قطب سانو: الفكر الإسلامي ابتلي بـ"الصراع المفتعل" بين العقل والنقل

قال مصطفى قطب سانو، أمين عام مجمع الفقه الإسلامي بجدة، إن “الفكر الإسلامي قد ابتلي، في فترة مبكرة من تاريخه، بصراع مفتعل بين العقل والنقل”، ولو أنه “لا يتصارع النقل الصحيح مع العقل السليم، وبلا عقل لا يمكن أن نفهم النقل، والرسول ﷺ درب أصحابه على الاجتهاد، حتى لا يقال بعده إن الاجتهاد ممنوع”.

جاء هذا في محاضرة نظمت بالموازاة مع الدروس الحسنية، استقبلتها العاصمة الرباط أمس الأربعاء، بمبادرة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وتعاون مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس، وألقاها مصطفى قطب سانو، الأستاذ الغيني المتخصص في الفقه وأصول الفقه، الذي بين أنه “عند تعارض العقل والنقل قد يكون الخلل في النقل الضعيف، أو العقل الذي يناقش مسائل الغيب الخارجة عليه، والداخلة في اختبار الله إيماننا”.

وتابع: “اختبر رسول الله معاذا بن جبل، عما يحكم به فقال (فيما معناه) الكتاب، ثم السنة، ثم الاجتهاد دون تقصير”، ثم “الإمام الغزالي في حديثه عن مصادر التشريع تحدث عن الكتاب والسنة والعقل، ويعني بالعقل الاجتهاد، ومنه تفرعت المصالح المرسلة والاستحسان والاستصحاب وسد الذرائع وفتح الذرائع”، ودافع المحاضر عن أن “مَن تمنطق تعقل”، وأن “الشك مدخل الإيمان؛ كما منهجُ نبي الله إبراهيم”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} وتشبث قطب سانو بـ”الحاجة إلى العلوم الإنسانية”؛ قائلا: “المجتهد لا يمكن أن يكون مجتهدا دون معرفة بمبادئ هذه العلوم، فهي محاولة عقلية منهجية لإيجاد العلاقة بين المثال والواقع، والثابت والمتغير، وفي محو هذه العلاقة الإنسان”، وشدد على أن الفصل بين العلوم الإسلامية والعلوم الإنسانية ليس حلا؛ بل “التكامل بينها”.

واسترسل شارحا: “الاجتهاد تناغم وتناسق بين النص والإنسان والواقع، والعلوم الإنسانية تمكن من معرفة الإنسان وجوانبه المتعددة وقضاياه المختلفة، وما يحتاجه لامتثال الحكم”.

وذكر المتدخل أن “من ادعوا غلق باب الاجتهاد، اجتهدوا لإغلاقه، وهو ما لا يمكن؛ لأن مغلقيه أغلقوه باجتهاد”، ولو أنهم “أرادوا إغلاقه على أشباه المتعلمين، لمن يريدون الاجتهاد ولما يبلغوا مرتبته”، بينما تتابع قضايا الواقع والعصر “تتابعا مستمرا، في مختلف مناحي الحياة، وتحتاج التوجيه وإعمال العقل، والاجتهادُ يوجه ويسدد”.

ويقدر أمين عام مجمع الفقه الإسلامي بجدة أن الحاجة اليوم ليست لمجرد الحديث عن الاجتهاد، بل “الحديث عن صناعة المجتهدين”؛ فـ”العلوم الإسلامية لم تنشأ في يوم واحد، بل مع السيرورة التاريخية (…) لكن القرن الرابع الهجري كان بداية الانسحاب الحضاري للأمة الإسلامية، لأنها توقفت عن بداية توليد العلوم (…) ونشأ علم المقاصد عندما وجدنا تهديدا للوجود الإسلامي بعد سقوط بغداد للاستمساك بالأصول، وعلم الكلام أتى لكي يؤكد على مركزية الاهتمام بالفلسفة والمنطقة، لتأتي بالحجج والبراهين العقلية التي تمكنها من التعامل مع الحضارات الجديدة”.

وواصل: “لا شك في قدرتنا على صنع الأطباء والقضاة والمحامين والخبراء الاجتماعيين والنفسيين (…) وتجعل العلوم الإنسانية من الاجتهاد عقلانيا مقاصديا واقعيا محققا الغاية منه”، علما أن “الغاية من العملية الاجتهادية تمكين الإنسان من التمثل والامتثال بما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه، والغاية ترشيده وتسديده وتوجيهه، وجعله يستفيد من الكون (…) لا أن يكون متمردا عليه ولا متمردا على سنة الله فيه”.

ومع دفاعه عن إمكان تعدد المجتهدين في العصر الواحد، أو أن تكون منهم مؤسسات مجتهدة؛ ذكر أن المطلوب من العالِم “نظرة توقير للنصوص غيرِ النصوص المقدسة، لا نظرة تقديس تضيفها للقرآن والسنة (…) ومن جملة القضايا التي تشكر عليها المملكة المغربية اعتماد المصالح المرسلة مصدرا مهما في التشريع، لأنه دون معرفتها والاستمساك بها قد يضرب المشرع النصوص بعضها ببعض، ويلزم الواقع بما لا يقبل”.

وبعد التفريق بين مراتب المجتهدين من مستقل بمناهج وتراتيب، ومطلق هو “مجتهد مستقل خاف من الواقع”، والتزم بمناهج سابقة، ومجتهد مقيد “يجتهد داخل المذهب”، ذكر المتدخل أن الحاجة اليوم إلى “نقلة نوعية في صناعة المجتهدين”، مع التنبيه إلى أنه “ليس على الجميع أن يكون مجتهدا أو محاميا أو طبيبا”.

ثم قال: “كل من نقول عنهم اليوم إنهم مجتهدون لم يقل أحد في أيامهم إنهم كانوا مجتهدين، ولو قلتُ إن الدكتور طه عبد الرحمان كان مجتهدا، سيقال اليوم إنه لم يبلغ رتبة الاجتهاد؛ لكن بعد خمسين عاما سيقال إنه كان مجتهدا.

لذلك، نحتاج الجرأة الفكرية المطلوبة، لنقول إن العلمية المطلوبة (اليوم) هي أن نصمم مناهجنا ومقرراتنا تصميما يمكننا من تكوين المجتهدين”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 1 أشهر | 3 قراءة)
.