركية في الممر المعروف بمضيق ماجلان المتاخم للقطب الجنوبي، والذي تمّ بموافقة تشيلية أرجنتينية، سوف يعلن هيمنة واشنطن على الممرات الثلاثة في القارّة الأميركية، ويكبح بذلك جماح طموح الصين في التحرك بحرية في الممر، والتنقل بين المحيطَين: الأطلسي والهادئ دون نيل الموافقة الأميركيّة.

ما حدث هذا الشهر من تحركات أميركية لإعلان إنشاء قاعدة بحرية في منطقة "أوشوايا"، اعتبرته المعارضة الأرجنتينية ارتماء في الحضن الأميركي وخطوة اندفاعية من الرئيس المنتخب حديثًا خافيير ميلي، لا تنسجم بالمرة مع أولويات عمل الحكومة في ظل أزمة مالية واجتماعية خانقة، حيث إن شعار "العلاج بالصدمة"، الذي رفعه الرئيس ميلي لحلّ أزمة الفقر والتضخم والديون الخارجية، أجهز على القدرة الشرائية لمن قاوم من الطبقات الاجتماعية في الأرجنتين حتى وقت قصير، ودفع بها للخروج في مظاهرات غير مسبوقة الأسبوع الماضي للتعبير عن رفض سياسات الحكومة.

وفي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس عن خفض ميزانيات قطاعات التعليم والصحة والنقل، وتقليص الدعم على منتجات وخدمات حيوية، شهدت ميزانية الدفاع ارتفاعًا مُثيرًا للجدل، في ظل غياب الحروب والنزاعات المسلحة داخل البلاد.

كما اعتبرت المعارضة أن تكثيف حجم المفاوضات العسكرية بين حكومة الرئيس ميلي وواشنطن، يمثل ارتهانًا مجانيًّا ومتسرّعًا للقرار الأميركي، حتى ولو تمّ باسم قطع الطريق أمام التمدد الصيني في الأرجنتين، وأميركا الجنوبية عمومًا.

مواقف متباينة وقد مثّل ردّ الفعل الرسمي على زيارة الوفد العسكري الأميركي بقيادة الجنرال لورا ريتشاردسون، قائدة القيادة الجنوبية للولايات المتحدة، إلى منطقة "أوشوايا" التابعة لمحافظة "تييرّا ديل فويغو"، أقصى جنوب الأرجنتين، أوضحَ تعبير على تباين المواقف.

فمُحافظ المنطقة الذي ينتمي لحزب يساري رفض استقبال الوفد، ووصف الجنرال ريتشاردسون، ذائعة الصيت في أميركا الجنوبية، بالشخص غير المرغوب فيه.

وقد دفع هذا الموقف، الرئيس ميلي إلى التنقل من العاصمة بوينس آيريس، قاطعًا 3.

000 كم، ليرافق الوفد العسكري الأميركي في احتفالية تدشين مشروع القاعدة البحرية، وهو بدوره يرتدي زيًا عسكريًا، لتدارك موقف السلطات الرسمية في المنطقة.

تجدر الإشارة إلى أن زيارة الوفد الأميركي إلى الأرجنتين، أتت بعد ثلاثة أشهر ونصف الشهر فقط من تولي الرئيس ميلي المنصب، ودامت ثلاثة أيام، بدءًا باجتماع مع أسماء من الحكومة الحالية، وتسليمها طائرة حربية من نوع "هرقل"، كهدية، مثل التي تم تسليمها في نفس الأسبوع إلى حكومة الإكوادور المنتخبة حديثًا، والحليفة لواشنطن أيضًا، حيث فُهمتا على أنهما مكافأتان للحكومتَين.

الرئيس ميلي، أعرب عن ترحيبه وحفاوته بالوفد العسكري الأميركي، وتقديره لمستوى الدعم الذي تلقته حكومته من واشنطن، ولم يفوّت الفرصة للهجوم على "أعداء" الأرجنتين الطامعين في خيراتها، والساعين للمسّ بسيادتها، مُلمّحًا بذلك إلى الصين التي نجحت خلال 2012، في إنشاء قاعدة فضائية، على مساحة 800 هكتار شمال الأرجنتين، في عهد حكومة الرئيسة اليسارية السابقة كريستينا كيرشنر، داعيًا إلى الحذر من تحركاتها "المُريبة" في المجال الملاحي في المنطقة.

وأشار إلى أن الاصطفاف مع الحليف الأميركي، هو وليد الانتماء الطبيعي للقارة، وهو خير ضامن لقطع الطريق أمام كل أطماع "الغزاة"، من خارج القارة، على اعتبار أن "الغرب يتعرّض للخطر" حسب عبارته! وأكّد للأرجنتينيين أن بناء قاعدة بحرية أميركية في المنطقة، يمثّل أكبر مركز لوجيستي يمهّد لجعل الأرجنتين بوّابة قارة القطب الجنوبي.

تعزيزات عسكرية في المقابل، رأى محافظ "تييرّا ديل فويغو"، أن الأرجنتينيين لا يثقون في الإدارة الأميركية التي تتعاون عسكريًا وبشكل علني مع الجانب البريطاني، في إشارة إلى الوجود العسكري البريطاني في جزر مالفيناس الأرجنتينية والمتنازع عليها مع المملكة المتحدة.

على صعيد آخر، وفي إطار اهتمام حكومة الرئيس ميلي بتنمية الجانب العسكري، على حساب باقي القطاعات، أعلن وزير الدفاع لويس بيتري الأسبوع الماضي عن شراء الأرجنتين 24 طائرة من نوع "إف – 16" من الدانمارك، مع تقنيات وبرامج تطوير معلوماتي خاص بهذه الطائرات، في صفقة بقيمة إجمالية بلغت 640 مليون دولار، تحت عنوان "الدفاع عن الأرجنتينيين"، حسب قول الوزير.

وقد كشف الجانب الدانماركي أن الأرجنتين ستتلقّى طائرة واحدة هذه السنة، وست طائرات السنة القادمة، والبقية تُسلّم تباعًا.

أما المعارضة فقد كشفت أن تاريخ صنع الطائرات يعود إلى الثمانينيات، وأن الحكومة طلبت قرضًا من الولايات المتحدة بشأن هذه الصفقة، لكن الجانب الأميركي رفض ذلك.

لم تفلح الحكومة إلى اليوم في إقناع الرأي العام بجدوى هذه الصفقة، لاسيما أن المعاهدات الدولية تمنع الأرجنتين من استخدام هذا النوع من الطائرات في نزاعها مع المملكة المتحدة حول جزر مالفيناس.

لكن عددًا من المحللين ذهب إلى أن شراء هذه الطائرات، بحرص من الرئيس ميلي، ربّما ليتمّ تقديمها لأوكرانيا كدعم لها في حربها مع روسيا، وليس في الأمر سخرية، نظرًا لأن الرئيس ميلي لطالما صرّح بأفكار تشبه هذه! الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

الوكالات      |      المصدر: الجزيرة    (منذ: 2 أسابيع | 8 قراءة)
.