الأوضاع الاقتصادية والتحولات الاجتماعية تُغيب "ثقافة الادخار" لدى المغاربة

طور المغاربة عبر التاريخ نتيجة الأحداث التي عايشوها، على غرار المجاعات والجفاف والأوبئة والحروب، التي كان لها تأثير بالغ الأثر على الوضعية الاقتصادية للأسر، ممارسات خاصة للتدبير المالي والادخار، سواء من أجل مواجهة الشدائد أو الطوارئ و”دواير الزمان”، وكذا من أجل المناسبات الدينية التي يتطلب الاحتفال بها إنفاقا مضاعفا، على غرار عيد الأضحى.

وفي وقت يجتهد الكثير من أرباب الأسر المغربية، مع اقتراب هذا العيد، من أجل اقتناء الأضحية لإدخال الفرحة والسرور على أبنائهم، رصد مهتمون تراجع ثقافة الادخار في المغرب لصالح ثقافة الاستدانة لشراء الأضاحي، مرجعين ذلك إلى التحولات المجتمعية في بنية الأسرة المغربية والظروف الاقتصادية لهذه الأخيرة.

وكشفت المندوبية السامية للتخطيط، الجمعة، أنه خلال الفصل الأول من سنة 2024 بلغ معدل الأسر التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة 82,5 بالمائة، فيما تحدثت 13,1 بالمائة منها عن استقراره، و4,4 بالمائة عن تحسنه.

وبخصوص تطور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا المقبلة تتوقع 56,9 بالمائة من الأسر تدهوره، و33.

5 بالمائة استقراره، في حين ترجح 9,6 بالمائة تحسنه.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} وفي الإطار نفسه صرحت 55,9 بالمائة من الأسر، خلال الفصل الأول من سنة 2024، بأن مداخيلها تغطي مصاريفها، فيما استنزفت 42.

3 بالمائة من مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض.

ولا يتجاوز معدل الأسر التي تمكنت من ادخار جزء من مداخيلها 1,8 بالمائة.

ممارسة قديمة وثقافة جديدة في هذا الإطار قال محسن بن زاكور، دكتور متخصص في علم النفس الاجتماعي، إن “ثقافة الادخار كانت ممارسة متجذرة في التدبير المالي المنزلي في المغرب، نتيجة ارتفاع منسوب الوعي الادخاري لدى المغاربة مع مجموعة من الأحداث التي شهدتها المملكة في القرون والعقود الماضية، وكانت تدفعهم إلى ترشيد الاستهلاك، إذ كانوا يدخرون المال وكذا المؤونة بشكل وقائي من أجل استعمالهما في المناسبات أو في وقت الشدائد”.

وأضاف بن زاكور أن “هذه الثقافة باتت غائبة في المجتمع المغربي الحالي نتيجة مجموعة من التحولات الاجتماعية والاقتصادية”، مشيرا إلى أن “التخطيط المالي القبلي أو الادخار من أجل الأعياد مثلا، على غرار عيد الأضحى، انقرضا بسبب التداعيات الاقتصادية وغلاء المعيشة اليومية وارتفاع النفقات الاستهلاكية للأسرة مقابل محدودية الدخل، إذ إن الإحصاءات الرسمية للمندوبية السامية للتخطيط أكدت أن 7 في المائة فقط من الأسر في المغرب هي القادرة على الادخار”.

في السياق ذاته سجل المتحدث لهسبريس تراجع ثقافة الادخار العائلي من أجل عيد الأضحى وشراء الأضحية، لصالح القروض، إذ “يعمد العديد من أرباب الأسر في المغرب، غير القادرين على الادخار، إلى اقتراض المال، سواء من مؤسسات التمويل أو من المعارف، لشراء الأضاحي رفعا للحرج الذي قد يلحقهم، وذلك بغض النظر عن وضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية”.

وخلص الدكتور المتخصص في علم النفس الاجتماعي إلى أن “تعقيدات الحياة، خاصة في صفوف الأسر منخفضة ومتوسطة الدخل في المغرب، والميل إلى الاستهلاك، أضف إلى ذلك ارتفاع تكاليف المعيشة والتحولات الاجتماعية في بنية الأسر، كلها عوامل لا تسمح بالادخار، وانمحت معها هذه الثقافة مقابل ظهور ثقافات أخرى جديدة”.

تقاليد راسخة وتحولات اجتماعية خالد التوزاني، رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، قال إن “انتشار ثقافة الادخار بين المغاربة عند اقتراب المناسبات الدينية، وعلى رأسها عيد الأضحى، تعود إلى تقاليد راسخة في المجتمع المغربي، متمثلة في أشكال التعامل مع المال، إذ إن العديد من المغاربة عادة ما يدخرون جزءاً من المال يُخصّص للعيد ولصلة الرحم والصدقات، وجزء آخر للطوارئ، مثل مجيء ضيف أو الإصابة بمرض، ثم جزء ثالث بعيد المدى كان يُخصص لأداء مناسك الحج والعمرة”.

وأضاف التوزاني أن “ظاهرة الادخار تعود إلى هذه العادات الراسخة منذ عصور قديمة، فقد مرت على المغرب محن وشدائد وحروب وصراعات في بعض الفترات التاريخية جعلت المغاربة يغيرون نظرتهم للمال والادخار من أجل الاستعداد الأوقات الصعبة”، موضحا أن “عيد الأضحى يمثل أحد أكثر المناسبات التي يستعد لها المغاربة بمجرد توديع شهر رمضان، إذ يعمدون إلى الاقتصاد في المعيشة بعد مرور هذا الشهر، وذلك استعداداً للعيد الذي يكون فيه ذبح الأضحية واجتماع العائلة، مع ما تتطلبه هذه المناسبة السنوية من أعباء مادية كبيرة”.

ونظراً للتحولات التي يعرفها المغرب اجتماعياً واقتصادياً، سجل المتحدث ذاته أن “بعض العادات الاجتماعية بدأت تتغير، ومنها ثقافة الادخار، إذ أصبحت بعض الأسر المغربية عوض الادخار لعدة شهور تفضل اللجوء إلى القروض البنكية لتوفير تكاليف عيد الأضحى، بسبب إغراء الخطاب الإشهاري الذي يروّج لهذا النوع من القروض، ونقص التأطير العائلي والتوجيه من قبل الأقارب”.

وأورد المصرح لهسبريس أن “إحياء ثقافة الادخار في أوساط الأسر الصغيرة يمثل اليوم ضرورة ملحة لتأهيلها نفسياً واجتماعياً بمعرفة العادات الراسخة لدى الآباء، وعلى رأسها قاموس الادخار والاستثمار والاستعداد للزمن الصعب، إذ تحفل لغة المغاربة بعبارات دالة على ذلك، تم تمريرها بين الأجيال عبر الحكم والأمثال والقصص الشعبية، ويتداولها المجتمع المغربي على أوسع نطاق؛ غير أن ابتعاد المغاربة، خاصة الشباب منهم، عن هذه الثقافة الوطنية، جعلهم يعيشون في عزلة عن هويتهم المغربية”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أسابيع | 2 قراءة)
.