التمويل الأجنبي للعمل السياسي والشفافية

لقد دار جدل ساخن حول مشروعية التمويل الأجنبي للعمل السياسي.

وكان النقاش بشكل عام وفي معظم الحالات أوليًا وركز فقط على ما إذا كانت المساعدة كمفهوم مجرد مقبولة أم لا.

جادل المدافعون عن المساعدات الخارجية بأنه يمكن استخدامها لتحقيق أهداف جيدة وأن متلقي المساعدات الخارجية ليسوا بالضرورة أفرادًا خونة أو منظمات خائنة.

وهذه الحجة مقبولة وصحيحة ولكنها مغرقة في العمومية ولا تميز بين الأنواع المختلفة من المساعدات الأجنبية.

على سبيل المثال، لن يعارض الكثير من الناس تقديم المساعدة الخارجية لبناء مدرسة أو تطعيم أطفال أو تأمين المياه النظيفة لمجتمعات محلية.

ومن السهل الدفاع عن هذا النوع من المساعدات حتى لو كان من الممكن إثارة مخاوف جدية بشأن تأثيرها على المدى الطويل.

لكن هذا النوع من التمويل يختلف عن المساعدات المخصصة لدعم مجموعات سياسية منخرطة بصورة مباشرة في المنافسة على النفوذ السياسي والسلطة المحلية.

فالجماعات السياسية التي تتلقى تمويلاً أجنبياً ستوجه بالضرورة عملها وخطابها في اتجاهات لا تزعج المانحين أو تغضبهم.

وحتى لو حافظت هذه المجموعات على أجندتها السياسية ولم تغيرها لتناسب الجهات المانحة، فإن حقيقة امتلاكها لموارد مالية أكبر تمنحها ميزة على منافسيها السياسيين المحليين الذين لا يتلقون نفس القدر من المساعدة.

وهذا هو الحال سواء كان المستفيدون من المساعدات الخارجية شيوعيين أو إسلاميين أو تقدم/قحت أو حركات مسلحة.

وفي مثل هذه الظروف، فإن البنية السياسية الداخلية وتوزيع السلطة والنفوذ يتأثر بالضرورة بالمال الأجنبي الذي تحركه قيم وأجندات معينة على حساب الرؤى المحلية التي قد لا تتطابق معها.

وهذا تشويه في الجسد السياسي سيؤدي حتماً إلى تقويض سيادية التنمية السياسية على المدى الطويل حتى لو اتفقنا وتوافقنا مرحليا مع قيم المانح.

إن تأثر التوازن السياسي المحلي بالأجانب، حتى لو كانوا ملائكة، أمر محرج وغير جميل.

ولكن يمكن للمرء أن يجادل بأنه نظرا للفقر المدقع والهشاشة، فإن الأموال الأجنبية شر لا بد منه أو لعنة لا مفر منها ويجب التسامح معها أحببناها أم كرهناها.

لكن هذه الحجة تفرض سؤالاً بالغ الأهمية حول قضية الشفافية ودورها المحتمل في الحد من سلبيات التمويل الأجنبي.

والسؤال الذي يفرض نفسه هل يحق للمنظمات سواء كانت سياسية أو تنموية أن تخفي مصادر تمويلها باعتبارها سرا يخصها وحدها ؟ أم أن من واجب هذه المجموعات (كما تفرض العديد من الحكومات في مختلف أنحاء العالم) أن تعلن للراي العام – في مواقعها على شبكة الإنترنت ومنشوراتها – عن مصادر تمويلها، وكم تتلقي، وتفاصيل إنفاق الأموال الأجنبية؟ وعلى حد علمي المحدود، فإن المدافعين عن التمويل الأجنبي لم يتناولوا قضية الشفافية كما لم يتناولوا سلبيات التمويل الأجنبي وكيفية الحد منها في حال قبولنا به.

.

معتصم اقرع                                      

السودان      |      المصدر: النيلين    (منذ: 3 أشهر | 7 قراءة)
.