غيات: المجتمع غرق في تمثلات رجعية.. وتعديل مدونة الأسرة يضمن الإنصاف

قال محمد غيات، عضو اللجنة المنظمة ليوم دراسي حول مقاربة النوع الاجتماعي في المنظومة التربوية، إن “الحكم على الأشياء يحتاج إلى العودة إلى نشأتها وتطورها التاريخي”، موضحا أنه “وفق هذه الزاوية نجد أن ملف التمكين التعليمي للفتاة المغربية شكل هاجسا أساسيا في مسار بناء المجتمع المغربي الجديد الذي كان غارقا في تمثلات رجعية حول الهندسة الاجتماعية والتقسيم الاجتماعي لأدوار النساء والرجال في المجتمع”.

ووضّح غيات، وهو منسق اللجنة المؤقتة لإعداد التقرير السنوي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لسنة 2023، أنه “لا يخفى على الباحثين في التاريخ الاجتماعي وفي سوسيولوجيا التربية مدى سلطة الموروث الاجتماعي في تحديد اختيارات الأفراد وفي رسم مساراتهم الاجتماعية”، مسجلا أن “العودة إلى التاريخ مسألة جوهرية لفهم وقائع اليوم والعودة إليه واحتوائه، فهو يمنحنا فكرة تقريبية عن تاريخ المؤسسات والوقائع السياسية والاجتماعية والثقافية”.

هذه الوقائع، التي ساقها الرئيس السابق لفريق حزب التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب، وهو يتكلّم على هامش الندوة الافتتاحية لليوم الدراسي صباح الثلاثاء، هي “التي حكمت مسار تطورنا كمجتمع وكدولة”، مستحضرا في هذا السياق “انجذابه” لعمل أكاديمي في غاية الأهمية للباحثة عائشة بلعربي بعنوان: “التاريخ الاجتماعي لتعليم الفتيات بالمغرب: المرحلة ما قبل الكولونيالية 1860-1912″، الذي “جادل في إشكالية تعليم الفتاة المغربية من منظور سوسيو تاريخي”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} ولفت المتحدث عينه إلى أن “المغرب الذي كانت أول جامعة به بنتها سيدة اسمها فاطمة الفهرية تحول إلى مجتمع غارق في الانحطاط، وأسير بنيات عتيقة، من قبيل العائلة الممتدة، ومنظومة تقليدية للسلطة، بالإضافة إلى بنية تعليمية جد محدودة مجاليّا وفئويّا وجنسانيّا”، ذاكرا الرجة التي أحدثها “التدخل الأجنبي والحداثة القسرية في قلب المجتمع المغربي بشكل غير الكثير من ملامحه”، وزاد: “لحظتها تم إدراك أن أصل التفاوت بين الناس بلغة جون جاك روسو وأصل التفاضل الاجتماعي هو التعليم”.

وبالتالي، استرسل غيات، “وجد المجتمع المغربي نفسه أمام حقيقة إقصاء نصفه من الاندماج الاجتماعي والإنتاج الاقتصادي والتفاعل الحضاري عبر ترك الفتاة في خانة الأدوار المنزلية”، مؤكدا أن “إعادة الإنتاج الاجتماعي لهذه الرؤية التربوية التقليدية راهنت على تحقيق هدفين: الأول هو التحديد القبلي للأدوار الاجتماعية، والثاني هو الضبط الاجتماعي للجسد بل للروح”، وأضاف: “بين ذاك الزمان السحيق واليوم جرت مياه كثيرة تحت الجسر”.

وشدد السياسي ذاته على “أثر الاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي نصت على أن تتخذ الدول الأطراف ومنها بلادنا كافة التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة لكي تضمن المساواة بين الجنسين في التعليم والتكوين المهني، وخفض معدلات الهدر المدرسي في صفوف الفتيات، والاستفادة من برامج التربية غير النظامية ومحو الأمية”، معتبرا أن “بلادنا خطت خطوات وطيدة في هذا المسار عبر التنصيص الدستوري والتشريعي على العدالة التعليمية”.

وأشار المتحدث إلى وجود “إمكانيات للنهوض الحضاري والتنموي الذي باتت بشائره تلوح في الأفق كحصيلة لعقود من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفت تصاعدا قويا في الوتيرة مع حلول العهد الجديد”، مؤكدا أن “مغرب اليوم هو ليس هو ذاك الذي كان ما قبل المرحلة الكولونيالية أو في مرحلة السكتة القلبية؛ فبلادنا اليوم هي محط ثقة ومصداقية واحتضان قوي من المنتظم الدولي، مع إشعاع بارز في العمق الإفريقي والمحيط العربي”.

ولفت غيات إلى تحقيق البلاد “قفزة في البنيات التحتية والتجهيزات المتطورة”، لكن مع تسجيل “خصاص في التنمية البشرية مازال يحتاج إلى المزيد من العمل؛ ومن هذه المؤشرات تمدرس الفتاة المغربية، خصوصا في المناطق القروية”، وتابع: “هذا التميز المغربي يحتاج للمزيد من ترصيد المحرزات والمكتسبات، خصوصا في ملف التمكين المعرفي للفتاة المغربية الذي له صلة مباشرة بالتمكين الاقتصادي وولوج النساء إلى سوق الشغل”.

وأشار المتحدث في ختام كلمته إلى اقتراب الإعلان عن مجتمع آخر “مرتبط بمدونة الأسرة التي حان وقت تعديلها بما يستجيب للتغييرات والنوازل الاجتماعية بشكل يضمن تماسكا اجتماعيا أكثر عدالة أسرية”، خالصا إلى أن هذه “العدالة ستكون ضامنة لحق الأجيال الحالية في التربية والتعليم، فهي الضمانة لكسب التحديات والصمود في وجه عالم بلا معالم وزمن منعدم اليقين”، بتعبيره.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أسابيع | 4 قراءة)
.