عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم

عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم

عبد المجيد الزنداني.

.

حضور مبكر في ميادين التعليم الخميس 25 أبريل 2024 12:09 ص الصحوة نت - خاص منذ اللحظة الأولى لبزوغ العهد الجمهوري في اليمن، كان العلامة الراحل عبد المجيد الزنداني (1942 -2024) من أوائل المساهمين في جهود تثبيت ثورة سبتمبر والحفاظ على مكتسباتها الوطنية، مع كوكبة من الطلاب اليمنيين الذين التقى بهم وتعرف عليهم في مصر قُبيل اندلاع الثورة الجمهورية، وعلى رأسهم الأستاذ محمد محمود الزبيري.

  يحضر اسم الشيخ عبد المجيد الزنداني في ميدان التعليم في اليمن منذ بدايات العهد الجمهوري عقب ثورة 26 سبتمبر 1962، كواحدٍ من أبرز الشخصيات الفاعلة والمساهمة في إرساء دعائم التعليم، ودعم وتنمية العملية التعليمية وتطويرها ونشرها حتى وصلت معظم قرى وأرياف اليمن.

  يقول الكاتب "خالد بُريه "إن الشيخ عبد المجيد الزنداني عَمِل مع العديدِ من أبناءِ الوطن بمختلفِ توجهاتهم إلى التَّخلصِ من إرثِ الإمامة، ومخلَّفاتها، وإماتة خرافاتها، ودفن جهلها، فأضحت كراسي الزيدية الغالية تتهاوَى تحت ضرباته العلميَّة".

  وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "وبزغت إلى النُّور فكرة "المعاهدِ العلميَّة" التي سحبت البساط من الفكر الإمامي، ونشرت معالم الوسطيَّة في مختلفِ بقاعِ اليمنِ الكبير، وأزاحت الغشاوة والتَّغييب عن أبناءِ القبائل الذي يُرادُ لهم أن يكونوا بيادق في معاركِ الفناء".

  الدين والثورة وقدَّم الزنداني أول برنامج إذاعي بعنوان "الدين والثورة" على إذاعة صنعاء بعد ثورة سبتمبر عام 1962م وعمره آنذاك لا يتجاوز 21 عامًا.

وعينه المشير "السلاَّل" حينها نائبًا لوزير الإرشاد القومي والإعلام في أول حكومة بعد الثورة، كأصغر نائب وزير يمني حتى الآن.

  عقب اغتيال أبو الأحرار، الشهيد الزبيري، غادر الزنداني إلى عدن وعمل مديرًا لمعهد النور العلمي في حي الشيخ عثمان حينها، ثم عاد إلى صنعاء مجددًا في العام 1967، وتولى إدارة الشؤون العلمية في وزارة التربية والتعليم.

  وساهم بالتدريس لعدد من المواد العلمية في مدارس الجمهورية كمادة الأحياء، ثم تعيّن رئيسًا لمكتب التوجيه والإرشاد منذ إنشائه عام 1975م، وخلال عمله هذا عمل على إحداث تفاعلات فكرية واسعة عبر استقدام عدد من كبار المفكرين العرب والمسلمين إلى اليمن.

  كانت للشيخ الزنداني بصمة جلية في تأسيس المعاهد العلمية في اليمن، بالإضافة إلى إسهاماته الكبيرة في تأسيس الجمعية العلمية، ثم جمعية العلماء التي تعين عضوًا فيها، وأخيرا جامعة الإيمان.

  وعن دور الشيخ الزنداني في التعليم، يقول الكاتب بُرية "عُرِف الزنداني باهتمامه المبكر في الارتقاءِ بالعمليَّة التَّعليمية، تأليفًا، وخطابًا، وصناعة، واهتمامًا، ولا أدلَّ على ذلكَ من حضوره الزَّاهِر في كلِّ مراحلِ التَّعليم".

  وأشار: "ساهم في الكتابِ المدرسيِّ، وله حضورٌ بارزٌ في إنشاءِ المعاهدِ العلميَّة، ودورٌ جوهريٌّ في التَّعليمِ الجامعيِّ عبر جامعةِ الإيمان وفروعها، ومؤتمراتها، وحضور عالمي من خلالِ هيئةِ الإعجاز العلمي ودورها في المواءمةِ بينَ صرامة العلم ومقتضيات الإيمان، ولقاءاته العلمية في الشَّرقِ والغرب".

  زار الشيخ الزنداني جامعات إسلامية على مستوى الإقليم والعالم، ليعود بعد ذلك إلى اليمن ويؤسس جامعة الإيمان كأول جامعة أهلية إسلامية في نظامها ومناهجها سنة 1994م، وتولى رئاستها حتى صارت واحدة من أكثر الجامعات أثرًا وتأثيرًا داخل اليمن وخارجه طيلة سنوات.

  جامعة الإيمان   كانت جامعة الإيمان في العقد الأول من القرن الحالي إحدى أهم الجامعات التي تدرس العلم الشرعي، واستقطبت طلاب وعلماء وأكاديميين من أنحاء العالم الإسلامي، ويقول  "بأن الشيخ الزنداني توجَ جهوده في التعليم بجامعةٍ علمية وصلَ صداها إلى كلِّ مكان".

