الأمين بوخبزة في ذمة الله .. خسارة للحركة الإسلامية والعمل التطوعي بالمغرب

علمٌ من الرعيل الأول للحركة الإسلامية المغربية كانَه الأمين مصطفى بوخبزة الحسني، الذي رحلَ عن دنيا الناس بعد مسار من العمل التطوعي، والدعوة إلى الإسلام، والتدريس الجامعيّ، والعمل السياسي في صفوف حزب العدالة والتنمية، الذي كان من قياديّيه، ومن أوائل من دخلوا باسمه البرلمان.

رصيد وازن عبد السلام بلاجي، الأكاديمي والقيادي في حزب العدالة والتنمية الذي عرف الفقيد بوخبزة “منذ نهاية السبعينيات”، قال إنه “منذ كان طالبا كان مبادرا، صاحب أفكار، وذا نظرة ثاقبة مستقبلية، يشارك في كل التظاهرات والفعاليات الكبيرة للبلاد، وانتقل في دراسته من المغرب إلى مصر مع مجموعة من الشباب بكلية دار العلوم بالقاهرة، وكان مرموقا في طلبه وعلمه وتعلمه؛ فهو من أسرة عرفت بالعلم والفضل والأخلاق، ثم انخرط في عمل الحركة الإسلامية وكانت له فيه مبادرات للمصالحة مع قيادة حركة الشبيبة الإسلامية في ذلك الوقت، ومبادرات لجمع الشمل”.

وأضاف بلاجي في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “من مبادراته سنة 1990 أننا كنا فريقين في ‘رابطة المستقبل الإسلامي’ وحركة ‘الإصلاح والتجديد’ التي كان فيها، والتقينا معه ومع المقرئ أبو زيد، وحمل إلينا رسالة لاستئناف الخطوات الوحدوية المتوقفة أواسط الثمانينيات، وكانت هذه البادرة جيدة في وقتها، ولو لم يكتب للوحدة الانطلاق في ذلك الوقت”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} وتابع الشاهد: “لما تمت الوحدة سنة 1996، وتأسست ‘حركة التوحيد والإصلاح’، كان من أبرز القيادات التي لها الدور الأوفى، وفي تجربة العمل السياسي كان من الأوائل الذين نجحوا باكتساح كبير جدا، لدرجة أن وزير الداخلية آنذاك إدريس البصري طلب من الأمين العام آنذاك للحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية الانتقال إلى تطوان لتهدئة الأوضاع، بسبب عدم الإعلان عن المقعد البرلماني، وتخوف الناس من التزوير، قبل أن يعاد إلى صاحبه بوخبزة”.

وقبل شهر من رحيل الأمين بوخبزة قال بلاجي: “كان بيننا اتصال كبير جدا، ليتمكّن من اللقاء مع نخبة من الإخوة لتوديعهم، وطلب اللقاء بإلحاح وكان آخر لقاء قبل عشرة أيام من وفاته للاطلاع على آخر ترتيبات اللقاء الذي أراده جلسة تسامح مع الإخوة، لأنه أحس بدنو أجله، وقال في ما معناه أنه مادام حيا سيأتيه ولو حبوا، لكن وافاه الأجل قبل ذلك بأيام قليلة”.

وختم المتحدث تصريحه حول مسار بوخبزة بالقول: “لقد كان له أثر كبير جدا في العمل الاجتماعي والتعليمي وتحفيظ القرآن؛ وهو فقيد المغرب والأمة الإسلامية”.

عطاء وتضحية محمد يتيم، الوزير الأسبق والقيادي في حزب العدالة والتنمية، شهد على مسار الأمين مصطفى بوخبزة، الذي كان “حافلا بالعطاء والتضحية”، منذ “تعرفت عليه طالبا في كلية الآداب، بشعبة الفلسفة، فقد استمر بالشخصية المحافظة نفسها من حيث الهندام والسلوك، والمثابرة في الدراسة وتحصيل العلم، لكن الملتزمة بمشروع الإصلاح والدعوة على جميع الواجهات”.

وزاد يتيم: “عرفته ونحن ندرس سنة 1975 بشعبة الفلسفة، وما أدراك ما هي آنذاك إبان المد الفكري اليساري، والإيديولوجيات التي تعصف بالمدرجات أساتذة وطلبة، لكنه كان دائما بطريقته في اللباس ومحافظته، وبروزه في المجال العلمي والدراسي.

ثم بعد ذلك كان له دور كبير في عدد من المراحل المهمة التي قطعتها الحركة الإسلامية بعد الحزب، ولما وقع الانفصال عن الشبيبة وتأسيس الجماعة الإسلامية كان له دور الاتصال ومحاولة الصلح، لكن مع الأسف الشديد لم يتيسر ذلك”، وتابع: “لقد كان الفقيد نائبا برلمانيا لثلاث ولايات، وكان دائما من المواظبين والحاضرين، وهو رجل بأمة.

وآل بوخبزة على العموم مدرسة علمية وأخلاقية”، ثم أردف قائلا: “أتيحت لي قبل شهور زيارته في مدينة تطوان، وكانت فرصة ليطلعني على بعض الأعمال الاجتماعية التي يسهم فيها في التعليم والعمل الاجتماعي؛ فقد وهب نفسه للإصلاح والدعوة، والنضال على المستوى السياسي”.

وواصل المتحدث: “لم يغيّر، وهو من أسرة علمية، عمه بوخبزة عالم كبير، وعائلته محافظة، وإذا دخلت إلى تطوان لا يمكن ألا يعرفه أحد، ليس فقط سياسيا أو برلمانيا، بل لأعماله الأخرى، حيث أسهم في إنشاء مؤسسات للعمل الاجتماعي والتعليمي، وكان يتصل بأهل الخير ومن يريدون الإسهام في العمل الاجتماعي، وكان قناة؛ بحكم أنه من أسرة عريقة مشهود لها بالاستقامة، وما أعطاه الله من القبول والتيسير والبركة إلى أن أقعده المرض”.