  وأضاف: "إذا كان يحسَبُ للراحل الدكتور عبد العزيز المقالح جذب أهم العقول الأدبيَّة والثَّقافية العربية إلى جامعةِ صنعاء؛ للإفادة من جهودهم، وتجارِبهم، وعلومهم، فيحسب للشيخ عبد المجيد استدعاء كبار أهل العلم من الشَّرقِ والغرب ليحطوا رحالهم في اليمن، للإسهام في بناءِ عمليَّة تعليميةٍ رائدة يراد لها أن تكون نموذجًا مشرقًا للعم الشرعي الواعي تشَدُّ إليه رحال طلاب العلم".

  عنت الجامعة بالعلوم الشرعية للجنسين، حتى ذاع صيتها وألتحق بها الآلاف من مختلف الجنسيات، حيث بلغ عدد المسجلين والملتحقين فيها إلى عام 2014م حوالي 30,000 من الطلاب والطالبات، انتشروا في أصقاع العالم، وصدروا مشاريع علمية ودعوية في معظم دول العالم في الشرق والغرب.

  من جانبه رأى الباحث علي الزنداني - نجل الشيخ عبد المجيد – "إلى أن دور جامعة الإيمان كان يتمثل في الخروج من مأزق العصبية المذهبية التي شاعت في الأمة الإسلامية وإيجاد أجيال تتفهم التنوع الفقهي".

  وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "أن وضع المناهج في جامعة الإيمان يراعي هذا التنوع الفقهي والاختلاف بين المذاهب، فلا يعطى الطالب مادة مذهبية في الفقه من السنة الأولى، بل يدرس كتابًا يعتمد النظر في الأخذ بالأحكام على الدليل، واستخلاص فهم الحكم والمسألة من نفس الدليل بعيدًا عن أقوال أهل المذاهب".

  وأشار "أن مناهج الجامعة تُكسِب الطالب ميزة بأنها توسعُ مداركهُ وتجعلهُ أهلًا للاجتهاد أكثر من غيرهِ ممن درس على مذهبٍ واحد، وتحرِّرهُ من العصبية التي طالما فرّقت الأمّة".

  تنوع فقهي بلا عصبية كانت جامعة الإيمان خلاصة تجارب العلامة الراحل عبد المجيد الزنداني، وصنعت حالة من التنوع وحافظت على الاختلاف الفقهي وحالة الجدل العلمية التي تصاحب مسيرة الطلاب فيها، ولم تفرض منهجا مذهبيا واحدا.

  وذكر الباحث علي الزنداني "أن هذه الآلية التي اتخذتها جامعة الإيمان في التعليم ساعدت في أن يخرج الطالب متحررًا من العصبية العمياء والنظرات الضيقة والتي عادةً ما يُصاب بها كثير من طلاب العلم الذين نشؤوا في دراسة الفقه بمذهب منذ أن شرعوا في دراسة الفقه إلى أن تخرجوا".

  وأضاف: "كان لجامعة الإيمان دورٌ في إيجاد جيلٍ من طلاب العلم ثم بعد ذلك من العلماء الذي هم كانوا طلاب علم ثم أصبحوا علماء وهم اليوم قادة الفقه والفكر بين إخوانهم ومجتمعاتهم".

  ولفت الزنداني "أن هؤلاء قد تحرروا من عقدة المذهبية وعصبياتها، ويستطيعون بفهمهم وإدراكهم واطلاعهم أن ينقلوا هذا التصور إلى من بعدهم؛ ليوجدوا حالةً من التصالح والسلم بين جميع المذاهب الفقهية التي كان هذا حالها في الحقيقة في نشأتها".

  واعتبر أن جامعة الإيمان كانت تجربة رائعة وقال: "جمّع الشيخ الزنداني علماء المسلمين ليضعوا لها المناهج، ووضح الهدف من ضمنها تجاوز الخطأ الذي وقعت فيه الأمة من العصبيات ووضعه في مفهوم الحكم الفقهي الذي يفترض أن يجمع المسلمين".

  الزنداني والمختلفين معه   وعن طريقة تعامل الشيخ الزنداني مع المختلفين معه من طلابه وغيرهم، يقول الكاتب "محمد العمراني: "الشيخ كان واسع الصدر ولين التعامل، ولا سيما مع طلابه الذين يخالفونه وينتقدونه"   وأضاف "ذات مرة كتب أحد طلاب الجامعة (الإيمان) في إحدى الصحف، عن الجامعة ومناهجها وانتقد بعض الأمور فيها، فقام بعض المحيطين بالشيخ بتحريضه على هذا الطالب الذي هو في السنوات المتقدمة بالجامعة، فلما ذهبت إليه قرأت له المقال كاملًا وهو منصت.

ثم قال: مقال متوازن وجيد إلا أن لدي عليه بعض الملاحظات، وذكرها، ثم وضح أين أصاب وأين أخطأ، ثم تغاضى عن الأمر".

  وعُرِف عن الشيخ مقارعته للعصبيات المقيتة القائمة على السلالية والمناطقية والطائفية، ولطالما عبر عن رفضه الواضح لهذه النعرات خلال رحلاته الدعوية التي طاف بها اليمن من شرقه إلى غربه، وعلى وجه الخصوص في المناطق القبلية.

  في هذا السياق يؤكد "علي الزنداني" لـ"الصحوة نت" بأن الشيخ الزنداني لطالما كان يستحضرُ سلبيات هذه المذهبية في تاريخ المسلمين، والتي للأسف استُخدِمت في صراعات سياسية وولاءات مُجتمعية وهي عصبيات جاهلية ما أنزل الله بها من سلطان.

اليمن      |      المصدر: الصحوة نت    (منذ: 1 أسابيع | 2 قراءة)
.