وختم يتيم تصريحه بالقول: “قبل ثلاثة أيام زرته وسعد الدين العثماني في المستشفى ووجدته في حالة صعبة، وفرح فرحا شديدا لمّا رآنا، وبلّغنا رسالة مفادها وصية بمواصلة العمل الإصلاحي، وجمع الكلمة، والمواصلة على النهج”.

بدايات بارزة مصطفى المعتصم، الأمين العام لحزب البديل الحضاري، ذكر من جهته أنه عرف الأمين مصطفى بوخبزة “في بداية سنة 1974، لما كان تلميذا في الثانوي بتطوان، وكانت الشبيبة الإسلامية قد تحركت في حملة لتغيير المناهج الدراسية”، مردفا: “كلفني الأستاذ عبد الكريم مطيع بالبحث عن الأمين بوخبزة ومجموعة الشباب معه”.

هذا البحث دفعته تحركات للراحل بوخبزة وآخرين بتطوان، كانت قد دفعت قائد حزب التقدم والاشتراكية علي يعتة لكتابة مقال “من يحرك هؤلاء”، ليرد عليه قائد حزب الاستقلال علال الفاسي بمقال يقول فيه “إن هؤلاء يحركهم الإسلام”، وهو ما جاء إثره تكليف مطيع للمعتصم عقب قراءة هذا الرد الأخير.

وزاد المعتصم شاهدا: “كانت الثانوية أغلقت في شهر يوليوز، وذهبت لإدارة المدرسة، وقيل لي إن عمه إمام في مسجد بحي شعبي معروف، وبحثت حتى وصلت له، ووجدته مع مجموعة من الشباب يتدارسون كتاب الله في بيت بالمسجد، وكان هذا أول اتصال له بالشبيبة الإسلامية، التي التحق بها في ما بعد”.

وفي تصريحه لهسبريس قال المعتصم إن بوخبزة “ينتمي إلى أسرة عريقة في العلم والدعوة، وهو ما جعله مؤهلا ليكون مع طليعة من الشباب الملتحق بالحركة الإسلامية، وكرس حياته للإسلام والدعوة”، ثم استدرك قائلا: “لقد اختلفنا في المسار لما خرجت من الشبيبة وبقي فيها، ثم كان من مؤسسي ‘الجماعة الإسلامية’ والتحق بعد ذلك بعبد الكريم الخطيب، وبقيت علاقة أخوية متميزة بيننا تعود لبدايات العمل الإسلامي.

وهو رجل خلوق طيب القلب أعطى الكثير للعمل الإسلامي، وإن كان في الأيام الأخيرة لم نجده كما قبل لأن السياسة والسياسيين طغوا على الجانب الدعوي”.

قيادي إسلامي في تصريح لهسبريس قال الباحث المهتم بتأريخ عمل الحركة الإسلامية المغربية بلال التليدي إن الأمين بوخبزة “واحد من القيادات الأولى في صف الحركة الإسلامية وكل الجيل الذي قاد مسار الانشقاق عن الشبيبة الإسلامية، وقام بأدوار جد مهمة من أجل رأب الصدع لما وقعت الخلافات التي سميت الفتنة بعدما قُتل عمر بن جلون”.

وأضاف التليدي: “كان ينحو منحى الإصلاح بين قيادات ‘الشبيبة الإسلامية’، وكُلف بمهمة صعبة هي التواصل مع عبد الكريم مطيع بإسبانيا، واتصل به اتصالا امتد ساعات لإقناعه بمنهج الوضوح، وكانت هذه المكالمة التي كان يقصد من ورائها أن يصلح ذات البين نقطة فاصلة في تاريخ الحركة الإسلامية في المغرب، تقرّر بعدما نقل تقريرا عن فحواها قرار الانفصال عن الشبيبة الإسلامية”.

وتابع المصرح: “لقد ظل يمثل مع عبد الله اشبابو صوت جهة الشمال داخل الهيئة القيادية للجماعة الإسلامية منذ سنة 1981، وكان له دور كبير جدا في الانتقال إلى العمل العلني، فضلا عن دوره القيادي في القطاع الطلابي بالرباط، كما أنه بعدما استقر العمل لجمعية الجماعة الإسلامية ظل يقود فرعها بتطوان”.

ومن بين ما طبع مسار الراحل خوضه “تجربة العمل البرلماني التي نجح فيها لأكثر من ولاية، حتى إنه نال أصواتا كبيرة جدا في تطوان في الولاية الأولى”، ثم بعد مدة “وقعت خلافات داخل الصف الداخلي فخرج من تجربة العمل السياسي، وبقي في العمل الدعوي والاجتماعي”، إلى أن ألمّ به مرض موته.

بعد هذه المحطات تفرغ الفقيد “للعمل الثقافي والاجتماعي، وبرز اسمه بشكل كبير في العمل الخيري بتطوان، فما من دار فقراء ومعوزين هناك إلا وصَلها عطاؤه، وكان اهتمامه كبيرا بالطلبة، الذين كان يسعى عند المحسنين لإيوائهم ومساعدتهم”، كما “برز اسمه في العمل الصحي والطبي لمساعدة المرضى وذوي الأمراض المزمنة وتمكينهم من عمليات مجانية، بفضل علاقاته الواسعة بالأطباء والمستشفيات”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 أسابيع | 3 قراءة)
.